أزمة الكوريتين حرب كلامية تبين ازدواجية المعايير والإرهاب النووي

رغم التهديدات المتبادلة بين الكوريتين بسبب ما أقدمت عليه كوريا الشمالية في 23 من تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي بإطلاق قذائف المدفعية على جزيرة يونبيونج التي تبعد 12 ميلا عن ساحل كوريا الشمالية في البحر الأصفر والذي أدى إلى مقتل جنديين وجرح 20 شخصا آخرين بينهم ثلاثة مدنيين، وقد أدى هذا الحادث إلى تبادل الاتهامات بين قادة البلدين واستقالة وزير الدفاع الكوري الجنوبي، وشنت كوريا الجنوبية حملة إعلامية قوية ضد كوريا الشمالية، وصرح وزير الدفاع الكوري الجنوبي الجديد كيم كوان جين لصحيفة ''شوسون ايلبو'' المحافظة ''يتعين علينا الرد بحزم على استفزازات كوريا الشمالية''. وأوصى بالتعامل بسرعة وحزم مع ''الأزمة الناشئة مع كوريا الشمالية، عبر رد يكون ''أقوى بـ 100 مرة'' إذا شن جيش بيونج يانج هجوما.
ولكن رغم التهديدات الكورية الجنوبية، فإن الوضعين الإقليمي والدولي لا يسمحان بتطور الأحداث في شبه الجزيرة الكورية، خاصة أن الدول المحيطة مثل الصين وروسيا الاتحادية وحتى كوريا الجنوبية واليابان والولايات المتحدة كلها لا ترغب في التصعيد، وقد حدث مرات عدة من الأزمات بين الكوريتين وتم احتواؤها؟ فقد أدى الانفجار الذي حدث في السفينة الحربية الكورية الجنوبية ''شيونان'' في 26 آذار (مارس) 2010 في البحر الأصفر إلى مقتل 46 من بحارتها ولكن تم احتواء تداعياته؛ لأن جيران الكوريتين ضد التصعيد في المنطقة، فنلاحظ مع حدوث هذه الأزمة التي تبادل فيها الطرفان قذائف المدفعية أن الصين تحركت لاحتوائها، كما أن الاتصالات تمت بين وزيرة الخارجية الأمريكية هلاري كلينتون ووزير الخارجية الصيني يانج جيشي، كما اتصلت كلينتون أيضا مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، بل إن الأميرال مايك مولين رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأمريكي دعا الصين إلى تكثيف الضغط على كوريا الشمالية.
ويظهر أن كوريا الشمالية استعرضت قوتها لأهداف سياسية إقليمية قبيل المناورات العسكرية الأمريكية - الكورية الجنوبية التي كان مخططا لها من قبل. تشارك في المناورات عشر سفن حربية من الجانبين، وضمنها حاملة الطائرات النووية الأمريكية ''جورج واشنطن'' التي تحمل على متنها 75 مقاتلة ونحو ستة آلاف عسكري، وتتبنى كوريا الشمالية غالبا دبلوماسية حافة الهاوية وتحفظ خط الرجعة في آخر لحظة، فقد أسفت عن سقوط المدنيين، لكنها حمَّلت الولايات المتحدة مسؤولية الحادث باعتبارها تحرض حكومة كوريا الجنوبية ضد كوريا الشمالية، ويتردد أن افتعال الأزمة في شبه الجزيرة الكورية له علاقة بارتفاع الدولار الأمريكي وحتى يبقى الدولار العملة العالمية في الأسواق الدولية، كما أن الصين انتقدت المناورات الأمريكية باعتبارها استفزازا للصين قبل كوريا الشمالية، وطرحت الحكومة الصينية مبادرة لدعوة اللجنة السداسية للتباحث في الأزمة الكورية، حيث دعت بكين لإجراء مشاورات طارئة للجنة التي تضم (روسيا والكوريتين والولايات المتحدة واليابان والصين)؛ لبحث قضية جعل شبه الجزيرة الكورية منطقة خالية من السلاح النووي. وقد وافقت اليابان على الاقتراح الصيني، كما أن وزير الخارجية الروسي لافروف علق على الأزمة الحالية بقوله ''سبق وأن شهدنا مثل هذه الأحداث، إلا أنها كانت تقتصر على إطلاقة واحدة عادة. إلا أن الحادث الأخير سبقته معلومات تفيد بأن كوريا الشمالية طلبت من كوريا الجنوبية عدم إجراء المناورات''.
ويظهر أن الولايات المتحدة تسعى لأن تجعل من منطقة شرق آسيا منطقة مضطربة، حيث إن القوى الاقتصادية العالمية أصبح ثقلها في آسيا؛ مما قد يشجع توجه رؤوس الأموال إلى العالم الغربي، خاصة في الولايات المتحدة؟ ولكن رغم التحذير الأمريكي فإن بيونج يانج لا تأخذ كل التهديدات محمل الجد؛ لأن جيرانها لن يسمحوا للولايات المتحدة بشن هجوم عليها، وخاصة لأن كوريا الشمالية ذات أهمية استراتيجية في كل من روسيا والصين، وما هو إلا تحجيم لأصدقاء واشنطن في شرق آسيا لكوريا الجنوبية واليابان، وقد أشار يفغيني كيم الخبير في معهد الدراسات الكورية التابع لأكاديمية العلوم الروسية ''لن تتجاوز التهديدات المتبادلة على الأرجح عتبة التصعيد الكلامي؛ لأنه بموجب اتفاقية عام 1953 تخضع القوات المسلحة الكورية الجنوبية لسيطرة القيادة الأمريكية، ولن تتطور الأوضاع''؛ لأن واشنطن لا ترغب في التصعيد وتبقى ضمن التهديد والوعيد.
ويلاحظ من التعامل الأمريكي مع الأزمات المتكررة حول مفاعلها النووي أنها تتميز بازدواجية المعايير، فقد دمرت إدارة بوش الابن العراق تحت ذريعة السلاح النووي وتهدد إيران وتفرض عليها العقوبات الاقتصادية وتدلل إسرائيل وتدعمها وتمنع مناقشة أن تصبح منطقة الشرق الأوسط منطقة منزوعة السلاح وأن تدخل إسرائيل في هذه المباحاثات.
وحتى مع كوريا الشمالية رغم أن كوريا الشمالية وضعها بوش الابن ضمن محور الشر عام 2002، إلا أن الإدارة الأمريكية تقدم إغراءات لكوريا الشمالية والدخول في مفاوضات حول مفاعلها النووي، علما بأن كوريا الشمالية لديها أكثر من 100 منشأة نووية؟ وبقي شبح التورط الأمريكي في مستنقع كوريا 1950/1953 ماثلا في أذهان صانعي القرار في واشنطن، ولكن في قضايا الشرق له دبلوماسية أخرى تتميز بازدواجية المعايير وأن تبقى إسرائيل القوة النووية في المنطقة وذات تفوق استراتيجي، ولكن هذا لن يحقق الاستقرار في المنطقة ما دام هناك شعوب تشعر بالظلم من واشنطن وسياستها المؤيدة لإسرائيل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي