الدخل بين الواقع والتلميع

لعل تحدي قياس دخل الشركات المدرجة في السوق المالي أو التي سيتم إدراجها هو السبب الرئيس أو الهدف غير المعلن للانتقادات التي أثارها البعض أخيرا في الصحف المحلية وعلى الأخص "الاقتصادية"، حول تلميع عناصر القوائم المالية للشركات سواء أكانت قبل الإدراج أم بعده، ويرجع ذلك لكون قياس الدخل الماضي أو المستقبل يمثل عنصراً مهماً في التحليل المالي الأساسي طولاً أو عرضاً، فعلى سبيل المثال إن مخرجات هذه التحاليل تؤثر بشكل رئيس في قيمة أسهم الشركة سواء المقدرة أو الفعلية في السوق المالي، فيؤثر قياس الدخل الماضي والحاضر والمتوقع في تحديد التدفقات النقدية الحرة أحد المدخلات المستخدمة لتحديد قيمة السهم المتوقعة، كما أنه ذو تأثير مالي مهم في قياس مؤشر الربحية لكونه المقام في معادلة قياس تلك المؤشرات، وهلم جرا. إن مثل هذه الانتقادات ليست جديدة على الفكر المهني العالمي، حيث إن أكبر تحدٍ يواجهه قياس الدخل عالمياً عدم اعترافه بالتغيرات في قيم الأصول سواء كانت حقيقة أو تغيرات في القيمة الشرائية لعناصر القوائم المالية، وذلك لاعتماده على أساس التكلفة التاريخية الثابتة والاعتراف بالإيراد والتغطية العشوائية لمصروفاته، ولذا يرى معارضوه أنه حتى لو حقق وظيفة الوكالة "قياس الأداء" إلا أنه فشل في إمداد متخذي القرارات الاقتصادية بمعلومات مفيدة، حيث إنه يخلط أرقاماً من فترات متعددة لقيم مختلفة حقيقياً وذات قيم لوحدات نقدية غير متماثلة، كل هذا يؤدي أحياناً إلى صعوبة المقارنة طولياً أو عرضياً، سواء للوحدة المحاسبية أو لقطاع اقتصادي أو للوحدات جميعاً. مما يعقد عملية اتخاذ القرارات الاقتصادية محلياً ودولياً. فعلى سبيل المثال لا الحصر، أجد أنه من الصعوبة بمكان مقارنة صافي دخل "سابك" السعودية بمثيلاتها في قطاع البتروكيميكال خاصة الشركات الناشئة، ويعود ذلك إلى أن الأصول الثابتة لشركة سابك تم بناؤها منذ عقود وبأسعار قد تكون مختلفة تماماً عن الأسعار الحالية قيمة ووحدة نقدية، فليس من العدل مقارنتها على سبيل المثال بشركة بُني كامل أصولها حديثاً.
كما أنه يصعب أحياناً مقارنة أداء شركة محلية بمثيلاتها في دول الخليج مثلاً، لاختلاف أسس التوزيع والاعتراف بالإيراد بين تلك الدول، وقد يقول القائل لماذا ما دامت جميعها تطبق معايير المحاسبة عند إعداد القوائم المالية؟ ونقول إن المشكلة ليست في المعايير ولكن في تطبيقها، حيث تتاح خيارات متعددة لقياس الدخل، وتمثل هذه مشكلة عظمى، وبالأخص في دول العالم الثالث، حيث قد لا توجد رقابة صارمة عند تطبيق المعايير المحاسبية التي تحدد أساليب التحقق والتغطية، مما يؤدي إلى التعسف أحيانا في المقارنة بين أداء الشركات، فكثيراً ما نسمع مقارنة مختلفة بين مكررات الربحية للشركات المدرجة في الأسواق، ونتناسى أن قياس الدخل مختلف بينهما، وقد يكون متباينا في القطاع ذاته والاقتصاد ككل، مما يؤثر سلبياً في القرار الاقتصادي باعتماده على الدخل مقاساً كلاسيكياً، وقد يؤدي حقيقة إلى اتخاذ قرارات اقتصادية خاطئة تضر باقتصادات الدول الناشئة ومجتمعاتها، وهنا علينا التمعن وفحص عناصر القوائم المالية وأسلوب قياسها التفصيلي بدقة وعناية قبل اتخاذ القرار الاستثماري والاقتصادي. ومما يطمئن حاليا أن مسؤولي المهنة ومفكريها على المستوى العالمي يعكفون حالياً على إيجاد الحلول الأساسية لمعالجة مشكلة قياس الدخل وعلى الأخص الاعتراف بالإيراد، وسنرى قريباً تعديلات مهمة ستؤثر في شكل وجوهر القوائم المالية للشركة عالمياً ومحلياً، تقربه من الواقع وتقلل من خطورة تلميعه. والله أعلم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي