Author

اقتصاديات طب الحشود البشرية (3 من 3)

|
بالنسبة لوزارة الصحة فمجرد وضع خطة لتحقيق نسبة وفر لا تقل عن 30 في المائة في ميزانية الحج الصحية خلال خمس سنوات سيعوض في تنفيذ بعض البرامج التي كانت تحتاج إلى ضخ بعض المبالغ لتنفيذها بجودة عالية فيكون تأثيرها مشهودا له بحضور الملايين من ضيوف الرحمن في كل عام يؤدون شعيرتي العمرة والحج. كما أن ذلك في المقابل لا بد أن يسمح لها بأن تضاف ذات النسبة خلال هذه الفترة إلى ميزانيتها؛ فتتمكن من تنفيذ برامجها المختلفة، وأهمها ''المشروع الوطني للرعاية الصحية المتكاملة والشاملة''. كل ذلك لمواجهة نسبة الزيادة السنوية في قيمة المواد والتقنيات الحديثة المستخدمة طبيا وخدميا للمساندة، وغير ذلك من احتمالات لا يسع المجال لذكرها. قد يكون هناك مخرج إذا ما اتبعت بعض السياسات لتحقيق ذلك مثل: تبسيط الإجراءات الإدارية خلال العام والموسم، ونشر استخدام تقنية المعلومات بشكل توسعي، وزيادة تدريب كادر التمريض المفترض نقله إلى المشاعر على التشخيص والعلاج وتحويل الحالات والمناولة البينية خلال العام في مواقع أعمالهم. مراقبة المخزون من أثاث وتجهيزات ومحاليل مخبرية وأدوية ... إلخ؛ سعيا لتوفير معلومات دقيقة جدا تجعل آلية المراقبة على إعداد قوائم التأمين والنقل والتوزيع والاستهلاك سهلة وآنية. بالتعمق مجهريا في ماهية المطلوب في مناطق الحج مثلا، فإن معادلة ما يطلبه الحشد وما يقدم لهم بما هو مفترض له أن يقدم ويتم تعميمه مسألة تحتاج إلى الاستعانة بجميع المؤهلين في التخصصات المختلفة صحيا وإداريا وهندسيا. فلو سلطنا الضوء على المعتمرين والحجاج على أنهم أفراد متشابهون ومختلفون في الثقافات، سليمون ومرضى مصابون بأمراض معدية وغير معدية، يتواجدون في كل الفصول الأربعة، ويتعرضون لدرجات من الإجهاد مختلفة، ويعيشون لفترة في المواقع نفسها، فإننا ننظر إلى معادلات معقدة تحتاج لفهمها تصميم نماذج قد تستغرق سنوات عدة لحساب المدخلات والمخرجات بكل سهولة. ستستغرق فرق العمل الكثير من الوقت في كيفية تحويل أجوبة الأسئلة التالية إلى أرقام لوضع تصور كامل للأحداث في حشد سيقارب خمسة ملايين في الأعوام القادمة - بإذن الله. من هذه التساؤلات: (1) هل حددت الفوارق بين مختلف الخدمات الصحية المقدمة في المراكز الصحية والمستشفيات لجميع فرق العمل في المواقع المختلفة من مناطق الحشود؟ ومن داخل المستشفيات (2) هل تعي جميع الأطقم العاملة الفوارق بين مختلف التخصصات لمختلف المحاور الطبية في مختلف الظروف وتأثير ذلك على التكاليف؟ (3) هل وعى مقدم الخدمة مدى صعوبة تقبل وجود عدوى في المرفق الصحي يتسبب في الكثير من الذعر، وبالتالي للارتباك عمليا ومهنيا، وبالتالي الضخ غير المبرر ماليا؟ (4) هل قورنت التكلفة بين فترة انتشار خبر وباء وأخرى مرت دون أي هلع صحي عالمي أو محلي، مع أن الحشد واحد؟ في هذه (5) هل يمكن تصور حجم التعبئة والإعداد الذي قد يكون خياليا في معظم الأحيان؟ بمعنى آخر مقارنة أعداد المراجعين للمرافق الصحية أو ما تم اكتشافه من حالات من قبل الفرق الطبية السيارة أو الإسعافية الميدانية في منطقة المشاعر مع غيرها وقارنا ذلك بما تم تجهيزه وحشده في رمضان في أي من المنطقتين أو كلتاهما؟ (6) هل ما تم حشده من آليات وموارد بشرية منطقي أم هناك حاجة إلى الإحلال بالتقنية والتجهيزات للإسراع في تقديم الخدمة وتجويدها؟ (7) هل لتسيير قطار المشاعر أثر في تحجيم انتشار الأمراض المعدية ونسبة المراجعين للمراكز أو المستشفيات بتخفيفه الجهد الذي يبذله الحاج في التنقل أو تنظيم تواجد الإعداد في الأوقات المختلفة من اليوم في الفصول المختلفة؟ (8) هل ما نقوم به في المشاعر يجعلنا أكثر استعدادا صحيا للموسم أو المواسم والأنشطة أو المحافل الأخرى لوجستيا (معلوماتيا وزمنيا ومكانيا ومواد ... إلخ) أو بشريا؟ (9) هل الإصابة بالأمراض الفيروسية أكثر ضراوة صحيا على الحشود المتحركة أم البكتيرية أو الطفيلية؟ والأسئلة لا تنتهي، لكن حتما ستكون المعلومات في النهاية أكبر معين للجنة العليا على استقراء الوضع. ما يهم هو أن يبادر مجلس الخدمات الصحية بوضع تنظيم جمع وسير وتدفق البيانات، ومن ثم كيفية الاستفادة منها ويضع الخطط اللازمة لكيفية حساب العوائد التي ستعزز الميزانيات المرصودة للأجهزة الأعضاء في المجلس لتشرف وزارة الصحة في النهاية على تحديد الآليات والموارد البشرية المفترض حشدها لمناطق الحج والحرمين الشريفين لمواسم العمرة. في هذه الخطة يتوجب علينا العمل على العديد من عناصر التحكم في الخطة، ويمكن في هذا الجانب تشكيل لجان متخصصة على مدار العام لإقامة الدورات التدريبية في (1) إعداد الاستراتيجيات والخطط التفصيلية، (2) التدخل المباشر عند اللزوم وتوزيع المهام بكفاءة عالية، (3) تصميم المواقف والأحداث، (4) مراقبة الإصحاح البيئي - من جانب صحي - لتفادي أي مفاجآت صحية. (5) برامج التوعية الصحية داخليا وخارجيا، (6) التحليل المباشر للأفلام وللإحصائيات. (7) إعداد اللوائح العامة والتفصيلية المنظمة لأداء الجهات المختلفة في الحج والعمرة على مدار العام... إلخ. هذا يستدعي أن ندخل المحاكاة Simulation في التعليم الطبي، سواء في مرحلة البكالوريوس أو في مراحل الدراسات العليا. كما قد يعمم ذلك أيضا على باقي العلوم الطبية التطبيقية الأخرى لما له من إيجابيات كبيرة على المستويين الاقتصادي والصحي وتطوير المحتوى العلمي. وفي الختام، يمكن القول إننا خلال تجمع الحشود قد لا نستطيع التحكم في من يتحرك في هذا المكان أو ذاك، في أي وقت من اليوم، وماذا يمكن أن يتناول أو يصاب به، لكن نستطيع جعله يتحرك في المسار الذي أعددناه له، فيقوم بأداء النسك كما جاء في النصوص الشرعية، ونقوم نحن بأداء واجبنا تجاهه كما ينبغي لخدمته كأحد ضيوف الرحمن. والله المستعان.
إنشرها