المملكة أدخلت مهنة الطوافة مرحلة التطوير العملي وتنظيم الخدمات

المملكة أدخلت مهنة الطوافة مرحلة التطوير العملي وتنظيم الخدمات

رغم تطور مفهوم مهنة الطوافة نتيجة لمتغيرات الحياة الاجتماعية والأحوال السياسية ومواكبتها للحداثة في زمن العولمة والصراع مع التقنية، إلا أنها لا تزال مهنة أهل مكة منذ عصر الجاهلية إلى يومنا هذا، فالمطوفون حكاية تروى وتاريخ تخط أحرفه من نور. المطوفون.. تاريخ عتيق لاسم كسب صفة الثبات منذ أن ظهر في عصر ما قبل الإسلام، وتحديدا وفقا لكتب التاريخ، منذ عهد القرشيين، الذين كانوا يقومون بتقديم الخدمات بمعناها الشامل للقادمين إلى مكة المكرمة، حيث كانت صفة "الرفادة" تطلق عليهم، وهي التي تأتي لتتشكل في المعنى الفريد المتمثل في "استضافة الحجاج في البيت الحرام"، ذلك إلى جوار المهن الأخرى كالسدانة والسقاية والوفادة، إذ كانت تعنى الأخيرة بتوطيد العلاقات بين القبائل العربية. وبالرغم من تواتر الروايات والاختلاف والتباين في تاريخ مهنة الطوافة، إلا أن الاتفاق بينها يؤكد أن هذه المهنة الشريفة توالت بين أبناء مكة في صدر الإسلام، وما تلاه من العصور والأجيال والمماليك، وصولا إلى الزمن الحاضر، حيث كانت مهنة الطوافة طوال عمرها تبلور الدور الروحاني والإنساني الكبير والمتفرد من نوعه في إرشاد الحجاج والمعتمرين في كيفية تأدية النسك، حيث اتسعت رقعة المهنة وبدأت في التقدم والتطور وإضافة الأدوات المساعدة لها بالتزامن مع اتساع رقعة العالم الإسلامي وانتشار الديانة المحمدية في أقطار العالم كافة. في العام 1343 للهجرة، أدرك الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ـــ يرحمه الله ـــ بعد دخوله مكة المكرمة، أن تأمين دروب الحجاج وبسط الأمن على ربوعها يستلزم وضع تنظيمات جيدة تمكّن قاصدي بيت الله الحرام وزوار مسجد رسوله المصطفى ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ من أداء فريضتهم بيسر وسهولة، حيث بدا ذلك واضحا من خلال تأمين موانئ بحرية على البحر الأحمر بعد أن طال حصار جدة ففتح رابغ وينبع والقنفذة؛ ليستعملها الحجاج كموانئ بحرية تمكنهم من الوصول إلى مكة المكرمة. كان صدور المرسوم الملكي في ذلك الحين قبل نحو 88 عاما، بمثابة الخطوة الأولى لتنظيم الطوافة وتعريف مهامها في العهد السعودي، خاصة بعد صدور نظام إدارة الحج في الربع الأول من عام 1345هـ، الذي حدد مهام وواجبات المطوفين والزمازمة والمخرجين والمقومين ووكلاء المطوفين في جدة ونقباء جدة ووكلاء المدينة المنورة، إضافة إلى وظائف إدارة الصحة العامة وواجبات الحجاج. وللوصول إلى المزيد من التنظيم والتطوير لخدمات الحجاج تتابع صدور التنظيمات والقرارات الملكية التي تهتم بتنظيم أعمال المطوفين وتحديد مهامهم ومسؤولياتهم؛ ليتبعها صدور الموافقة على نظام وكلاء المطوفين، ومشايخ الجاوا، ليضيف اهتماما آخر إلى مهنة الطوافة في العهد السعودي، ويدخلها مرحلة التطوير العملي والتنظيم الجيد للخدمات بعد أن تم إنشاء المديرية العامة للحج في العام نفسه لتكون عملية خدمات الحجاج أكثر تنظيما؛ إذ تضمنت مهامها استقبال الحجاج وتيسير إجراءات إقامتهم وسكنهم وتنقلاتهم، وقامت بإنشاء مخيمات لاستراحة الحجاج في المدينة المنورة وجدة وقد بلغت ميزانيتها خلال ذلك العام 387.570 ألف ريال، ولم يكن مثل هذا الأمر مألوفا لدى الحجاج من قبل. وبعد نحو 12 عاما من تلك التنظيمات التي أسهمت كثيرا في التيسير على حجاج البيت لتأديتهم مناسك الحج بيسر وسهولة مطمأنين في راحة وأمان، جاء المرسوم الملكي رقم 7267 وتاريخ 3/11/1367هـ المصادق على نظام المطوفين العام، معتبرا الطوافة "وظائف معينة يؤديها كل مطوف ثبتت معلمانيته بمقتضى تعليماتها المخصوصة، وهو دليل الحاج في مناسكه وجميع ما يتعلق بالحج، وهو المسؤول عنه ضمن اختصاصه بموجب هذا النظام"، واستبقى النظام على تقسيم المطوفين إلى ثلاث طوائف، هي: "طائفة المطوفين وتشمل مطوفي العرب والفرس والأتراك والأفارقة ـــ طائفة مطوفي الهند وباكستان ـــ طائفة مشايخ الجاوا"، وعدّ النظام كل نسل المعلمين لظهورهم معلمين وما كان لآبائهم يكون لهم، وبذلك يكون الملك عبد العزيز ـــ يرحمه الله ـــ قد أبقى الطوافة داخل أبنائها وأكد استمراريتها وعمل على تطويرها. شهد عام 1371هـ صدور المرسوم الملكي بإلغاء الرسوم التي تؤخذ على الحجاج باسم رسوم الحج، والإبقاء على عوائد أرباب الطوائف "المطوفين ـــ الوكلاء ـــ الإدلاء ـــ الزمازمة"، وفي غرة صفر من عام 1372هـ صدر الأمر السامي الكريم رقم 150 متضمنا المزيد من التنظيم والتطوير للمديرية العامة للحج، وكانت هناك دوائر ذات ارتباط بها، هي: "نقابة السيارات ـــ هيئة تمييز قضايا المطوفين في مكة المكرمة ـــ هيئة المراقبة في جدة ـــ رؤساء المطوفين وهيئاتهم في جدة ـــ هيئة الادلاء في المدينة المنورة ـــ رؤساء الزمازمة". في عام 1375هـ، وبتأييد من الملك فيصل بن عبد العزيز ـــ يرحمه الله ـــ عندما كان وليا للعهد، نالت المديرية العامة للحج المزيد من الدعم والتنظيم، فجاءت الإدارة العامة للحج ومقرها الرئيس في جدة، وشهد عام 1383هـ صدور قرار مجلس الوزراء رقم 54 وتاريخ 27/12/1385هـ بإصلاح وتطوير هيئات الطوائف وخدمات الحجاج، فيما شهد عام 1385هـ صدور المرسوم الملكي رقم 12/م وتاريخ 9/5/1385هـ بحل التقارير وإلغاء هيئات المطوفين الثلاث، ومنح الحاج الحرية في السؤال عن المطوف الذي يريده وأحقية المطوف في خدمة الحجاج الذين يسألون عنه فظهر على أثر ذلك ما عرف بنظام السؤال، الأمر الذي أعقبه صدر قرار مجلس الوزراء رقم 347 وتاريخ 26/6/1385هـ والقرار الوزاري رقم 30/ق وتاريخ 27/10/1385هـ بتحديد اختصاصات مكاتب الطوائف وهيئاتها من خلال إنشاء الهيئة العليا للطوائف والهيئات الابتدائية للمطوفين والوكلاء والزمازمة والادلاء. في عام 1395هـ، أُلغي نظام السؤال، وأبدل بنظام التوزيع، حيث صنف المطوفون إلى فئات، هي: "مطوفو الدول العربية ـــ مطوفو تركيا ومسلمي أوروبا وأمريكا ـــ مطوفو الهند وباكستان ـــ مطوفو إيران ـــ مطوفو إفريقيا غير العربية ـــ مطوفو جنوب شرق آسيا". ووزع لكل مطوف متوسط يمثل عدد من يخدمهم من الحجاج وحدد سقف أعلى بثلاثة آلاف حاج وحد أدنى بـ 100 حاج. وطبق في عام 1398هـ نظام الجمع بين السؤال والتوزيع، الذي منح الحاج حرية السؤال عن المطوف الذي يريده وحدد للمطوف خدمة عدد من الحجاج، كما صدر في العام نفسه المرسوم الملكي رقم م/13 وتاريخ 4/3/1398ه المتضمن الترخيص لوزير الحج والأوقاف بوضع اللوائح التنظيمية التي يتم بموجبها منح الرخص الجديدة متضمنة شروط قيام مؤسسات الطوافة الجديدة طبقا للأنظمة التجارية وفتح باب الانفصال. في عام 1399هـ، صدر المرسوم الملكي رقم 4/ص/13162 وتاريخ 13/6/1399هـ بالموافقة على فكرة إقامة مؤسسات تجريبية لرفع مستوى مهنة الطوافة وخدمات الحجاج، وتنفيذا للمرسوم الملكي رقم م/13 وتاريخ 4/3/1398هـ صدر القرار الوزاري رقم 423/ق/م وتاريخ 3/11/1402هـ متضمنا اللائحة التنظيمية للانفصال بين الشركاء في الطوافة، على أن ينطبق في طالب الانفصال ما تضمنه قرار مجلس الوزراء رقم 284 وتاريخ 27/2/1398هـ، وكذا ما تضمنه المرسوم الملكي رقم م/13 وتاريخ 4/3/1398هـ، كما صدر القرار الوزاري رقم 19/ق/م وتاريخ 13/2/1403هـ بإجازة انفصال الأنثى الشريكة في الطوافة عن شركائها إذا توافرت فيها الشروط المطلوبة في طالب الانفصال، وبشرط أن يكون لها ولد أو زوج قادر على العمل ومتمرس على شؤون الحجاج وبتوكيل شرعي معتمد. وإن كان المرسوم الملكي رقم م/13 وتاريخ 4/3/3/1398هـ المبني على قرار مجلس الوزراء رقم 284 وتاريخ 27/2/1398هـ أشار إلى قيام مؤسسات للطوافة، فإن فكرة بروز المؤسسات استهدفت الانتقال من العمل الفردي الذي ألفه المطوفون إلى عمل جماعي منظم يستخدم الأسلوب العلمي، وهذا ما سعت إليه وزارة الحج والأوقاف منذ بروز مؤسسة مسلمي أوروبا وأمريكا عام 1399هـ كأول مؤسسة للطوافة، غير أنه لم يكتب لها النجاح لأسباب عدة، لعل أبرزها أن عدد مطوفيها لا يتجاوز خمسة مطوفين، كما أن مجموع حجاجها لا يزيد على خمسة آلاف حاج. ولتدعيم فكرة المؤسسات عمليا عمدت الوزارة إلى إدخال مطوفي حجاج تركيا في نطاق المؤسسة فصدر القرار الوزاري رقم 444/ق/م وتاريخ 18/11/1402هـ بإنشاء المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج تركيا ومسلمي أوروبا وأمريكا، تلا ذلك صدور موافقة الوزير على إضافة اسم قارة أستراليا إلى اسمها لتصبح المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج تركيا ومسلمي أوروبا وأمريكا وأستراليا، وشكّلت هذه المؤسسة خطوة مشجعة للسير في تطبيق نظام المؤسسات.
إنشرها

أضف تعليق