Author

الاستثمار في رأس المال البشري أولاً ( 2 من 2)

|
طرح التساؤل في الجزء الأول من هذه المقالة بما معناه (هل حققت خططنا الخمسية أهدافها في الاستثمار في العنصر البشري؟). إن التوجيهات السامية والدعم اللامحدود من القيادة العليا في بلادنا واضحة في هذا الشأن, ولا تحتمل أي شك أو تفسير آخر, بل إن أرقام وأهداف الميزانيات في الخطط الخمسية واضحة وجلية، فبدأ التركيز منذ بداية الخطة الرابعة على قضايا توظيف العمالة الوطنية والإحلال وتوطين الوظائف، وقضايا التطوير النوعي للتعليم العام والعالي، وركزت الخطط الخمسية على أهمية المواءمة بين مخرجات المؤسسات التعليمية والتدريب واحتياجات سوق العمل، وزيادة الطاقات الاستيعابية لمؤسسات التعليم الفني والتدريب المهني والكليات التقنية كماً ونوعاً لمواجهة متطلبات الاقتصاد الوطني، وكذلك وضع السياسات الكفيلة بتشجيع القطاع الخاص وتحفيزه على توظيف العمالة الوطنية والحد من اعتماده على العمالة الوافدة. وفي الإطار المؤسسي أولت الدولة أهمية كبيرة للتخطيط للقوى العاملة ضمن الإطار العام للتخطيط الشامل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الذي انتهجته منذ عام 1390هـ، فأنشأت مجلس القوى العاملة في عام 1400هـ مرتبطاً برئيس مجلس الوزراء ومسؤولاً عن التخطيط للقوى العاملة وتنميتها وتطويرها وتدريبها وتنظيم الاستفادة منها في جميع الأنشطة الاقتصادية، سواء على المستوى الجزئي أو الكلي، الحكومي أو الأهلي. ولأداء هذه المسؤولية أنيطت بالمجلس مهام عديدة تتمثل في: دراسة الاحتياجات من القوى العاملة السعودية وغير السعودية بفئاتها المختلفة طبقاً لاحتياجات ومتطلبات خطط وبرامج التنمية، واقتراح التنسيق بين البرامج الحكومية المختلفة لتنمية طاقات المملكة البشرية من خلال التأكُّد من كون البرامج التعليمية والتدريبية متفقة مع الاحتياجات من العمالة، ورسم السياسات لتوزيع القوى العاملة في المملكة بغرض تحقيق الاستفادة القصوى منها والحد من العمالة الوافدة، ووضع السياسات لتنويع مهارات القوى العاملة الوطنية, وزيادة مساهمتها في مجموع القوى العاملة، ووضع السياسات الكفيلة بإعطاء العمالة الحوافز المادية والمعنوية التي تشجع على العمل. ولتحقيق هذه المسؤوليات قام مجلس القوى العاملة منذ إنشائه بدراسات وأبحاث في مجالات القوى العاملة المختلفة، تم في ضوئها وضع وتنفيذ عديد من الخطط والسياسات في مجالات اختصاصه، سواء على مستويات عامة تغطي قطاعات عريضة من الاقتصاد الوطني أو على مستويات متخصصة تشمل قطاعات وأنشطة اقتصادية وفئات مهنية محددة. ويشمل أهم ما تم اتخاذه في هذا المجال، على سبيل المثال، استراتيجية تنمية القوى العاملة التي تغطي 25 عاما، والتي تتكون من مرتكزات وثوابت وأهداف عامة وفرعية وموجهات عمل لتحقيق تلك الأهداف. كما عمل المجلس على تطوير وتوسيع قاعدة التعليم الفني والتدريب المهني وتحسين نوعيته من خلال القيام برفع مستوى التدريب في عديد من معاهد التدريب إلى كليات تقنية، وإيجاد كليات تقنية جديدة، وتشجيع القطاع الخاص على المشاركة الفعالة في الجهود التدريبية وافتتاح معاهد ومراكز تدريب أهلية. كما وضع خططاً وسياسات لإدارة وتشغيل عديد من المرافق العامة والقطاعات الاقتصادية الحيوية بالعمالة الوطنية، وعمل على قصر العمل في بعض الأنشطة على السعوديين، وذلك إلى جانب وضع قواعد لزيادة توظيف العمالة الوطنية في القطاع الخاص صدر بها قرار مجلس الوزراء رقم (50) وتاريخ 21/4/1415هـ. وتركز اهتمام مجلس القوى العاملة على وجه الخصوص بالتوظيف ومشكلاته في القطاع الخاص، الذي يعتبر المجال الطبيعي لاستيعاب وتوظيف العمالة الوطنية المتزايدة، لكونه يمثل القطاع الأرحب والأوسع نشاطاً والأقدر على الاستمرار في تنمية فرص العمال بمجالاته المتنوعة، ولذلك أوصى المجلس بإنشاء صندوق تنمية الموارد البشرية الذي وافق عليه مجلس الوزراء في 29/4/1421هـ بغرض دعم التدريب والتوظيف في هذا القطاع وتشجيعه على القيام بدور أكبر في استقطاب وتدريب وتوظيف الشباب السعودي الباحث عن العمل وتحمل جزء من التكاليف المترتبة على ذلك. وقد قام الصندوق بإطلاق عدد من البرامج تهدف في مجملها إلى تأهيل القوى العاملة الوطنية وتدريبها وتوظيفها في القطاع الخاص, مع تحمل الصندوق نسبة من راتب من يتم توظيفه في منشآت القطاع الخاص بعد تأهيله وتدريبه ودعم تمويل برامج ميدانية ومشاريع وخطط ودراسات تهدف إلى توظيف السعوديين وإحلالهم محل العمالة الوافدة، إضافة إلى تقديم قروض لمنشآت تأهيل وتدريب القوى العاملة الوطنية التي تؤسس بغرض توسعة نشاطها التجاري. ومن تلك البرامج برنامج ماهر 12/12 الذي يرمي إلى تدريب 12 ألف طالب عمل للعمل في 12 مهنة مطلوبة لسوق العمل بحلول عام 2012، وهي برامج غير مرتبطة بالتوظيف، وهناك برامج تدريب مرتبطة بالتوظيف، والإرشاد المهني الموجه نحو طلاب المدارس وطالبي العمل، وبرنامج التوظيف المباشر، والعمل عن بعد، وتنمية وتطوير أصحاب الأعمال، وبرنامج دعم ملاك المنشآت الصغيرة، وتقديم المشورة الفنية والإدارية للتدريب، وتأهيل اختصاصيي توطين وظائف. والحديث عما سبق وذكر الخطط والبرامج يطول ويطول, ولو راجعنا ميزانيات الخطط الخمسية الأخيرة لوجدنا في طياتها من الأهداف وأرقام الميزانيات المرصودة لصالح الاستثمار في العنصر البشري ما يطحن الجبال ويجعل ''البحر عجينة''، ولكن ما نلمسه في واقعنا الحقيقي يبعث على الاستغراب ولا أقول الحزن (حتى لا ينقطع الفأل الحسن). فما نراه ونشاهده أن الكثير من المشاريع العملاقة في البلاد تنفذها وتقوم على إدارتها خبرات وقدرات وافدة ويكاد أن يكون العنصر المحلي شبه غائب. فهل هناك مراجعة لما تم تحقيقه وما لم يتم في مسألة بناء قدرات الموارد البشرية السعودية لتمكينها من إدارة دفة المشاريع العملاقة ومن منطلق ''جحا أولى بلحم ثوره''! أم أن الأمر سيبقى كما هو حتى يصبح المواطن وافدا في بلده؟ عضو لجنة المقاولين ـ الغرفة التجارية الصناعية في الرياض
إنشرها