Author

«تنظفـوا فإن الإسلام نظيـف»

|
اعتنى الإسلام أتَمّ العناية بالنظافة، في جميع مرافق الحياة الخاصة والعامة، في المسكن والمتجر والمدرسة ومكان العمل والشارع...، وأولى المساجد الاهتمام، قال تعالى:}وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ{ (الحج: 26)، حاثاً على نظافتها من كل نجاسة وقذارة (القرطبي)، هذا في المكان. أما الإنسان، فقد فطره الله تعالى على نظافة وطهارة كل ما يتعلق به باطناً وظاهراً، قال تعالى: }وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ{ (التوبة: 108)، وجسَّد الرسول ـــــــــ صلى الله عليه وسلم ــــــــــ سُنن الفطرة، فاهتم بالنظافة أيّما اهتمام، يقول ابن الجوزي: «كان النبي أنظف الناس»، وجاءت طائفة من الأحاديث الشريفة، تُبيّن مدى أهمية النظافة في حياة المسلم وآخرته، فكان ـــــــــــ صلى الله عليه وسلم ــــــــــ أسوتنا، وهو القائل: «تنظفوا فإن الإسلام نظيف» (ابن حبان)، فهو قدوتنا، وهو يعلم أصحابه ـــــــــ وكانوا قادمين من سفر: «إنكم قادمون على إخوانكم، فأصلحوا رحالكم، وأحسنوا لباسكم، حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس..»، وقد روى مكحول: «عن عائشة ـــــــــ رضي الله عنها ــــــــــــ قالت: كان نفر من أصحاب رسول الله ـــــــــ صلى الله عليه وسلم ــــــــ ينتظرونه عند الباب، فخرج يريدهم، وفي الدار ركوة فيها ماء، فجعل ينظر في الماء ويسوّي لحيته وشعره، قالت عائشة: فقلت له: يا رسول الله وأنت تفعل هذا؟ قال: نعم، إذا خرج الرجل إلى إخوانه، فليهيّئ من نفسه، فإنّ الله جميل يحبّ الجمال»، وهذا تقرير منه ــــــــــ صلى الله عليه وسلم ــــــــ بأن تجمّل الإنسان في الهيئة والمظهر واللباس والحذاء وكل ما يرتفق به ـــــــــ دون إسراف ولا خيلاء ـــــــــ محمود مطلوب في الإسلام، بل هذا من الجمال الذي يحبه الله. وتتحقق القدوة بالرسول ـــــــــ صلى الله عليه وسلم ـــــــــ حين يهتم المسلم بالنظافة، إن كان في الجسم أو الشعر أو الأطراف أو الثياب، فيتفقد أظافره فيقصها، وفمه فينظفه، وأسنانه فيسوكها، وشاربه فيقصه، وإبطيه فينتفهما...إلخ، وخاصة أن الله يأمره أن يتزين خمس مرات في اليوم، قال تعالى: }يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ{ (الأعراف: 31)، ثم، إن المسلم بالتزامه للنظافة، من خلال أحكام وآداب، إذا اتبعها، حَسُنَ مظهره، وطاب مخبره، وازداد في العين محبّة، وفي القلب انشراحاً، وقرب من قلوب الخلق، وأحبته النفوس، وتتوطد صلته بزوجه، ومعارفه وأصدقائه، وكان قدوة لأبنائه. كذلك، إلى جانب كون النظافة من المظاهر الدنيوية، إلا إنهاعبادة يُثاب المرء عليها ويؤجر، متى قصد بها وجه الله تعالى، والاقتداء بهدي الرسول ــــــــ صلى الله عليه وسلم ــــــــ، كذلك، تدل على عقل راجح ومدارك واسعة لفهم الأشياء وجوهرها. ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن الاهتمام بالنظافة من مسؤوليات خلافة الإنسان في الأرض، وتكريماً لهذا الإنسان وتميزه عن غيره من الكائنات، كما قال تعالى: }ولَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ والْبَحْرِ ورَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا{ً (الإسراء: 70)، ففي قص الأظافر، مثلاً، تمييز للإنسان عن غيره من الكائنات ذات المخالب، وفي حلق الشعر وقصه وترتيبه تمييز له عن غيره من المخلوقات ذات الشعور المرسلة بلا ترتيب، وفي السواك والمضمضة تمييز له عن غيره من الكائنات التي لا تنظف أفواهها ولا تعتني بنظافة أسنانها.. وهكذا، وكل ذلك مأمورون به كمسلمين، وقد قال الحكماء: من نظف ثوبه قلّ همه، ومن طاب ريحه زاد عقله، ومن طال ظفره قصرت يده. ومن ثمرات التزام المسلم بالنظافة ما تحققه من الاستقامة الإيمانية عنده، والخصال الحميدة، لما فيها من خير للفرد والمجتمع، فنظافة الفرد مدعاة لنظافة المجتمع، كون النظافة عماد عنصر الجمال في كل جميل، والله جميل يحب الجمال. ولكن، نصاب بحيرة وتساؤل، ونحن نلحظ، في واقعنا المعاش، تدن في ثقافة النظافة، حيث النفايات مرمية بشكل عشوائي هنا وهناك، وأكوام القاذورات في الحاويات، عدا عن إهمال المزروعات، وعفونة الجدران.. وكذلك، حين نرى ما لا يسرّ العين، من مسلمين، «ملتزمين»، هيئتهم الدروشة والقذارة والإهمال، يسيرون في الشوارع ويصلون في المساجد، بثيابهم الرثة وشعورهم الوسخة، وأظافرهم الطويلة، ورائحتهم الكريهة، دون الاهتمام بما تُلزمهم الفطرة من نظافة! ثم، في نفس الوقت، نصاب بصدمة وكآبة، حين نرى غيرنا، على غير ديننا، يعيشون بيننا، وقد اتخذوا من النظافة قيمة تُعبّر عن هويتهم وحضارتهم اللاإسلامية في مجتمعنا الإسلامي!؟
إنشرها