الحرائق في روسيا قد تؤدي إلى خطر نووي .. وتضرُّر خُمس محصول روسيا من القمح

الحرائق في روسيا قد تؤدي إلى خطر نووي .. وتضرُّر خُمس محصول روسيا من القمح

أكدت السلطات في الروسية، وللمرة الأولى، وصول حرائق الغابات إلى مناطق لوثها الإشعاع النووي، ونقلت وكالة أنباء ''إنترفاكس'' الروسية عن هيئة حماية الغابات في روسيا، أنها أحصت 28 حريقا في منطقة مساحتها 269 هكتارا في منطقة محيطة بمدينة بريانسك قبل أيام قليلة، وكانت هذه المنطقة الواقعة بالقرب من الحدود مع بيلاروسيا (روسيا البيضاء)، وأوكرانيا تلوثت بشكل كبير من كارثة التسرب الإشعاعي من مفاعل تشرنوبيل عام 1986، وحذر الخبراء من أن تؤدي النيران وأعمال الإطفاء إلى إثارة الجزيئات الملوثة بالإشعاع النووي.
وأعلنت وزارة الأوضاع الطارئة الروسية، على لسان وزيرها سيرجي شويجو، أن حرارة الحرائق في منطقة بريانسك الملوثة بالفعل بالإشعاع منذ كارثة مفاعل تشيرنوبل قبل أكثر من 20 عاما، يمكن أن تؤدي إلى انبعاث جزيئات مشعة ضارة في الجو.
وقال التلفزيون الرسمي، دون أن يخوض في تفاصيل: ''في حالة الحرائق هناك يمكن أن تتصاعد نويات مشعة في الجو مع جزيئات الاحتراق، وستكون النتيجة منطقة تلوث جديدة''.
وأضاف شويجو، أن حريقين اندلعا بالفعل في منطقة بريانسك التي تبعد 400 كيلومتر جنوب غربي موسكو، لكن أمكن السيطرة عليهما بسرعة.
وذكرت وزارة الطوارئ، أنها خفضت بمقدار النصف مساحة الحرائق التي تجتاح غاباتها منذ نحو أسبوعين، وقالت الوزارة: ''في الساعات الـ 24 الأخيرة، اندلع عدد من الحرائق أقل من عدد تلك التي أخمدت''. وأشارت إلى 612 بؤرة حريق على مساحة 92 ألفا و700 هكتار. وكانت الحرائق تمتد على مساحة 174 ألف هكتار، أول أمس، ويواصل نحو 165 ألف موظف في الوزارة مكافحة الحرائق بمساعدة 550 خبيرا أجنبيا تساندهم ست طائرات وسبع مروحيات.
وقالت هيئة حماية الغابات في روسيا: ''توجد خرائط توضح المناطق التي تعرضت للتلوث الإشعاعي، وكذلك توجد خرائط توضح مناطق النيران، وإذا وضعنا هذه الخرائط على بعضها البعض صار واضحا أن المناطق التي بها نشاط إشعاعي طالتها النيران''. كما اعترفت هيئة حماية الغابات في روسيا بوصول الحرائق إلى مناطق أخرى بها نشاط إشعاعي مثل منطقة تشيليابنسك في منطقة جبال الأورال، وهي منطقة يوجد بها عديد من المفاعلات النووية.
وحذر خبراء من أن حرائق الغابات المستعرة في روسيا قد تتفاقم وتؤدي إلى انتشار مواد مشعة نشطة، في الوقت الذي نفت فيه السلطات المحلية ومسؤولو المحطات النووية الروس وجود أي مخاطر، وتواترت هذه التقارير في الوقت الذي وصلت فيه حرائق الغابات إلى مسافة 80 كيلومترا من منشأة لمعالجة وتخزين النفايات النووية على بعد 1500 كيلومتر شرق العاصمة موسكو.
وقد اتهمت منظمة جرينبيس (السلام الأخضر المعنية بالبيئة) السلطات الروسية، بالتقليل من حجم الخطر الإشعاعي، قائلة: ''إن الصور الملتقطة عبر الأقمار الصناعية أظهرت أن 20 حريقا تستعر في المناطق الموبوءة''. وقال مكتب جرينبيسج في العاصمة الروسية موسكو: ''إن هناك ثلاثة من هذه الحرائق في منطقة بريناسك الملوثة بشدة وحدها''.
وقال كريستوف فون ليفين، خبير الطاقة الذرية في منظمة جرينبيس في تصريحات لصحيفة ''نيو بريسه'' الصادرة في هانوفر: ''إن منشأة ''ماياك'' في منطقة أوزيرسك تشكل خطورة بصفة خاصة.
وفي سياق متصل ذكرت وكالة رويترز، أن خبراء في مجال البيئة يقولون: ''إن الدخان المنبعث من حرائق الغابات المحتدمة في موسكو قد يضاف إلى المشكلات الصحية الناجمة عن ''سحب بنية'' تنتشر في منطقة ممتدة من آسيا إلى الأمازون''. ويقول الخبراء: ''إن الدخان الناجم عن حرائق روسيا قد يسرّع من وتيرة ارتفاع درجات الحرارة في العالم والتسبب في ذوبان جليد القطب الشمالي''.
وقال فيرابادران راماناثان، الذي يشرف على دراسة يجريها برنامج الأمم المتحدة للبيئة عن ''السحب البنية'' التي يلقى باللائمة عليها في تعتيم ضوء الشمس في مدن مثل بكين أو نيودلهي والإضرار بنمو المحاصيل في آسيا: ''التأثيرات الصحية لمثل هذه السحب هائلة''.
وتنجم هذه السحب عن تلوث المناخ بسبب انبعاث السيارات أو محطات الطاقة التي تعمل بالفحم أو نتيجة حرائق الغابات أو إحراق الخشب أو غيره من المواد التي تحرق من أجل الطهي والتدفئة. وهذه السحب شبه دائمة ويلقى باللائمة عليها في ظهور أمراض مزمنة بالقلب والجهاز التنفسي.
وذكر أكبر مسؤول صحي في موسكو، الإثنين الماضي، أن نحو 700 شخص يموتون يوميا، أي ضعف عدد الوفيات في مناخ طبيعي. وتكافح روسيا أسوأ موجة حر منذ 130 عاما. وقال هيننج رودي من جامعة ستوكهولم، الذي يشارك في الإشراف على دراسة ''السحابة البنية في الغلاف الجوي'' التي يجريها برنامج الأمم المتحدة للبيئة: ''الحرائق الروسية تشبه في الأساس ما نراه نتيجة سحب بنية أخرى.. والاختلاف الوحيد هو أن هذه تستمر إلى بضعة أسابيع''.
ويلقى باللائمة على التلوث الآسيوي في إضفاء طبقة غبار سوداء على الأنهار الجليدية في الهيمالايا تمتص قدرا من الحرارة أكبر مما تمتصه الثلوج والجليد؛ ما يسرّع من ذوبان الجليد. لكن على مستوى العالم تحجب السحب الدخانية أشعة الشمس، ومن ثم تبطئ من التغير المناخي.
وقال راماناثان: ''القلق الرئيس.. يتمثل في تأثير الدخان الروسي على القطب الشمالي مع استقرار الكربون الأسود وغيره على جليد المحيط''.
وقال كيم هولمان مدير الأبحاث في المعهد القطبي النرويجي: ''إن الهواء فوق روسيا استقر إلى حد ما في الأيام الأخيرة؛ ما يركز الدخان فوق الأرض.. لكن أي تغير في الرياح قد يخفف التلوث في موسكو، لكنه سيطلق سحبا دخانية باتجاه الشمال''.
وفي سياق متصل، أكد علي بن حسن جعفر سفير السعودية لدى روسيا، أن خادم الحرمين الشريفين قرر إرسال طائرة إلى موسكو، لإجلاء مواطني المملكة وإعادتهم إلى البلاد.
وقال السفير السعودي: ''إن خادم الحرمين اتخذ هذا القرار بسبب ما تتعرض له موسكو من تلوث جراء احتراق الغابات المحيطة بالعاصمة الروسية، ما قد يؤثر بشكل سلبي على صحة المواطنين السعوديين''. هذا وسيتم إعادة 80 مواطنا سعوديا، بمن فيهم أفراد أسر دبلوماسيين سعوديين من العاملين في سفارة المملكة، إلى البلاد.
إلى ذلك، نشرت مجلة ''نيوساينتست'' في عددها الأخير مقالة، جاء فيها ''إن الحر الشديد الذي لم تشهده روسيا سابقا والأمطار الغزيرة التي شهدتها باكستان وبعض مناطق الصين، هي نتيجة لظاهرة شاذة يعتبرها العلماء لغزا بسبب توقف حركة التيارات الهوائية السريعة عادة في طبقات الجو العليا''. وتنقل المجلة عن مايكل بليكبيرن أحد العاملين في جامعة مدينة ريدينج: ''توقف كل شيء في الجو بشكل مفاجئ.. وجمد كل شيء في النصف الشمالي من الكرة الأرضية''.
ويشير بليكبيرن إلى أنه تجري على ارتفاع 7 – 12 كيلومتر التيارات الهوائية ''النفاثة'' التي تحدد الظروف المناخية وتضمن استقرارها. وتتحرك هذه التيارات في النصف الشمالي للكرة الأرضية باتجاه الشرق، متغلبة على ما يسمى بموجات ''روسبي'' المتجهة نحو الغرب، التي تتشكل نتيجة دوران الكرة الأرضية.
ونتيجة للحرائق التي اجتاحت روسيا، سجلت أسعار الغذاء فيها ارتفاعا بنسبة تتراوح بين 15 في المائة و20 في المائة، أمس، حيث بدأ الجفاف وحرائق الغابات في التأثير على الاقتصاد. ومع تدمير المحصول وتضرر خطوط الإمداد بسبب الحرائق التي خرجت عن نطاق السيطرة تزداد أسعار السلع الغذائية طبقا لصحيفة ''روسيسكايا جازيتا''، وأضافت الصحيفة ''إن ذلك يمكن أن يقود إلى تضخم في الأسعار ليتجاوز نسبة تتراوح بين 6 و7 في المائة توقعتها الحكومة بحلول نهاية العام''.
من جهة أخرى، أفادت وزارة المالية الروسية بأن عجز الموازنة الروسية خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2010 بلغ نحو 18 مليار دولار وفقا لبيانات نشرتها الوزارة.
وحسب البيانات التي نقلتها وسائل الإعلام، فإن إيرادات خزانة الدولة بلغت حتى الأول من آب (أغسطس) الجاري نحو 155 مليار دولار، فيما تجاوز حجم النفقات 173 مليار دولار، وارتفع حجم مداخيل هيئة الضرائب التي ضخت في الموازنة الحكومية خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري بنحو 60 مليار دولار.
وفي سياق متصل، سجلت أسعار القمح أضخم زيادة شهرية لها منذ أكثر من نصف قرن، وهي الزيادة التي بلغت نسبتها أكثر من 40 في المائة خلال الشهر الماضي فقط.
وواصلت أسعار القمح تسجيل مستويات قياسية جديدة بعدما حدث خلال الشهر الماضي أكبر معدل ارتفاع شهري منذ أكثر من نصف قرن؛ بسبب تضرر محصول القمح الروسي من أسوأ موجة جفاف منذ نحو 150 عاما.
وفعلت موجة الجفاف والحرائق التي تعصف حاليا بالأحراش والمزارع الروسية فعلها ورفعت أسعار القمح، أحد أهم المحاصيل الاستراتيجية على مستوى العالم، ودمرت إيراد أكبر مصدر للقمح في العالم، إذ تضرر نحو خمس محصول روسيا من هذه السلعة، ما أسفر عن قفزة أسعار القمح إلى أعلى مستوياتها منذ نحو عامين.
وتكهن المحللون بتراجع المبيعات الروسية من القمح بنسبة قد تصل إلى أكثر من 40 في المائة خلال العام الجاري، وذلك في كل الأسواق العالمية بما فيها المنطقة العربية، التي تعاني أصلا، فجوة غذائية قفزت قيمة فاتورتها السنوية الثقيلة إلى نحو 40 مليار دولار.
وفي رأي المحللين، فإن إشكالية القمح الكبرى تتمثل في أن صعود أسعاره لا يؤدي إلى ارتفاع أسعار كل المواد الغذائية التي يدخل في صناعتها فحسب، وإنما سيؤدي أيضا إلى صعود أثمان الأعلاف، ومن ثم صعود أسعار اللحوم بكل أنواعها.
ومن المتوقع استمرار صعود هذه الأسعار على الأقل خلال الشهر الجاري، ففي المقابل هناك من يستبعد زحف أسعار هذه السلعة صوب مستوياتها القياسية القاسية التي بلغتها في العامين 2007 و2008، وهي المستويات التي تسببت مع عوامل أخرى في زيادة عدد الجوعى في العالم إلى أكثر من مليار جائع.
وأعلنت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة ''فاو''، أول من أمس، خفض توقعاتها لإنتاج القمح عالميا لعام 2010 بنحو 25 مليون طن.
وقالت المنظمة، ومقرها روما: ''إن المخاوف من وقوع أزمة غذاء عالمية مشابهة لتلك التي حدثت قبل ثلاثة أعوام ''غير مبررة''.
ودفعت أحوال الطقس غير المواتية بالنسبة إلى المحاصيل خلال الأسابيع الأخيرة، منظمة ''الفاو''، إلى خفض توقعاتها للإنتاج العالمي من القمح لعام 2010 إلى 651 مليون طن مقابل 676 مليون طن، جاءت في تقاريرها السابقة في حزيران (يونيو) الماضي.
وقالت المنظمة: ''الخفض الأخير لتوقعات إنتاج العالم من القمح لعام 2010 يشير إلى تأزم في موقف المعروض منه واحتمال ارتفاع أسعار القمح مقارنة بالموسم السابق''.
وذكرت، أن استمرار الجفاف المدمر الذي يصيب المحاصيل في روسيا الاتحادية، متواكبا مع توقعات بانخفاض الإنتاج في كازاخستان وأوكرانيا، يثير مخاوف قوية بشأن وفرة المعروض العالمي من محصول القمح لموسم التسويق خلال الفترة 2010/2011.

الأكثر قراءة