عجبي! 10 ملايين ريال صافي ربح المدرسة والرواتب «بخسة»

مدرسة أهلية تضم بين جنباتها فصولا دراسية عديدة مليئة بالطالبات من مراحل مختلفة (ابتدائي ومتوسط وثانوي)، تتميز المدرسة بموقع ومبنى جيدين وسمعة تعليمية طيبة، يصل عدد الطالبات في المرحلة الابتدائية فقط إلى ما يقارب 1350 طالبة، ويكون متوسط تكاليف الدراسة ما يقارب 13 ألف ريال للسنة الدراسية (وهذا متوسط افتراضي مبني على أقل تقدير). يعني بلغة المحاسبين دخل المدرسة السنوي (فقط من طالبات الابتدائية) 17 مليونا و550 ألف ريال سنويا ــ الله يبارك لصاحب المدرسة، اللهم لا حسد ــ وبنظرة سريعة تقريبية على مصروفات المدرسة نجد أن المدرسة تصرف أجورا للمعلمات والإداريات والعاملات زهيدة جدا ـــ وهذا مربط الفرس ــ تصل إلى 3.6 مليون ريال سنويا، وهذا على اعتبار أن متوسط الرواتب ثلاثة آلاف ريال شهريا (وهذا متوسط أجور المعلمات فقط بعد المبالغة فيه، حيث إن أغلبية المعلمات السعوديات يتسلمن راتبا يبدأ تقريبا من ألفي ريال ويصل في أفضل حالاته إلى 3500 ريال لمن تتجاوز خبرتها العملية عشر سنوات فأكثر، والمعلمات غير السعوديات تكون رواتبهن أقل من هذا المتوسط ما بين 1200 و1500 ريال!!). أيضا اعتبرنا أن عدد الموظفات 120 موظفة (وهذا عدد مبالغ فيه أيضا، حيث إن عدد المعلمات والإداريات والعاملات للمرحلة الابتدائية أقل بكثير, لكن دعونا نحسبها على الأكثر)، وعلى اعتبار أن الرواتب لمدة عشرة أشهر فقط في السنة حسب نظام المدرسة هذه بالتحديد (مع العلم أن كثيرا من المدارس الأهلية تطبق هذا النظام)، وأما مجموع باقي المصروفات من نثريات وصيانة وتشغيل للمبنى ولوازم دراسية وخلافه سيصل إلى ثلاثة ملايين ريال سنويا, وأيضا هذا مبلغ مبالغ فيه جدا, لكن دعونا نحسبها على الأكثر أيضا. يعني في الختام الربح السنوي الصافي سيكون عشرة ملايين و950 ألف ريال في السنة الواحدة, وأيضا اللهم لا حسد وعسى الله أن يبارك لمالك المدرسة.
العجيب في الأمر أن هذه المدرسة تبخل على موظفيها بالرواتب المجزية أو المعقولة على أقل تقدير، ومع ذلك تحصل على دعم مادي (معونات مادية) من وزارة التربية والتعليم, وقد تحصل على معونات من جهات حكومية أخرى، مع أن أرباحها عالية جدا ولا تحتاج إلى معونة مادية في تقديري الشخصي. تقف المعلمات بين مطرقة الحاجة إلى العمل وممارسة مهنتهن وبين سندان تدني الأجور وعدم وجود حد أدنى لها. وهذه المعونات إن وجدت لا بد أن تصب في حساب المعلمات بشكل مباشر دون مرورها بقناة المدرسة.
إداريا وأخلاقيا لا يجب استغلال حاجة الموظف إلى العمل بتقديم رواتب متدنية له، لأن هذا سيؤثر في ولاء الموظف للمؤسسة التي ينتمي إليها, وبالتالي ستكون المؤسسة قد بنت كيانها على أساس هش له أن يسقط عند تغير الظروف. الإحساس بالامتهان قد يكون من جانب عدم تقدير الموظف وتقدير سنوات خبرته وتقدير جهده المبذول لخدمة المؤسسة المنتمي إليها، وما تفعله أغلبية هذه المدارس الأهلية يبدو لي شكلا من أشكال امتهان المعلمات, وذلك بتقديم أجور بخسة لهن والحصول على أرباح عالية لمالك المدرسة الأهلية وعدم وجود نوع من التوازن في ذلك.
في الأخير أتساءل ويتساءل الكثيرون: هل المعونات المقدمة للمدارس الأهلية, التي تجني أرباحا عالية جدا على حساب المعلمات السعوديات ومثيلاتهن من غير السعوديات وعلى حساب تكاليف دراسية تعتبر عالية نوعا ما على المواطن والمقيم, لها منطقها المقبول الذي يبررها، خاصة لهذا النوع من المدارس الأهلية التي هي في غنى عنها, فأرباحها السنوية بالملايين؟ علما أن المعونات تراوح تقريبا بين 400 ألف ريال سنويا, تبعا لشروط معينة تأتي في مقدمتها المبنى (المبنى سليم والفصول الدراسية كافية وواسعة، إلى جانب تجهيز الغرف والمختبرات والمقاعد الدراسية والمكاتب ومعامل الحاسب الآلي وغيرها من التجهيزات التي تعد أساسية للمدرسة)، وتقييم الطاقم الإداري والتعليمي (مع أنني لا أعلم كيف يتم تقييم مستوى المعلمات). كما أنني أتساءل: ما دور وزارة التربية والتعليم ووزارة العمل والعمال وديوان الخدمة المدنية والوزارات الأخرى المعنية في الحد من الجشع والطمع والظلم القائم (إن صح التعبير) بصورة تدني أجور المعلمات في المدارس الأهلية، مع العلم أن هناك معلمات تخرجن منذ أكثر من عشر سنوات ولم يرشحن لوظيفة تعليمية حكومية حتى الآن؟
كما أتساءل: هل مطالبة بعض المستثمرين عن طريق الغرف التجارية بدعم التعليم الأهلي بحجة أنه استثمار في العقول وتهيئة لجيل جديد يحمل مخرجات تعليمية متطورة ومواكبة للتقدم الذي يشهده العالم الحديث؛ تعتبر مطالبة معقولة، أم أن المسألة تحولت إلى مشروع تجاري استثماري بشكل واضح؟ وهل إضافة دعم إضافي من قبل صندوق الموارد البشرية لدعم الموارد البشرية للمعلمين والمعلمات السعوديين يكون مبررا في هذا الحال؟
والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي