Author

هل نجعل مؤشر الأداء جزءاً من حياتنا العملية؟

|
مع اتصالنا بالعالم الخارجي أصبحت مفردة مؤشر الأداء متداولة على الألسن، ومن خلال وسائل الإعلام، إذ قد نقرأ شريطاً على أسفل شاشة التلفزيون يظهر مؤشر أداء الشركات والبنوك في بورصة من البورصات كبورصة نيويورك أو طوكيو أو أسواق الأسهم المحلية كالسوق السعودية، كما يظهر مؤشر الأداء العام للسوق إلى جانب المؤشرات التفصيلية الخاصة بكل شركة أو مجال، وتحرص الصحف على تضمين صفحاتها مؤشرات الأداء للأسواق العالمية لما لذلك من قيمة وأهمية لدى القارئ والجمهور بشكل عام. توقفت عند مفهوم مؤشر الأداء لقيمته في كشف الإيجابيات والسلبيات، ونظراً لعلاقته الوثيقة بالحياة اليومية لأي مجتمع يسعى إلى التطور والنمو في جميع المجالات: الاقتصادية، الوظيفية، التجارية، الطبية، الهندسية، التعليمية، الاجتماعية، والرياضية، مع أنه في الوقت الراهن يظهر في المجال الاقتصادي بشكل أكثر وضوحاً من المجالات الأخرى. تقام المعارض والأنشطة الاجتماعية وأسابيع التوعية وأسابيع المرور وأسابيع الشجرة، ونشارك في كثير من الأنشطة داخلياً وخارجياً، ومن ثم يأتي الحكم على هذه المشاركة أو هذا النشاط بالناجح. ترى كيف نعرف النجاح؟ وما المؤشرات الدالة على النجاح؟ هل النجاح رغبة في داخلنا تلح علينا ونسعى إلى تحقيقها مع أخذ الأسباب الكفيلة بذلك، أم أن النجاح مجرد مشاعر تراودنا جيئة وذهاباً؟! ما أكثر ما نقرأ من أن الشركة الفلانية أو تلك الإدارة الحكومية حصلت على شهادة الآيزو لعام كذا، وما أكثر ما آثار مثل هذا الخبر اشمئزازي، خاصة حين أعرف أن هذه الشركة أو هذه الجهة الحكومية قد لا تستحق مثل هذه الشهادة، إذ قد تكون الشركة أو الجهة الحكومية رديئة الأداء ينقصها الانضباط، وأكثر ما يميزها الفوضى وقلة الإنتاجية. في آخر السنة تعمد الجهات الحكومية والشركات إلى عمل تقييم أداء لموظفيها ومنسوبيها، تكشف من خلاله مستوى أداء الموظف، والمتأمل في بعض نماذج تقييم الأداء يجد أنها تحتوي على حقول تبين الحضور والانصراف، العلاقات مع الرؤساء، العلاقات مع الجمهور، الإلمام بالأنظمة، وأخلاق الموظف وشخصيته بشكل عام، وهذه أمور مهمة وأساسية، لكن هل وضع علامات أو درجات في هذه الحقول يكشف الأداء الحقيقي للموظف الذي وضع في مكان معين لأداء مهمة معينة، وبصورة معينة وفق إجراءات وأنظمة معروفة في المجال؟ نشارك في معرض فني أو تجاري ونحكم على المعرض بالناجح وما أكثر وأكبر (المانشتات) التي تعرضها الصحف معلنة النجاح الكاسح! فهل مجرد المشاركة تعني النجاح، أم عدد الحضور والزوار مؤشر النجاح، أم المبيعات في المعرض هي مؤشر النجاح؟! حضور موظف وانصرافه في الوقت المحدد هل هو مؤشر النجاح، أم أن الأداء الفعلي وإنجاز العمل هو مؤشر النجاح؟ قد يقول قائل إن عدد المعاملات المنجزة مؤشر للنجاح، لكن العدد وحده لا يكفي، ما طبيعة هذه المعاملات؟ هل هي بسيطة أم معقدة وتحتاج إلى وقت لدراستها وفهمها والبحث عن معلومات بشأنها؟ وهل إنجاز المعاملة منوط بشخص واحد، أم أن المعاملة يضطلع بإنجازها موظفون كثر؟ وهذا بدوره يتطلب وقتاً حيث تنتقل المعاملة من موظف إلى آخر. نسبة النجاح في المدارس والجامعات تتخذ أحياناً مؤشر نجاح، إذ قد تعلن مدرسة أن نسبة النجاح لديها في العام الماضي بلغت 100 في المائة، وأن خمسة من طلابها من العشرة الأوائل على مستوى المملكة. كل هذا جميل، لكن العنصر الغائب في معادلة مؤشر الأداء هو مستوى التحصيل الحقيقي والفعلي الذي تحقق للطلاب في معرفتهم ومهاراتهم التي اكتسبوها، وفي القيم والأخلاق التي تحلوا بها. قد يحصل الطالب على نسبة عالية، لكن حين تنكشف الحقيقة نجد أن الطالب لم يتعلم، إنما حصل على الدرجات بطرق ملتوية. إذاً اعتمادنا على نسبة الطالب المرتفعة أو كونه من العشرة الأوائل قد يكون مضللاً، لأننا لا نعرف المستوى الحقيقي لهذا الطالب، ولم نحدد العناصر التي تؤهله التأهيل الحقيقي للحياة. إن كثيراً مما نقرأ أو نسمع عنه بشأن أداء المؤسسة أو الفرد ما هو إلا تعبير عن الصورة الظاهرية، ومهما توافرت فيها من إمكانات وأثاث وكثرة موظفين، فهذا لا يعني الجودة في الأداء رغم أهمية هذه الأشياء. إن مؤشر الأداء الحقيقي للفرد أو المؤسسة يختزله المثل الشعبي القائل ''الميدان يا حميدان''، فالعطاء والإنتاج والإبداع وإنجاز المهمات بالشكل الصحيح والوقت المناسب ونمو المعرفة وكثرة المخترعات، هي المؤشرات الفعلية والحقيقية .. فهل نعي هذه الأشياء بدلاً من مخادعة الذات قبل مخادعة الآخرين؟! إن السعي إلى إيجاد مؤشر أداء في كل مجال من المجالات مطلب أساسي إذا ما أردنا النجاح الفعلي والحقيقي في الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية والمجالات كافة .. فهل تتضافر الجهود لتحقيق ذلك؟
إنشرها