قراءة في كلمة المليك: قضايا الأمة .. التشخيص والعلاج

في علوم الطب يجمع المختصون على أن دقة التشخيص هي نصف العلاج، لكن أرجحية هذه النسبة لا بد أن تكون أكبر بكثير فيما يتصل بمشكلات المجتمعات بمختلف صورها وأشكالها، حيث يكون التشخيص الدقيق للمشكلة ثلاثة أرباع العلاج .. لأنه ليس بوسع أحد أن يبني سياسات علاجية ناجحة ومفيدة وذات جدوى على مقدمات خاطئة.
في كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ــ يحفظه الله ــ التي ألقاها نيابة عنه الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، بمناسبة افتتاح المؤتمر الإسلامي العالمي، الذي تعقده الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة بمناسبة مرور 50 عاما على إنشاء الرابطة، دعا خادم الحرمين الشريفين علماء الأمة الإسلامية إلى النظر في ثلاث قضايا، جسدت هذه القضايا الثلاث لب أسباب تردي واقع الأمة، وتنامي همومها وآلامها، واجتراء الآخرين عليها والنيل من مجتمعاتها. الذي يتمعن في هذه المحاور الثلاثة التي ركزت الكلمة الملكية عليها، يجد أنها كانت دائما ذلك الباب المشرع الذي تسللت منه الفتن، وأصيبت من خلاله الأمة بما يعتورها الآن من حالة التمزق والفرقة والهوان على الآخرين.
القضية الأولى: عدم فهم الإسلام على حقيقته عند البعض، ما أدى بهم إلى الجنوح والانحراف عن وسطيته، وهذا أوجد تحديات خطيرة ينبغي مواجهتها بالحكمة والمعرفة والمناصحة، ونشر ثقافة الوسطية بين الناس.
القضية الثانية: البعد عن النهج الذي اختاره الله للمسلمين، ما أضعف مقاومة الأمة للتحديات فتجرأ عليها الأعداء، وعمدوا إلى المساس بشعائرها ومقدساتها، وقد كفل الله ــ سبحانه وتعالى ــ للمسلمين التمكين إذا أطاعوه: ''وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا''.
القضية الثالثة: تفرق الأمة، وهذا تحد لا بد من مشاركة علماء الأمة في علاجه بتآلف القلوب أولا، وبجمع الناس على الاعتصام بحبل الله ودينه: ''واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا''.
هذه المحاور الثلاثة هي بالفعل ما تعانيه الأمة الإسلامية اليوم، واستطاعت هذه الكلمة الملكية المهمة أن تقف على هذا التشخيص الدقيق لواقعنا الإسلامي .. لأنها تحمل رؤية الزعيم الإسلامي الأول، الذي ينفق كل وقته وجهده ورحلاته في لم شمل الأمة، وصيانة حاضرها ومستقبلها، وهي أيضا رسالة هذا الوطن الذي يشكل قبلة المسلمين ومهد الرسالة ومهبط الوحي، والراعي الرائد لقضايا الأمة ومؤسساتها .. لذلك جاءت لتضع بين يدي علماء الأمة في بيت الأمة الإسلامية رؤية قائد كان قدره أن يكون على خط المواجهة دائما في سياق معالجة انكسارات الأمة، والتصدي لهمومها. وهو الذي استنطق بمسؤولياته هذه القضايا وتتبع سياقاتها وأدرك أبعادها ومخاطرها، عبر عمل شاق وطويل لا يزال يواصل فيه ليله بنهاره.
إنها رؤية القائد الغيور على أمته، الحريص على إنقاذها من أوضار الغلو والتطرف والإرهاب، والإفراط والتفريط، المؤتمن على حمل شعلتها الوسطية التي أنارت على مدى قرون ظلمات الجهل والتخلف، وجاهد ولا يزال من أجل أن تستعيد لحمتها وكرامتها ووحدة صفها وكلمتها، بما يدرأ عنها المحن والأطماع والعدوان.
وهنا يأتي دور علماء الأمة الذين يستطيعون ــ بإذن الله ــ ثم بالحكمة والانصياع للاعتدال، أن يقربوا تلك المسافات بين مجتمعات أمتهم ليلتقوا على كلمة سواء، تعيد لهذه الأمة الوسط دورها الإنساني والريادي، وتستعيد لها حقها من المجد الذي لا يتأسس إلا بالبعد عن الفرقة، والجنوح إلى الاعتدال حماية للحق، وضمانا للعزة والمنعة، واستشرافا لمستقبل مضيء يصون الكرامة، ويعيد للأمة هيبتها ويمكنها في الأرض كما أراد لها الله ــ جل وعلا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي