Author

هل المسلمون ضعفاء أم أقوياء؟

|
أستاذ جامعي ـ السويد
إذا نظرنا إلى العرب والمسلمين وأمصارهم ودولهم لأصابنا الإحباط من ضعفهم وشرذمتهم وتشتتهم. وباستثناء دولة أو دولتين تحدثنا عنهما بإسهاب في هذا العمود لا وجود يذكر للعرب والمسلمين في قائمة الدول المتمدنة والصناعية المتطورة. ونظرة خاطفة على مكانة الجامعات فيها في سلم الرقي ومستوى التعليم والتربية والصحة العامة قد تصيبنا بالهلع والقنوط. ويزداد إحباطنا إذا علمنا أن بعض الدول العربية والإسلامية قد حباها الله بإمكانات هائلة ــــ بشرية وطبيعية ــــ، وقسم منها يتربع على مكامن ثروات لا تدور عجلة التطور المذهل الذي يشهده العالم دونها. وأكثر المناحي إيلاما تتعلق بالإنسان ذاته، فترى غياب الحريات الفردية وأساليب حكم غير مؤسساتية تنعدم فيها الشفافية والمحاسبة. وهذا الضعف، لا بل التخلف يعترف به العدو والصديق. والعرب والمسلمون أنفسهم يتحدثون عنه وفي كثير من الأحيان بإسهاب. وأخيرا صار بمنزلة مثال للتندر من قبل مؤسسات عريقة مثل برامج التنمية للأمم المتحدة. ووصل الأمر ببعض المؤسسات الغربية إلى القول إن التخلف والانحطاط والوقوف على جانب متلقي الضربات والقابل لأوامر الآخرين رغم الإذلال المبين فيها متجذر في العروبة والإسلام. وهذا ما شجع أعداء العرب والمسلمين على التعامل معهم وكأنهم دون إرادة وقيادة ورعاة فالدول العربية والإسلامية ليست مرتعا لبضائع الآخرين، بل صارت ميدانا لجيوشهم الجرارة وحقلا لأسلحتهم الفتاكة. وما أشبه اليوم بالقرون الغابرة وفترة الحروب الصليبية فالجيوش الغربية تحارب بمئات الآلاف من الجنود ليس دفاعا عن بلدانها، بل إمعانا في سياسة الإذلال في العراق وأفغانستان وفلسطين وبصورة غير مباشرة في أصقاع عربية وإسلامية أخرى. وصارت أرض العرب والمسلمين ساحة مكشوفة لأساطيل وقواعد دول لا تكن لهم أي مودة واحترام. مع ذلك لا تجزع عزيزي القارئ. بعد هذه القراءة المحبطة والسوداء أود كأكاديمي وعالم متشبع بالحضارة العربية والإسلامية أن أقدم لك الوجه الآخر من المسألة. هذا الوجه أنت على إلمام به، وهو في داخل روحك ونفسك لكنه كامن، متى أطلقت له العنان لانقلبت الآية. والآن أود أن أصارحك فورا ولكنني في اللحظة التي أشير إلى هذا الجانب وأنطقه ستشعر بزهو وعزة وكبرياء يفتقدها ويخشاها أعداؤك، لا بل إنها بدأت تقض مضاجعهم. في آخر مؤتمر علمي حضرته في أمريكا حدثني محلل على اتصال بأصحاب القرار في واشنطن لا سيما البنتاجون، وزارة الدفاع الأمريكية التي قد تزيد ميزانيتها السنوية عما يحصل عليه أكثر من مليار مسلم على وجه الأرض في السنة، قال: هناك مقبرة للدبابات والعربات المجنزة التي دمرها المقاومون المسلمون في العراق،ــــ بالطبع هو لم يستخدم كلمة (المقامون الإسلاميون)ــــ فيها أكثر من 3000 آلية، وتمثل هذه فقط العربات التي جرى سحبها ودفنها في الولايات المتحدة. الأمريكان يسحبون آلياتهم المدمرة من البلدان التي يغزونها خشية تحويلها إلى متاحف بعد انسحابهم، أو بالأحرى هزيمتهم. وحدثني المحلل عن أرقام مذهلة عن الخسائر البشرية في صفوف المرتزقة الذين حاربوا مع الأمريكان،ــــ بالطبع هو لم يستخدم كلمة (المرتزقة)، (بل الحراس الأمنيين). المقاومات الإسلامية تختلف اختلافا جذريا عن المقاومات في شتى أرجاء العالم بما فيها المقاومة الفيتنامية فالفيتناميون كانت تدعمهم دولتان عظميان - الصين والاتحاد السوفيتي السابق- علانية بمدد لا ينقطع من الذخيرة والسلاح والمؤن. أي دولة -عربية أو إسلامية أو غيرها- تستطيع دعم المقاومات الإسلامية ولو بطلقة واحدة.. إن في العراق أو أفغانستان أو فلسطين أو أي بقعة أخرى في أرض المسلمين، لا بل أصبح هؤلاء المقاومون، الذين لولاهم لحدث ما لم يكن في الحسبان، أهدافا سهلة للهجوم من قبل أقلام تدعي العروبة والإسلام. وهل قرأت عزيزي القارئ ما تم تسريبه أخيراً من عشرات الآلاف من التقارير السرية عن الحرب في أفغانستان، وكيف أن شوكة المقاومين المسلمين آخذة في الاستقواء والتطور وشوكة أعدائهم في الضعف والتقهقر. وهذا هو الحال في فلسطين إن كان الأمر يتعلق بالمقاومة الإسلامية في لبنان أو غزة المحاصرة. كيف بإمكان مقاومين حفاة لا مدد لهم وتفتك بهم قوة عسكرية لا نهاية لمددها لدرجة أن العالم، ومن ضمنه دول العرب والمسلمين، تخشى حتى من كتابة تقرير ينصفها؟ هل عرفت السبب عزيزي القارئ؟ المقاوم المسلم يملك أمرا يفتقده عدوه. إنه الذكر، الكتاب المعجزة وفيه وجدانه ووجوده وحياته وما بعد مماته. هذا هو الكتاب الوحيد في العالم الذي باستطاعته تحويل الضعف إلى قوة هائلة تمنح الحفاة المقدرة على تدمير أكثر من 3000 دبابة أمريكية وهم محاصرون ومحاربون حتى من أشقائهم وإخوانهم في الدين. من بإمكانه دحر إنسان يؤمن من أعماق قلبه أن الله يقول له: "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين"، (البقرة)، "وخاب كل جبار عنيد"، (إبراهيم)، "كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين" (المائدة)، وإن سقطوا في ساحة الوغى فهم ليسوا "أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون". هذه هي القوة الكامنة، إن خشي البعض إنصافها فأنا لا أخشى كلمة الحق لإنصافها. هذه القوة الكامنة اكتشفها المقاومون وأسقطوا أسطورة الجيوش التي لا تقهر. وهذه القوة الكامنة ذاتها ستغير في العرب والمسلمين وأحوالهم إن أحسن استخدامها. وإلى اللقاء
إنشرها