هل فشلت برامج «السعودة»

الجميع يعرف ماهية برامج السعودة (إحلال موظف سعودي مكان الموظف غير السعودي)، التي بدأت منذ ما يزيد على 20 عاما.
والحقيقة أن وضع هذه البرامج وتنفيذها لم يُطبق بطريقة صحيحة، فلقد تم عبر السنين إساءة استخدام هذا المُصطلح وإساءة ترجمته وطريقة تنفيذه، ما أدى إلى فشل برامج السعودة.
بينما إذا كنا وضعنا منذ البداية نصب أعيننا الهدف الحقيقي الطموح الذي كان يريد ولاة الأمر الوصول إليه وتحقيقه من برامج السعودة، لما آلت إليه الأمور إلى ما هي عليه الآن من تزايد في معدل البطالة وتباين في مخرجات التعليم.
لم تكن الفكرة من البرنامج مجرد الزج بـ «موظف سعودي» مكان الأجنبي، لكن الفكرة كانت ولا تزال نقل الخبرة من الموظف الأجنبي إلى الموظف السعودي من خلال.. عمل الموظف السعودي مع الموظف الأجنبي جنبا إلى جنب لفترة مُحددة وصقل تلك النقلة بالتعليم والتثقيف والدورات التدريبية.. لحين التأكد من استطاعة الموظف السعودي من القيام بأعباء الوظيفة قياما كاملا، وذلك باختباره من قبل لجنة أو جمعية دولية تمنح الموظف السعودي شهادة إمكانيته القيام بالعمل المطلوب.
عدد قليل جدا من المنشآت والأشخاص الذين عرفتهم خلال رحلتي العملية في مجالات عدة قاموا بتطبيق هذه الخطوات، وأضافوا إليها توظيف الموظف الأجنبي في وظيفة مُدرب للموظفين السعوديين الذين يحلون محلهم، وذلك تقديرا لعمل الموظف الأجنبي وتحفيزا له لكي يُخلص في نقل الخبرة والمعلومة إلى الموظف السعودي.
السؤال: هل نجحنا في تطبيق برامج السعودة كما يجب وكما يحب ويطمح ولاة الأمر؟
الجواب: لا وألف لا... والأدلة كثيرة.
فلقد أصبحنا نرى تكدس موظفين سعوديين عدة غير أكفْاء في وظائف محددة كان في السابق يقوم بأعبائها جميعا موظف واحد غير سعودي.
لقد أصبحنا نرى قيام الموظف السعودي بجزء بسيط جدا من مهام الوظيفة قد لا يتعدى الـ 25 في المائة من مهامها... لا نرى التخطيط أو الإبداع أو التنظيم أو التوظيف الصحيح.. لا نرى مفهوم الانتماء الوظيفي (وهذا يحتاج إلى كتاب كامل للخوض فيه)... أصبحنا لا نرى إلا نسبة بسيطة من المتطلبات الوظيفية، التي عادة تكمن في المطلوب إنجازه يوميا وكأن هذا الموظف رجل آلي أو عامل في مصنع يعمل لإنتاج كمي وليس كيفيا، وحتى في هذا المجال فهو لا ينتج الكم المطلوب منه.
لا نرى مبدأ المصلحة العامة في كثير من هؤلاء الموظفين، فلقد طغى على معظمهم مبدأ المصلحة الشخصية والأنانية واحتكار المناصب لأنهم يعرفون أنهم قد استغلوا فرصة عظيمة سنحت لهم عند استحواذهم على ذلك المنصب عن طريق «السعودة»، ولم يكن استحواذهم عن جدارة أو استحقاق بإمكانيات أو عن جدارة.
لا نرى حرص الموظف السعودي على الانخراط في دورات تدريبية على رأس العمل إلا لغرض واحد فقط، ألا وهو التقدم الوظيفي واحتلال مناصب ذات مميزات أعلى، لكن هل ينخرط في التدريب لأجل الاستحواذ على المستجدات وأحدث العلوم ليقوم بتطبيقها في مجال عمله لكي ينهض بالمرفق أو المنشأة التي يعمل بها لأعلى المستويات؟! الجواب.. لا بطبيعة الحال إلا من النسبة القليلة.
والأدهى والأمر أنه لا توجد آلية للتأكد من هذه الحقيقة، فالأجهزة الرقابية في إدارات الموارد البشرية أصبحت إدارة موارد رجال آليين تود فقط أن تتحقق من أن الموظف يحضر في وقته ويخرج في وقته دون مقاييس أو تطبيق لمقاييس الأداء.
الدلائل على فشل برامج السعودة كثيرة، منها أننا أصبحنا نرى أن كثيرا من المنشآت (العامة أو الخاصة) بدأت في الاستعانة مرة أخرى بالخبراء الأجانب لتعديل الأوضاع الإدارية لديها.
الحلول أمامنا كثيرة وواضحة، فعندما نقدم المصلحة العامة فوق كل شيء وننفذ الأنظمة ونطبقها على الجميع بحذافيرها، سنصل - بإذن الله - لشواطئ النجاح ونحقق الأهداف.
أرى أن الجمعية السعودية للإدارة هي الجهة التي تستطيع أن تعمل الكثير لإصلاح مشروع السعودة، وذلك بتقديم دراسة علمية/ عملية مستفيضة لمجلس الشورى (لجنة الإدارة والموارد البشرية) لدراستها والرفع بها إلى مجلس الوزراء لإقرارها ووضعها حيز التنفيذ والمتابعة والتقويم. كما أن للغرف التجارية دورا كبيرا لدراسة ومتابعة تطبيق هذا المشروع الوطني الحيوي الذي يصب أولا وأخيرا في مصلحة الوطن.

دكتوراه في الإدارة

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي