منطقة الأحساء في حاجة إلى التفاتة!
لعله من المعلوم عند كثيرين أن منطقة الأحساء، على أهميتها وسعة مساحتها وكثرة سكانها وموقعها المتميز في وسط عمليات أكبر شركة نفط في العالم وعلى مفترق الطرق مع دول الخليج الشرقية، فهي الأقل حظاّ بين معظم مناطق المملكة من حيث الاهتمام بالطرق الرئيسة والشؤون الصحية والمرافق التعليمية والسياحية ومستقبل مصادر المياه. أهل الأحساء، بحكم ارتباط كثير منهم بعمليات شركة أرامكو السعودية، بطريق مباشر أو غير مباشر، يتنقلون يومياًّ بأعداد كبيرة بين مدن الأحساء وقراها وبقية مدن المنطقة الشرقية إلى مدينة رأس تنورة شمالا، إضافة إلى من يتجهون جنوباً صوب معامل إنتاج النفط والغاز في حرض والحوية. ويكاد يفوق عدد المسافرين على الطريق الرئيس الذي يربط مدينة الهفوف بمدينة الدمام، ماراً بمدينة بقيق وشركة الأسمنت، المسافرين على أي طريق رئيس بين مدن المملكة، باستثناء ربما طريق جدة - مكة المكرمة. ومع ذلك، فحالة طريق الأحساء - الدمام تظل الأسوأ بين معظم الطرق الرئيسة الأخرى، ما يُسبب حدوث كثير من الحوادث الشنيعة التي كانت ولا تزال تحصد عدداً كبيراً من الأرواح البريئة خلال الـ 50 عاماً الماضية، كونه الطريق الوحيد الذي يربط الأحساء ببقية مدن المنطقة الشرقية, والطريق الوحيد للقادمين من الإمارات, قطر, وعمان. وبدأ العمل في السنوات الأخيرة في تحسين وضع الطريق المذكور, لكن ببطء شديد، وهو ما كان أيضا سبباً في وقوع كثير من الحوادث، نظرا لوجود تحويلات تُعوق انتظام السير، خصوصاً أثناء الليل. وفي نظرنا أن مستقبل الحركة المرورية بين منطقة الأحساء ومدن المنطقة الشرقية يتطلب أكثر من طريق رئيس واحد، فلا بُدّ من التخطيط لبدء مسار جديد، من أجل تخفيف الضغط على المسار القديم الذي يسير بمحاذاة المرافق النفطية.
وما يدعو إلى الاستغراب والدهشة, أن سكة الحديد العتيدة التي مضى على إنشائها أكثر من 60 عاماً، تمرُّ إلى جانب مدن الأحساء الرئيسة، لكن لم تعد منها فائدة تُذكر. وكان بالإمكان أن يُخصَّص خط حديدي سريع ومستقل لنقل الركاب والبضائع بين مدينتي الهفوف والدمام، مروراً بمحطة بقيق، ويكون وقت رحلاته متلائماً مع بدء الدراسة والعمل اليومي ونهايتهما، وهو أقل ما تستحقه حاضرة الأحساء. أما مطار الأحساء، فوجوده الآن مثل عدمه، على الرغم من أن أول مدير لـ "الخطوط السعودية" في عهدها الحديث والمدير الحالي هما من أبناء الأحساء، فما العذر في أن يكون للمنطقة مطار يليق بها أسوة بمناطق أصغر مساحة وأقل سُكاناً وليس لها الأهمية التي تتمتع بها الأحساء عن غيرها من حيث الحركة والحالة الاجتماعية والنشاط التجاري؟ وهل مكتوب على أهلها أن يتجشموا السفر لمسافات طويلة للوصول إلى المطارات الدولية والإقليمية؟
أما المرافق الصحية الحديثة المتخصصة فهي من الأحلام التي يتمنى أهل الأحساء أن يروها، وقد شُيِّدت على أرض الواقع، رغم توارد أخبار عن نية وزارة الصحة إنشاء مستشفى جديد. لكن متى، والجهود كلها الآن مُوجَّهة إلى مناطق أخرى بعيداً عن الأحساء؟ ولو أجرينا اليوم مسحًا شاملاً في جميع أنحاء المملكة لعامة المواطنين الذين هم في حاجة إلى رعاية صحية مُتخصصة لبرزت منطقة الأحساء في المقدمة. فمنذ البدايات الأولى لاكتشاف النفط في ثلاثينيات القرن الماضي، عمل عدد كبير من أبناء منطقة الأحساء لفترات طويلة من حياتهم بين حقول ومعامل "أرامكو" النفطية بجد وتفان، وقد تقاعد منهم عن العمل الآن أكثر من جيلين ودخلوا في مرحلة عمرية تستدعي توافر رعاية طبية متخصصة يحتاجون إليها أكثر من غيرهم. وأغلبية الذين في حاجة إلى رعاية خاصة من أهل الأحساء يضطرون إلى التنقل إلى المناطق الأخرى وتحمل المشقة الكبيرة التي هم بطبيعة الحال يعانونها. وعلى الرغم من عدم ظهور بوادر أمل تُحقق رغبتهم، إلا أن النخبة من أهل المنطقة لم ييأسوا من لفتة كريمة يصدرها ولاة الأمر ـ حفظهم الله ـ المعروفون بحرصهم على تلبية طلبات المواطنين الصحية والمعيشية. ولأن شركة أرامكو لها مرافق صحية تقدم رعاية أولية في الأحساء، بحكم أن نسبة كبيرة من موظفيها يقطنون المنطقة، وتتحمل العناية بمن هم في حاجة إلى علاجات متخصصة منهم في أماكن خارج الأحساء مثل الظهران، فلا شك أنها ستُرحِّب بوجود مدينة طبية متقدمة في منطقة الأحساء تخدم الجميع. ولذلك فالأمل كبير في أن تقوم الدولة بتوجيه سام لشركة أرامكو لتتولى تنفيذ مشروع مجمَّع صحي متكامل يشارك فيه القطاع الخاص من أهل الأحساء ويكون مرتبطا إشرافيا بجامعة الملك فيصل، كهدية لأبناء هذه الأرض الطيبة التي كانت في الماضي تُمثل سلة الغذاء لقسم كبير من المملكة ولأهلها الكرام، المعروفين بولائهم وتفانيهم في خدمة بلدهم ومليكهم. وليست مبادرة جديدة أن تقوم "أرامكو" ببناء مشروع وطني بتوجيه من ولي الأمر، فقد سبق أن تولت هذه الشركة القيام بتنفيذ مشاريع عملاقة خارج نطاق عملياتها النفطية، مثل إنشائها في الخمسينيات الميلادية قطار الدمام _ الرياض وبنائها كثيرا من المدارس والأحياء النموذجية في المنطقة الشرقية، وآخرها إنشاء جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، ومدينة الملك عبد الله الرياضية، ولا سيما أن هذا المشروع الصحي إذا كُتب له النجاح فسيخدم مصالح "أرامكو" بطرق مباشرة وغير مباشرة. وعلى الرغم من أن منطقة الأحساء كانت, وإلى عهد قريب، تشتهر بكثرة مياهها وينابيعها، وهي بلد النخيل وسلة الغذاء في زمن ما قبل النفط، إلا أنها توشك أن تفقد حتى هذه النعمة وتنتهي إلى مصير شُح الماء الذي هو عصب الحياة، وذلك بسبب هبوط مستوى المياه الجوفية التي كانت تُغذي المجتمع الأحسائي منذ فجر التاريخ. وهي الآن تنظر إلى المستقبل بعين القلق، إما بحدوث معجزة تجلب لهم ماء عذبا من عُمق الأرض، وهو أمر بعيد الاحتمال، وإما مشاريع تحلية من أحد مصدرين، مياه سواحل الخليج العربي أو مياه طبقة الوسيع المالحة الواقعة على عمق أربعة آلاف قدم تحت الأحساء. ونرجو أن يكون لمنطقة الأحساء نصيب من مشاريع التحلية بواسطة الطاقة الشمسية، التي من المأمول أن تكون مصدراً رئيساًّ لتوفير المياه العذبة في جميع سواحل المملكة. ومن اللافت للنظر أن منطقة الأحساء، ذات التاريخ العريق والطبيعة الجذابة الجميلة والآثار التاريخية لم تبرز بعد كإحدى معالم السياحة في بلادنا. ولا ندري إن كان ذلك لقصور من أهلها، وفيهم ما شاء الله الأغنياء وأصحاب رؤوس الأموال، أم عدم اهتمام من المسؤولين عن السياحة المحلية، رغم بروز نشاطهم الملحوظ في أكثر من موقع داخل المملكة. والأحساء ليست بعيدة عن سواحل الخليج الهادئة، وأهمها ساحل العقير، ذلك الميناء التاريخي العريق، الذي ينتظر لعدة سنوات إتمام الطريق الجديد الذي يربطه بمدن الأحساء الأخرى. والمرافق السياحية مصدر مهم للدخل وتوفير عشرات الآلاف من الوظائف التي ينتظرها الشباب. ولا شك في أن أهم معوقات النشاط السياحي هي المواصلات, فلو أن حال الطرق البرية الموصلة إلى المنطقة أفضل مما هي عليه اليوم، لتوجه كثيرون إلى هناك بسهولة ويُسر. وفي الوقت نفسه، فإن وجود مواصلات حديدية مُخصصة للسفر بين الأحساء ومدن المنطقة الشرقية سيشجِّع على تنمية الحركة السياحية، إلى جانب السفر الجوي إذا قُدِّر للمطار أن ينال ما يستحق من الاهتمام كمرفق إقليمي.