Author

الهيئة العليا للاستثمار الأجنبي أم الوطني!

|
تساءلت منذ أكثر من خمس سنوات تحت عنوان ''ماذا قدمت لنا الهيئة؟'', وأعود اليوم وأنا ما زلت حائرا. فقد جاء تأكيد خادم الحرمين دعوة الاستثمار الأجنبي وما قام به من إصلاحات وتعديلات هيكلية على أنظمة الاستثمار والضرائب والقضاء وما يتبعه من تنظيم السوق المالية وغيرها من الإصلاحات ليفرض أو يفعّل مسؤولية المجلس الاقتصادي الأعلى والهيئة العليا للاستثمار, التي ولدت في الوقت الذي نحن في أشد الحاجة إليها, وهي قرارات مهمة في مرحلة حرجة من المسار الاقتصادي لدولة فتية تسبح في خضم الدول العظمى وتواجه طوفان المتغيرات العالمية والتكتلات الاقتصادية ولمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه لربط النسيج الاقتصادي ومعالجة بعض القضايا المحلية التي تعوق التنمية. وجاءت الهيئة العليا للاستثمار واعدة لتبديد هذه المعوقات, وهذه خطوات لا غبار عليها, لكنها منذ تأسيسها لم تقدم أي نتائج للاستثمار المحلي, بل كأنها عميل للاستثمار الأجنبي. وأخذت تداعبنا بشعاراتها x10 وإذا ما نفع نعطيك 20 في 20 وغدا 50 في سنة 50! إن المراقب لمسيرة الهيئة يجد أننا نتأخر اقتصاديا وأن رجال الأعمال يهربون باستثماراتهم ومئات المليارات إلى الخارج. وتكون سحابة الصيف الحالية التي صورتها لنا ارتفاع أسعار النفط قد أعمت عيوننا التي لولاها لانكشف كثير من التأخر. في الأسبوع الماضي اشتكت الغرف التجارية في المملكة من أن أكثر من 90 في المائة من الأعمال الاستشارية في المملكة التي تقارب قيمتها ملياري ريال هي من نصيب شركات أجنبية. هذا فقط في الأعمال الاستشارية وعلى سياقها الأعمال الاقتصادية الأخرى مثل المقاولات والتأمين والاستيراد وغيرها. معظم العمالة الأجنبية التي كانت تعمل تحت أيد سعودية خرجت ثم عادت عن طريق الهيئة لتعمل ولم توظف سعوديا واحدا. بل إن هذه الشركات التي دخلت باسم الاستثمار الأجنبي أصبحت تحصل على تسهيلات وتأشيرات لا يحلم بها أصحاب المؤسسات أو الشركات الوطنية. بل إن الهيئة أصبحت تنافس وزارة العمل في فرض الأجنبة بدلا من السعودة. معظم تلك الشركات حتى لو كانت أجنبية فإن مفتاحها للعمل أو من يقدمها لنا ليسوا سعوديين بل بعض إخواننا العرب. جميع المدن الاقتصادية التي قدمتها لنا الهيئة وأبهرتنا بها هي أعمال تخطيط وتصاميم معمارية ودراسات قامت بها مكاتب أجنبية من سنغافورة وغيرها ولم يدخل فيها أي مكتب وطني. فهل هناك انعدام للثقة بمكاتبنا الوطنية؟ ومن سيشجع الاستثمار المحلي؟ بل إن الهيئة لم تعمل وفق مجهود وزارة الشؤون البلدية والقروية. فالوزارة عملت منذ فترة على مشروع وخطة التنمية المتوازنة لمناطق المملكة ومدنها وفق هيكلة للتخطيط. بينما قامت الهيئة بزرع مدنها الاقتصادية ودون أي تنسيق مع الوزارة, بل إن ما قامت به سيؤثر في جميع خططها. وهنا نرجع للسؤال المهم وهو: كيف تقوم الهيئة بأعمال تخطيط لمدن وهي ليس لديها جهاز أو مخططون أو على الأقل الاستعانة بمخططين وطنيين؟ لا أعتقد أننا نجحنا في تقديم الصورة المطلوبة والآمال التي نحلم بها من الهيئة على الرغم من الصلاحيات المطلقة لها في طلب أية ميزانيات أو رواتب عالية لموظفيها ودون تدخل من وزارة المالية. ولا أعتقد أننا سننجح دون أن تقدم لنا الهيئة استراتيجية وأهدافا واضحة ومؤشرات أداء يتم تحقيقها. بل إن الهيئة أوجدت لتشجيع طرفي الاستثماري المحلي والأجنبي, وأنها إذا استمرت في تشجيع الأجنبي فقط فهي استراتيجية في غير محلها ولها أبعاد وسلبيات ستكون لها تأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية على المدى الطويل. الهيئة تحتاج إلى أن تطلعنا على مخططاتها المستقبلية, فقد انتهى عهد الحلول الوقتية أو ردود الفعل لكل حدث، التي تعالج المشكلة في وقتها, وما يخلفه هذا الحل أحيانا من سلبيات أكثر تكلفة على الاقتصاد والمجتمع. وذلك يجعل من اتخاذ القرار أمرا معقدا ويمثل تحديات كبيرة لا بد من توظيف جهاز أكبر وموظفين أكفاء وعلى مستوى عال من التأهيل والتخصص. وهي في حاجة إلى التخطيط الاستراتيجي ومحاولة الاعتراف بأنه تخصص علمي معترف به، وليس باستطاعة اقتصادي أو إداري أن يتفوه به وحده دون أن تكون لديه خلفية إدارية واجتماعية, فالمخطط يعمل بالتنسيق بين تلك التخصصات بناء على قاعدة معلومات صلبة محلية وإحصائيات سكانية وتوقعات مستقبلية للنمو ومربوطة بمتغيرات في الاقتصاد والاجتماع والسياسة المحلية وعلاقتها بالدولية. وأن يربط السياسات مع مشكلات الوضع الحالي وإمكانية معالجة الأمور وفق دراسات تخطيطية تنظر إلى المدى الطويل. وذلك مربوط بسلسلة معقدة من الأنظمة والمؤشرات التي يجب توحيدها وربطها بميكانيكية ونظام متكامل ومترابط يمكننا من قراءة الاقتصاد الوطني والاستثمار والقدرة على فهم التغيرات التي تؤثر فيه عند تغير أي من المؤشرات. وهو أيضا مربوط بعملية التوحيد القياسي للأنظمة والمعلوماتية الحكومية في شبكة وقاعدة معلومات موحدة وربطها معلوماتيا بواسطة شبكات الحاسوب. وأن تقوم بالتوعية وفهم أهم مبادئ التخطيط الاقتصادي والاستثمار المترابط مع المجتمع والسياسة وتطبيق مبادئه وأساليبه المعروفة مثل (على سبيل المثال) تطبيق نظام INPUT OUTPUT MODEL، الصناعات الأساسية Basic & Service Economies، وما تدره من فرص عمل من خلال الصناعات الخدمية والمساندة التي تتبعها. وما توفره تلك الاستثمارات من فرص عمل تلقائية تساعد على تشجيع السعودة وليس العمالة الأجنبية. بدلاً من الاحتكار وسيطرة الشركات الأجنبية. لتساعدنا الهيئة على تحقيق الاستقرار الاقتصادي وتكافؤ فرص الكسب على شريحة واسعة من المجتمع بدلاً من تركزها لدى مجموعة من الأجانب. كما أن التخطيط الاستثماري السليم يحتم علينا أن نربط الإحصاءات والأرقام بواقعنا الاجتماعي والاقتصادي وألا نعيش أحلامنا على الورق وبمعزل عن المجتمع الدولي الكبير ومنظمة التجارة العالمية التي أصبحنا جزءا منها. ولا بد أن نتحسب لبعض المتغيرات الاجتماعية المستقبلية التي قد تفرض بعض القيود على تحقيق تلك المعدلات الضخمة وأن يتم تعديل الخطط بين الحين والآخر وفقاً لذلك. ومع أنه من الطبيعي جدا أن تكون هناك عوائق عديدة للنمو الاقتصادي في معظم دول العالم إلا أن المجتمع السعودي النامي يحظى بمجموعة منفردة من المعوقات الاقتصادية التي أساسها إفرازات اجتماعية فريدة.
إنشرها