كرة القدم حين تجمع

ليس مستغربا أن تختلس المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون جزءا من الوقت المخصص لقمة مجموعة العشرين بحجة عقد اجتماع ثنائي, وذلك لمشاهدة الشوط الثاني من مباراة منتخبي ألمانيا وإنجلترا ضمن تصفيات مونديال جنوب إفريقيا لكرة القدم معاً، وهي المباراة التي انتهت بهزيمة ساحقة لإنجلترا تمثلت في أربعة أهداف ألمانية مقابل هدف واحد.
فهذه الكرة المدورة التي لا تنتسب إلى أي بلد، بل تتقاذفها الأقدام، كل يبعدها عن مرماه، أصبحت الشغل الشاغل للجميع، وطغت أحداثها على قضايا سياسية واقتصادية مهمة، بل أصبح كثير من الزعماء يتودد لها بحثا عن نجومية، أو شعبية فقدها على مقاعد السياسيين.
هذه الكرة رغم بساطتها, إلا أن لديها قدرة عجيبة على الجمع بين متناقضين، الفرح والحزن، ففي مكان واحد، وبحركة من الكرة، ترى من هو منتش إلى حد الهستيريا، وفي الجانب الآخر ترى من يبكي بحرقة, كأنه فقد عزيزا لديه. وإذا كان بعض المثقفين يأسفون على ما يرونه تراجعاً في قيمة الفكر والعقل لمصلحة القدم، ويرون في ذلك حطاً من قيمة العلم والثقافة، فإن كرة القدم تفتخر بأنها رفعت أقواماً وحطت آخرين، جعلت من دول مغمورة في أقصى العالم مثل الأورجواي وباراجواي، ملء السمع والبصر، في حين توارت دول أخرى لها دور بارز في العالم.
وكما كانت هذه الكرة سبباً في جمع عشرات الآلاف من المتابعين لها في ملاعب كرة القدم ومن مختلف الجنسيات والتوجهات، فهي كذلك كانت سبباً في نزاعات سياسية بين دول شقيقة، كما كانت سببا في حروب، مثلما حدث بين هندوراس والسلفادور قبل 40 عاما.
كرة القدم تتميز بالوفاء مع من يحسن التعامل معها، ولهذا أصبح بعض من يلعبون كرة القدم أكثر شهرة وشعبية من علماء أفذاذ وساسة كبار، بل أصبح كثير من الساسة يستعين بهؤلاء اللاعبين لتعزيز مكانته السياسية، وأصبحت هيئات دولية إنسانية تعمد إلى هؤلاء اللاعبين لحث الشعوب على التفاعل مع نشاطاتها.
ولهذا, فليس غريباً أن تصبح لعبة كرة القدم الأكثر شعبية في العالم، وأن تكون محط أنظار شركات الإعلان، فعبرها يمكن الوصول إلى أكبر تجمع بشري يتابع حدثا من أحداث العالم.
من هذا المنطلق يصبح ما تحققه الدول في مجال الرياضة إنجازا وطنيا لا يقل عن أي إنجاز آخر، بل يفوقه شهرة ومكانة وتأثيراً في نفوس الناس، وهذا يستدعي أن يكون دعم الرياضة ذا هدف واضح، ونتيجة ملموسة على أرض الواقع، ودون ذلك فهو مجرد استنزاف للمال والجهد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي