الأوقاف الاستثمارية .. استغلال الثروات النائمة ينعش الاقتصاد الإسلامي

الأوقاف الاستثمارية .. استغلال الثروات النائمة ينعش الاقتصاد الإسلامي

الأوقاف الاستثمارية .. استغلال الثروات النائمة ينعش الاقتصاد الإسلامي

أصبح الوقف الاستثماري حقيقة في عالم الاقتصاد الإسلامي بعد أن لجأت مؤسسات وقفية في عديد من الدول الإسلامية لاستثمار أوقافها بصورة تواكب مستجدات السوق، في خطوة ثمّنها المراقبون غالياً نظراً لأنها أيقظت ثروات الأوقاف غير المستغلة، فضلاً عما تطلبه ذلك من التوجه نحو الأساليب الحديثة في إدارة الأوقاف الاستثمارية. وهناك عديد من المجالات المعاصرة التي يمكن الاستثمار فيها بما يعود على الأوقاف بعائدات تمكنها من الإنفاق على الأعمال الخيرية التي تم تخصيصها لأجلها. ووضع الخبراء ضوابط شرعية لاستثمار أموال الوقف بما يضمن مطابقة كل العمليات لأحكام الشريعة الإسلامية. وفي إطار السعي لمواكبة كل جديد يطرح البعض أنواعاً من الأوراق المالية التي تصلح للطرح على الجمهور لتمويل تنمية أملاك الأوقاف، في تنوع من شأنه إثراء سوق استثمار الوقف. في البداية يشير أحمد تمّام ــ الباحث في الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر ــ إلى أن الوقف نفسه ينظر إليه باعتباره استثماراً؛ لأن الاستثمار يراد به إضافة أرباح إلى رأس المال لتكون المصاريف من الربح فقط. وبهذا يبقى رأس المال محفوظًا، بل مضافا إليه الربح الباقي ليؤدي إلى كفاية الإنسان وغناه. وكذلك الوقف حيث إنه خاص بالأموال التي يمكن الانتفاع بها مع بقاء أصلها، ولذلك فالأشياء التي لا يمكن الانتفاع بها إلاّ باستهلاكها (مثل الطعام) لا يجوز وقفها. وفي ضوء ذلك فإن الوقف في حقيقته استثمار، حيث إن صاحبه يريد أن يقف ماله في سبيل أن يحصد نتاجه يوم القيامة، ومن حيث الحفاظ على الأصل، ويكون الاستهلاك للناتج والثمرة والربح والريع. فالأعيان الموقوفة إمّا أن تنـتج منها الثمار كما هو الحال في وقف الأشجار والبساتين المثمرة، أو تنـتج منها منفعة وأجرة كما هو الحال بالنسبة للأعيان المستأجرة، أو ينـتج منها ربح وريع كما هو الحال بالنسبة لوقف النقود. الأساليب الحديثة في إدارة الأوقاف الاستثمارية تعالت الأصوات مطالبة بضرورة إعادة النظر في كثير من أساليب الإدارة التقليدية للأوقاف. يرى الدكتور منذر قحف أن هذا نتيجة للمآخذ التي رصدها المختصون والعاملون في مجال الأوقاف على الأساليب الموروثة وعدم جدواها في ظل التطورات الحديثة، ولا سيما بعد ظهور أفكار اقتصادية ذات مرجعية إسلامية تبشر بالدور المهم الذي يمكن أن تقوم به هذه الأموال في التنمية الاقتصادية. ويضيف الدكتور قحف ــ في دراسة بعنوان "إدارة الأوقاف الاستثمارية" ــ أنه من هذا المنطلق ظهرت تجربتان رائدتان بين الدول العربية في إطار العمل على إعادة تنظيم الأوقاف واستثمار أموالها، وهما تجربتا السودان والكويت. التجربة السودانية: بالنسبة للتجربة السودانية فقد بدأت العمل باسم "هيئة الأوقاف الإسلامية" وذلك في عام 1986. وقد أعطيت صلاحيات واسعة على الأوقاف التي لا تعرف وثائقها وشروطها، وسلطات رقابية فقط على الأوقاف المعروفة وثائقها وشروطها. وبقيت الهيئة تمارس هذا الدور حتى عام 1991 حين تم منح الهيئة صلاحيات أكبر شملت تخصيص قطع من الأراضي التي تستصلحها الحكومة فضلاً عن المواقع الإسكانية والتجارية. ويعتبر هذا نوعاً من الإرصاد، إلا أنه يعامل معاملة الأوقاف من الناحية الواقعية. وقامت هيئة الأوقاف الإسلامية بالسودان باستخدام نموذج تنظيمي مبتكر يعمل في اتجاهين: الأول يهدف لاستقطاب أوقاف جديدة بينما يعمل الآخر على استثمار وتنمية الأوقاف الموجودة بالفعل. بالنسبة للأسلوب التنظيمي لاستقطاب أوقاف جديدة فهو يعتمد على تكوين هياكل تنظيمية لمشروعات وقفية تلبي حاجات اجتماعية وتنموية، ثم تبدأ الهيئة في تلقي التبرعات لتوظيفها في قنوات المشاريع التي تمت هيكلتها بشروط تحددها الهيئة. وتكون الشروط الوقفية لتلك المشروعات أشبه ما تكون بشروط الاكتتاب في أسهم الشركات والأعمال الأخرى. وبهذه الطريقة تم إنشاء مشروعات وقفية مخصصة وعامة؛ ومن أمثلة الأولى وقف طالب العلم حيث تم إنشاء مساكن طلابية. ويوجد مشروع أوقاف الرعاية الطبية، ومشروع إسكان الحجيج، ومشروع الصيدليات الشعبية، ومشروع لطباعة القرآن الكريم. أما المشروعات الوقفية ذات الغرض العام فهي تهدف إلى دعم إيرادات هيئة الأوقاف الإسلامية بحيث يتم توجيه استعمالات الإيرادات حسب مقتضيات الظروف. ومن أمثلة هذا النوع مشروع إنشاء أسواق تجارية متعددة. أما الأسلوب التنظيمي لإدارة واستثمار الأوقاف الموجودة بالفعل فيعتمد على هوية الوقف؛ فإذا وجدت وثائق الوقف وعرفت شروط الواقف تقوم الهيئة بتنميته وتطويره لزيادة إيرادته لصالح الغرض المحدد له. أما إن لم تعرف شروط الواقف فتعتبر الهيئة الوقف عاماً تقوم على تمويله وضم الأوقاف المتناثرة إلى بعضها. وقد قامت الهيئة بإنشاء مؤسسات وقفية لدعم النشاط الإنمائي للوقف، منها بيت الأوقاف للمقاولات، ويقوم بتنفيذ المشروعات المعمارية للأوقاف. ومنها بنك الادخار ليساعد في تنمية تلك المشروعات، فضلاً عن تاسيس شركة قابضة لتسهم في إقامة المشروعات التنموية التجارية والصناعية. التجربة الكويتية: أما بالنسبة للتجربة الكويتية فترجع إلى عام 1993 حين أنشئت الأمانة العامة للأوقاف وهي جهاز حكومي يتمتع باستقلالية نسبية في اتخاذ القرار وفق نظم الإدارة الحكومية. وتقوم الأمانة باستثمار الأوقاف الموجودة في الكويت أو لمصلحة الكويت في الخارج على أن يتم توزيع عوائدها حسب شروط الواقفين. كما تقوم الأمانة بالدعوة لإنشاء أوقاف جديدة تخصص لها صناديق وقفية. ويقول الدكتور منذر قحف إن التوجه الاستثماري للأمانة العامة للأوقاف يعتمد على تنويع الاستثمارات الوقفية من عقارية ومالية مباشرة وغير مباشرة عن طريق الإسهام في صناديق استثمارية متفقة مع أحكام الشريعة. فقد أسهمت في محافظ استثمارية مالية عديدة تمتاز بقلة المخاطر. كما قامت بتأسيس شركة الأملاك العقارية لإدارة جميع الأملاك العقارية الوقفية. كما كونت جهازاً متخصصاً في إدارة الاستثمارات الخاصة في الأمانة، فضلاً عن قيامها باستثمار أموال الغير. إلى جانب هذا توجد الصناديق الوقفية وهي وحدات وقفية مالية تؤسسها الأمانة العامة للأوقاف، ويختص كل منها بوجه من وجوه البر يحدده قرار إنشاء الصندوق. وتتم بعد ذلك دعوة المتبرعين لإنشاء أوقاف لخدمة غرض الصندوق الوقفي. وتتنوع أغراض تلك الصناديق حيث تشمل وجوه البر التي تغطيها مساحة عريضة من الجوانب الاجتماعية بدءاً من رعاية المعاقين وانتهاء بالتعاون الإسلامي الدولي وتقديم المساعدات للمجتمعات الإسلامية خارج الكويت. وينحصر دور الصندوق في الدعوة لوقف الأموال لمصلحة الغرض الذي أنشئ له. أما إدارة أموال الأوقاف واستثمارها فتترك لإدارة الاستثمار للاستفادة من الكفاءات المتخصصة في هذا المجال. مجالات استثمار الوقف هناك عديد من المجالات التي يمكن أن يتم استثمار الأوقاف فيها، وذلك حسب طبيعة المال الموجه للاستثمار، وحسب الظروف والأحوال السائدة وقت اتخاذ القرار الاستثماري، وفي ضوء الضوابط الشرعية والمعايير الاستثمارية. ويقسم الدكتور حسين شحاتة ــ أستاذ المحاسبة بجامعة الأزهر ــ هذه المجالات إلى: المجال الأول هو مجال الاستثمار العقاري : ويدخل في نطاق ذلك على سبيل المثال ما يلي: شراء العقارات وتأجيرها ليستفيد الناس من منافعها وعوائدها. وكذلك تعمير وصيانة وتجديد العقارات القديمة الكائنة التي أشرفت على الهلاك ــ حسب ما أسفرت عنه الدراسات الفنية والاقتصادية والاجتماعية بجدوى ذلك. وأيضاً استبدال العقارات القديمة بـأخرى جديدة متى أثبتت الدراسات الفنية والاقتصادية والاجتماعية جدوى ذلك. كما يدخل في نطاقها إنشاء مبان على أراضي الوقف بنظام الاستصناع أو المشاركة أو المشاركة المنتهية بالتمليك أو الحكر أو أي صيغة من صيغ الاستثمار. المجال الثاني هو الاستثمار في إنشاء المشروعات الإنتاجية المهنية والحرفية الصغيرة التي تعمل في مجال الضروريات بما يحقق أكبر نفع ممكن للموقوف عليهم، والتي تسهم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ويدخل في نطاق ذلك على سبيل المثال ما يلي: المشروعات الحرفية الصغيرة والمشروعات المهنية الصغيرة ومشروعات تنمية موارد الأسر الفقيرة. #2# أما المجال الثالث فهو الاستثمار في المشروعات الخدمية التعليمية والطبية والاجتماعية ، ويدخل منها في نطاق ذلك على سبيل المثال ما يلي: مكاتب تحفيظ القرآن والمعاهد الدينية والمدارس الإسلامية. إضافة إلى المستوصفات والمراكز الصحية الشعبية وما في حكم ذلك، ودور الضيافة للفقراء والمساكين وابن السبيل ودور اليتامى والمسنين والمرضى. ورابع المجالات هو الاستثمار في الأوراق المالية بهدف الحصول على العوائد الحلال المستقرة نسبياً بشروط وضوابط ومعايير معينة، ومن أهمها ما يلي: الأسهم العادية لشركات مستقرة تعمل في مجال الحلال الطيب ذات مخاطر قليلة، إلى جانب الصكوك الإسلامية الصادرة عن المؤسسات المالية الإسلامية، وسندات المشاركة في الربح والخسارة ذات الطبيعة الآمنة. وكذلك صكوك صناديق الاستثمار الإسلامية، وسندات صناديق الوقف في الدول الإسلامية، إلى جانب سندات المقارضة التي تصدرها المؤسسات المالية الإسلامية. وخامس المجالات هو الاستثمار في المؤسسات المالية الإسلامية من خلال الحسابات الاستثمارية لأجل، ومنها على سبيل المثال ما يلي: دفاتر التوفير الاستثماري تحت الطلب، والودائع الاستثمارية لأجل، والشهادات الاستثمارية ذات الأجل المحدد المطلقة. ومنها أيضاً الشهادات الاستثمارية ذات الأجل المحدد المقيدة. وكل ما في حكم ذلك من المستجدات الجائزة شرعاً. أما المجال السادس فهو الاستثمار في الأنشطة الزراعية، ومنها على سبيل المثال ما يلي: تأجير الأراضي الزراعية الموقوفة، والمشاركة في استغلال بعض الأراضي الزراعية الموقوفة، والمساقاة في استغلال بعض الأراضي الزراعية الموقوفة. إلى جانب المغارسة في استغلال بعض الأراضي الزراعية الموقوفة. إلا أن هناك مجالات يجب الحذر من استثمار أموال الوقف فيها نظراً للطبيعة الخاصة لأموال الوقف ومعايير استثمارها. ومن هذه المجالات: إيداع أموال الوقف في البنوك التقليدية بنظام الفائدة. والتعامل في سوق الأوراق المالية بهدف التجارة أو المضاربة على هبوط وانخفاض الأسعار، حيث يكتنف ذلك مخاطر عالية وشبهات الميسر المحرم شرعاً. ومنها التعامل في سوق النقد بهدف الاستفادة من ارتفاع الأسعار، وهو ما يسمى أحياناً بالتجارة في العملات، وذلك لوجود مخاطر عالية، وهو ما لا يتفق مع المقاصد الأساسية للمؤسسات الوقفية. أوراق مالية لتمويل الأوقاف من جانبه يطرح الدكتور منذر قحف خمسة أنواع من الأوراق المالية التي تصلح للطرح على الجمهور لتمويل تنمية أملاك الأوقاف، وهي أوراق يقصد مالكها التربح من خلالها: أولى تلك الأوراق هي حصص الإنتاج؛ وهي أوراق مالية قابلة للتداول بعد أن يبدأ المشروع العمل. وهي تمثل ملكية المنشأة الاستثمارية التي أقامها الناظر على أرض الوقف بالأموال التي حصل عليها من جملة حصص الإنتاج ووكالة عنهم. وتعتبر المضاربة بالأصول الثابتة الإنتاجية هي الأساس الشرعي لحصص الإنتاج. ويصلح هذا الأسلوب في حالات الاستثمار محدد الزمن، ويمتاز بالسهولة والبساطة، والوضوح فلا تحتاج حصص الإنتاج إلى البحث في تقييم الأصول الثابتة ولا استهلاكاتها. ثانية الأوراق المالية هي أسهم المشاركة، وفيها يتم إصدار أسهم مشاركة عادية تمثل البناء المقام على أرض الوقف، ويكون ناظر الوقف مديراً للبناء بأجر معلوم. وتوزع الأرباح الصافية للمشروع على المساهمين بعد خصم المصاريف التشغيلية، وأعباء الاستهلاك، وأجرة المدير. ثالثة الأوراق المالية هي سندات الإجارة وتعرف بأنها صكوك أو أوراق مالية تمثل أجزاء متساوية من ملك بناء مؤجر. ويتولى الوقف إصدار هذه السندات وبيعها للجمهور بسعر يساوي نسبة حصة سند الإجارة من البناء إلى مجموع قيمة البناء الذي سيتم بناؤه. وتعد التزاماً على المستأجر يمكن أن يتم الاتفاق على أن يكون وقت سداده مختلفاً عن وقت استيفاء المنفعة. وهناك أسهم التحكير وهي درجة بين سندات الإجارة وأسهم المشاركة؛ فهي تشبههما في أنها تمثل حصصاً متساوية من ملكية بناء ــ يقام بطريقة التوكيل ــ على أرض الوقف. وتتشابه مع أسهم المشاركة في أن عوائدها غير محددة سلفاً خلافاً لسندات الإجارة. ويقوم ناظر الوقف بإدارة واستثمار المشروع بأكمله باعتباره وكيلاً عن أصحاب أسهم التحكير. ثم يقتطع الأجرة المتفق عليها للأرض ويوزع العائد الصافي على أصحاب الأسهم. ويمكن أن تكون تلك الأسهم دائمة أو محددة المدة تنتهي بشرائها بسعر السوق من قبل الوقف، أو بوقفها بعد استنفاد أصل رأس المال والعائد المرغوب فيه من خلال الأقساط الإيرادية. وآخر الأوراق المالية هي سندات المقارضة التي تقوم فكرتها على عقد المضاربة كما في الودائع الاستثمارية في البنوك الإسلامية. وفي هذا النوع من السندات يقبل ناظر الوقف الأموال النقدية ويصدر فيها وثائق متساوية القيمة. ويستعملها في استثمار محدد لتنمية أموال الوقف. ثم يحسب الربح أو الخسارة في آخر كل دورة مالية ويتم توزيعها على الحساب.
إنشرها

أضف تعليق