فلتحيا الحرية.. !!

عندما ثارت ثائرتنا بسبب تلك الرسوم الكاريكاتورية المسيئة لرسولنا - عليه أفضل الصلاة والسلام، على يد ذلك الرسام الدنماركي الشاذ، وعمت العالم الإسلامي موجة غضب عارمة نصرة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم، قيل بأن المسلمين لا يحترمون حرية الرأي وحق التعبير، ولا يتقبلون الرأي الآخر، وحين طلب من الحكومة الدنماركية وغيرها من الحكومات الغربية التدخل بحكم سلطاتها لمنع هذه الإساءات كونها تتسبب في بث الكراهية واستثارة العنف بين الأديان والثقافات، كان ردهم وبكل برود بأنهم لا يتدخلون, فلكل إنسان الحق في أن يعبر عن رأيه، فحرية الرأي عندهم مقدسة وإن تعدت على أديان ومقدس وثقافات الآخرين حتى لو كانت بمثل هذه الفجاجة والوقاحة والابتذال.
على الرغم من عدم قبول هذا الموقف الذي يقدس ما يسمونه حرية الرأي دون ضوابط وحدود بحيث لا يكون فيها تعدٍّ على دين وثقافة وجنس ولون الآخر، إلا أنه كان يمكن أن يفهم لو كان بكل سلبياته يمثل مبدأ عاما ليس فيه كيل بمكيالين، وهو لا يحدث بكل أسف، فمنذ شهرين تقريبا توقف بث محطة مرئية مصرية ذات توجه إسلامي اسمها «الرحمة»، وجاء توقفها بناء على مطالبة المجلس الفرنسي الحكومي للسمعيات والبصريات في نيسان (أبريل) الماضي شركة «يوتيلسات» الفرنسية حاملة القمر الصناعي الذي يبث برامجها بإيقاف بثها من خلاله، وقد حدث ذلك بالفعل، فقد تدخلت الشركة وانصاعت لطلب المجلس الفرنسي وتم إيقاف بث المحطة.
جاء في حيثيات طلب المجلس الفرنسي، أن هذا المحطة تبث برامج تتعارض مع القانون الفرنسي الذي يحظر التحريض على الكراهية أو على العنف على أساس الدين أو القومية، واتهموها بأنها تعادي السامية، وأنها في برامجها تظهر اليهود بطريقة تشيطنهم وتحقر من شأنهم، وهنا نكون قد توصلنا إلى مربط الفرس، فما دام الأمر له علاقة بهذه «السامية»، فلتذهب الحرية إلى الجحيم.
من هذه الواقعة نسأل أين هي حرية الرأي البالغة القدسية في الغرب..؟ وكيف طبّقت بحذافيرها في حماية الإساءة لرسولنا - صلى الله عليه وسلم - باعتبارها حرية رأي وتعبير، بينما طبّقوا على هذه المحطة الإسلامية وغيرها الحجر على حقها في التعبير عن رأيها في نقد اليهود والصهيونية، ولم يعاملوها كما عاملوا ما سموه حق ذلك الرسام في التعبير عن رأيه الشاذ والأكثر والأشد تحريضا على الكراهية والعنف على أساس ديني وقومي.! تساؤل آخر، أين كان ذلك القانون الفرنسي الذي استند إليه في منع بث قناة «الرحمة»، حين كنا نطالب بتطبيقه على من يتعرض لنا كمسلمين من خلال الإساءة لرسولنا - عليه الصلاة والسلام، ولم يعتبر تحريضا على الكراهية ..؟
إن الحرية التي يدّعونها تصبح وللأسف متاحة ومصانة فقط حين تستخدم في الإساءة لنا كعرب ومسلمين، وتظهر القوانين وتطبّق عندما تمس «الذات» اليهودية دفاعا عما يسمونه بـ «السامية» التي يرونها أكثر قدسية من الأديان والأنبياء عليهم السلام ومشاعر المؤمنين بها وبهم.
ليس هدفنا ولا غايتنا الدفاع عن هذه المحطة أو غيرها، بل الدفاع عن حرية التعبير والرأي حسب مقاييسهم وأنظمتهم وقوانينهم، فهذا الموقف الذي يكيل بمكيالين في ممارسة الحرية، يكشف مدى زيف الحرية التي تطبّق في حالات ويحجر عليها في حالات أخرى، فعن أي حرية يتحدثون ويدعون ..!!؟
هيلين توماس كانت لما قبل أسابيع قليلة تتربع على عرش الصحافة الأمريكية على مدى 50 عاما، وتحتل المقعد المميز في مؤتمرات البيت الأبيض الصحفية، وأصبح تقليدا وعرفا أن الرئيس الأمريكي يعطيها السؤال الأول تكريما وتقديرا لها ولتاريخها الصحفي، هذه السيدة العجوز التي قاربت الـ 90 عاما، شيطنت وشطب كل تاريخها وسحبت منها كل المميزات وتحول الاحترام والتقدير لسجلها الصحفي والمهني إلى نقد لاذع وتهجم فاضح وفج إلى حد وصفها بالعرافة الشرقية إشارة إلى أصولها العربية اللبنانية، ومنعت من حضور المؤتمرات الصحفية للبيت الأبيض، وأبعدت عن كل مواقعها الصحفية وتبرأت منها كل وسائل الإعلام التي تعمل فيها، لمجرد أنها مارست حقها في التعبير عن رأيها، لكن مصيبتها هي في أنها مست كيان العدو الصهيوني حينما قالت إن لا حل للصراع العربي الصهيوني إلا بعودة اليهود الذين احتلوا فلسطين إلى الديار التي قدموا منها وإعادة فلسطين لأهلها الأصليين، لم تحتمل حرية الرأي والتعبير مثل هذا الرأي منها، فقامت عليها الدنيا ولم تقعد، فأسقطت فورا عن عرشها الصحفي بغمضة عين، وتحولت من إعلامية أولى ومشهورة، إلى إعلامية مبعدة ومنبوذة، ولتحيا هذه الحرية ..!!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي