السياحة في المملكة بين الواقع وتطلعات المواطنين!

نشرت صحيفة ''اليوم'' في ملحقها الاقتصادي بتاريخ 22/5/1431هـ أن عدد المنشآت التي تعمل في قطاع السياحة وصناعتها تجاوز (43) ألف منشأة، وفرت (445) ألف وظيفة، تشكل نسبة السعوديين من شاغليها 26 في المائة، وأنها حققت ما يقارب (70) مليار ريال عائدات، كما أسهمت في الناتج المحلي بنسبة تفوق 3 في المائة، وأن السياحة في المملكة صناعة تولد فرص العمل وتحقق الإيرادات!..، وجاء في ذات العدد من الصحيفة أن متوسط الإنفاق على سياحة الأعمال في المملكة بلغ (14) مليار ريال، من خلال أكثر من خمسة ملايين سائح حضروا وشاركوا في فعاليات الأعمال في المملكة، من اجتماعات ومعارض ومؤتمرات وندوات وغيرها، وأنهم يضخون في المتوسط خلال العام الواحد قرابة 5.5 مليار ريال على خدمات الإيواء، و3.1 مليار ريال على شراء منتجات من السوق المحلية!..
ونشرت صحيفة ''الاقتصادية'' بتاريخ 27/5/1431هـ أن الفرص الوظيفية التي وفرها قطاع السياحة مباشرة بنهاية عام 2009 بلغت (458) ألف فرصة، أما الفرص التي سيوفرها القطاع حتى عام 2014 فسوف تبلغ (590) ألف فرصة عمل، سوف تتوزع بين قطاعات وأنشطة عدة، ما بين الإيواء (93) ألف وظيفة، والمقاهي والمطاعم (307) آلاف وظيفة، والخدمات الترفيهية والجذب السياحي (45.6) ألف وظيفة، ووكالات السفر والسياحة (11.5) ألف وظيفة، وقطاع النقل (133) ألف وظيفة!... والحقيقة أنني وقفت مندهشاً أمام هذه الأرقام والإحصائيات، تملؤني الغبطة لما وصل إليه قطاع السياحة في المملكة على حداثة نشأته، بيد أنني، بعد التأمل، بيني وبين نفسي، في دلالات تلك الأرقام والنسب، ومرجعياتها، برزت لدي تساؤلات عما إذا كانت كل تلك المكتسبات تعد من النتائج التي تحققت بعد إنشاء هيئة عامة للسياحة والآثار لدينا، وبسببها، أم أنها تعد نتائج تلقائية تفرزها حركة الحياة والسفر والإقامة واتصال الناس ببعضهم، كما هي طبيعة الحياة في أي بلد، حتى لو لم توجد فيه هيئات ترعى شؤون السياحة؟!..، فعلى سبيل المثال الفنادق ودور الإيواء والمطاعم، وحركة النقل ومكاتب السفر، كلها موجودة مع وجود الحياة الحديثة في أي بلد، لكن الفوائد التي يمكن أن تنعكس على هذه الأنشطة من وجود جهة ترعى السياحة تأتي من تنظيم الترخيص لها، وحسن توزيعها وتصنيفها، ومراقبة أعمالها، والتأكد من جودة خدماتها، وعدم وجود استغلال ومبالغة في تكاليفها؟!...
أما ما يسمى سياحة الأعمال، أي الذين يحضرون لأداء أعمال مؤقتة، أو حضور ندوات ومؤتمرات، ومعارض واجتماعات ونحوها، فربما يقصر فهمي عن النظر إليها كمنتجات سياحية يكون عنصر السياحة فيها هو الغالب، وإنما هي تندرج ضمن مفهوم الأعمال المرتبطة بالحركة الاقتصادية في المملكة، وكونها تستقطب العديد من رجال الأعمال، وقادة الشركات الكبرى، للبحث عن الصفقات والتعاقدات والأعمال، وبالتالي فإن القول إن الإنفاق المقدر بمبلغ (14) مليار ريال سنويا من خلال من يأتون لمثل تلك المناسبات يصب في خانة السياحة، هو قول يحتاج إلى المراجعة!..
وأما عن فرص العمل التي قيل إن المنشآت السياحية وفرتها أو ستوفرها، فإن أمرها قد التبس علي بعض الشيء، لأنه إذا كانت السياحة قد وفرت (445) أو (458) ألف فرصة عمل (وفقا لما نشر)، وأنها سوف توفر (590) ألف فرصة عمل أخرى حتى عام 2014، أي خلال ما يقرب من أربع سنوات، فإننا نستطيع القول إن قطاع السياحة وحده قادر على أن يقضي على البطالة بتوفيره أكثر من مليون فرصة عمل، وبخاصة أن عدد العاطلين، طبقا للإحصاءات الرسمية، أقل من ذلك بكثير!..، لكن هذا القول يضعف منه أن نسبة 74 في المائة من العاملين في المنشآت المذكورة هم من غير المواطنين!..، وما دام معظم العاملين غير مواطنين، فإن هذا بدوره يضعف المردود الإيجابي الكلي لها، على البلد، لكن قبل ذلك يأتي التساؤل الأساس وهو هل تلك المنشآت، التي أوجدت تلك الفرص، هي نتاج أنشطة مستحدثة، بعد قيام الهيئة، حتى يقال إنها منتجات سياحية، أم أنها متكونة وموجودة قبل ذلك؟!، وبالمناسبة فقد لفت الانتباه الدقة في توزيع الوظائف على مختلف القطاعات، رغم أنه لا يزال، أمامنا وقت طويل قبل أن يأتي من يدقق في المتحقق!..
وإجمالاً، فإنه يثلج الصدر أن تكون كل تلك الأنشطة منتجات سياحية أتت ضمن الجهود التي تقوم بها الهيئة بعد إنشائها، غير أن الواقع ينبئ عن غير ذلك!..، كما ينبئ هذا الواقع عن أن المواطنين التي يعلقونها على وجود الهيئة للنهوض بالسياحة كبيرة، كبر ثقتهم بها، وبما يتناسب مع ما تحوزه من سمات الاستقلالية والمرونة في أعمالها، وهو ما يبعدها عن معوقات البيروقراطية واختناقاتها، فضلا عن أنه يقودها رجل خبر من أمور السياحة وأهميتها ومردوداتها الإيجابية ما تجاوز حدود الأرض, وهي آمال تتجاوز الإحصاءات إلى الوقوعات, وتسمو بالأقوال إلى الأفعال, وكلهم أمل أن يأتي يوم يرون فيه أمنياتهم الآتية ماثلة على أرض الواقع:
1 ـ أن تركز تقارير الهيئة وإحصاءاتها على عدد الوفود الأجنبية والأفراد الذين قدموا من أجل زيارة المملكة, والاطلاع على تراثها وآثارها وثقافتها, وطقسها, ورخائها وأمنها, ودفء مشاعر أهلها, أي يكون مقصدهم السياحة فقط, وطبعا ذلك لن يتحقق إلا ببذل جهود كبيرة متواصلة تتناول تسهيل إجراءات الدخول والخروج والانتقال والإقامة بكل سهولة ويسر.
2 ـ تحسين المرافق السياحية الداخلية, من منتجعات واستراحات, ومحطات الخدمة على الطرق البرية, وتوفير الخدمات الضرورية فيها, وأولها دورات المياه التي يستطيع الإنسان الدخول إليها واستخدامها!..
3 ـ أن يجد السائح أمامه وهو ينزل من الطائرة وسيلة نقل منتظمة معقولة التكلفة, بعيدا عن المساومة, كما يجد وسيلة نقل عامة داخل المدينة, منظمة, تنقله إلى الأماكن التي يريد زيارتها, فضلا عن توافر سيارات أجرة نظيفة أينما احتاج إليها, بأجرة محددة يقودها سائقون من أبناء البلد يتحلون بالمظهر المقبول, والتعامل المستمد من تعاليم الدين وتراث الأمة, وليس كما هو واقع حين يركب الزائر مع سائق لا يمت إلى وضع البلد بصلة, سواء من حيث اللغة أو المظهر أو التعامل!..
4 ـ أن يجد السائح سواء كان مواطنا أو وافدا, مكانا للإيواء يتصف بالحد المقبول من النظافة وحسن التعامل, ومعقولية التكاليف, بحيث يجد المواطن, بالذات, أن قضاء إجازته في وطنه أفضل وأوفر له.
5 ـ أن يتوافر للسائح بعض مقومات السياحة الأخرى من عوامل الترفيه والمتعة والتسلية, مثل المنتجات المسرحية, ودور العرض السينمائية والبرامج الثقافية, بعيدا عن الوقوع في مظان الفتن, والمخالفات الشرعية, الملازمة لبعض البرامج السياحية في الخارج.
6 ـ تهيئة الأماكن التراثية والآثار لجذب السائح وإغرائه بزيارتها, وذلك بتوفير الدعاية لها, والتعريف بها, وتوفير ما يلزمها من مرافق خدمية ضرورية مثل أماكن الجلوس ومحال بيع الهدايا التذكارية المرتبطة بتراث البلد, ناهيك عن العمل على إزالة ما لدى البعض من التباس فكري أو كراهية قد تصل إلى حد تحريم زيارة مثل تلك الأماكن.
والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي