الخلاف الأمريكي ـ الإسرائيلي حول التعامل مع حزب الله

أصبح معروفا أن إسرائيل تصر على أن تلعب دور الوكيل الإقليمي للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط. وتتضمن مهام هذا الدور أن تتبنى واشنطن مرئيات واتجاهات ومصالح إسرائيل حرفيا، حتى إن تعارض ذلك مع المصالح الأمريكية.
وفي الفترة الأخيرة صرح جون برينان مستشار الرئيس أوباما للأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب, بأن الإدارة الأمريكية تبحث عن وسائل لتقوية العناصر المعتدلة في حزب الله، وذلك في محاولة للتعامل مع لبنان ككيان سياسي متكامل يفيد في تحقيق استقرار الشرق الأوسط.
انبرى الساسة الإسرائيليون فورا وأعلنوا أن حزب الله جزء من جهاز الأمن الإيراني، وذلك بهدف إبقاء الموقف الأمريكي على حالة من العداء لحزب الله.
وتعزيزا للفكر الإسرائيلي واستنتاجاته حول جذور حزب الله, أعلنت دوائر الإعلام والسياسة الإسرائيلية أن حزب الله واحد من منتجات مشروع تصدير الثورة الإيرانية الذي أعلنه آية الله روح الله الخميني وكلف آية الله منتظري بتنفيذه. واختار منتظري لبنان كنقطة بداية ـ كما يزعم الإسرائيليون ـ لأن فيه أعدادا كبيرة من الشيعة, فضلا عن الاضطراب الدائم في السياسة اللبنانية, ما يسهل العمل السري.
ويرد برينان على الإسرائيليين بأن حزب الله منظمة سياسية عسكرية ومن بين كوادرها من يلفظ العنف, فضلا عن أن الحزب جزء من النظام السياسي اللبناني، وأن له دورا مهما في العملية الديمقراطية اللبنانية. وقال برينان أيضا إنه يدرك أن إيران تدعم الحزب, لكن دور إيران في تسييره وقيادته محدود للغاية. وأضاف أن أبرز ما أنجزه الحزب هو إعطاء القوة وإلهام الاعتزاز لشعب الجنوب اللبناني الشيعي الذي شرب الحنظل على يد المارونيين والسنة وغيرهما, خاصة مع انحطاط مستوى المعيشة بينهم وتقلدهم الأعمال الدنيا.
لذلك فإن على واشنطن أن تعمل كل ما في وسعها لإدماج الحزب في المجرى الأساسي للسياسة اللبنانية لأنه لاعب مهم فيها، وأردف يقول ''إنه منذ المشاركة الإيجابية للحزب في السياسة قلت العمليات العسكرية الموجهة لإسرائيل''.
ويرد الإسرائيليون بأن حسن نصر الله ونعيم قاسم نائبه يدينان بالولاء لإيران وليس لحكومة لبنان. وقد صرح الأخير ''بأننا - أي حزب الله - ننتظر النور الأخضر الإيراني قبل أي عملية أو ضربة''. واستشهد الإسرائيليون بقول روبرت جيتس وزير الدفاع الأمريكي الذي صرح بأن قوة حزب الله تفوق قوة أي حركة سياسية في العالم، بل أقوى من دول ذات سيادة.
ويرد على الإسرائيليين هذه المرة تقرير صدر عن مؤسسة راند الأمريكية التي ذكرت أن حزب الله يحاول قدر المستطاع الابتعاد عن مظلة الهيمنة الإيرانية. وأكبر ما يضايق أجهزة الإعلام الإسرائيلية التي تصدر هذه الأفكار ما صدر عن ساسة وخبراء إسرائيليين يقولون إن حزب الله متأثر تماما بما يجرى على الساحة الداخلية اللبنانية، وفي هذا الصدد جرى تداول فكرة على درجة من الأهمية ، وهي أن حزب الله لم يكن نتاج عمل منتظري أو تصدير الثورة الإيرانية، وإنما نما وترعرع أثناء الاحتلال الإسرائيلي للبنان. ووجود الجنود الإسرائيليين على تربة لبنان كان الحافز على إيجاد رد فعل يساوي العنف والجبروت الإسرائيلي, فتأسس الحزب للمقاومة.
وفي مقابلة تلفزيونية أجراها إيهود باراك وزير الدفاع الإسرائيلي بمناسبة مرور عشر سنوات على انسحاب إسرائيل من لبنان قال: ''لم يكن لحزب الله وجود عندما ذهبنا إلى لبنان، لكن إقامتنا وبقاءنا هناك هو الذي أسس هذا الحزب. إن حزب الله لم يقو نتيجة خروجنا من لبنان، لكنه اكتسب قوته من استمرارنا هناك''.
ويستشيط الإسرائيليون غضبا من وزير دفاعهم ويعودون إلى ترديد مقولة الدور الإيراني في إنشاء الحزب. وأضاف أصحاب هذا الرأي أن رسائل الخميني كانت تُنتج في لبنان ثم يجري بثها إلى إيران في مرحلة الترويج لمبادئ الإمام الخميني. ويقول هؤلاء أيضا إن إيران حاولت الاستيلاء على حركة أمل الشيعية وترويضها وإدخالها تحت مظلة إيران، لكن أمل أصرت على أن تبقى لبنانية, لأنها ترفض فكرة ولاية الفقيه, أي أن يكون الرأي الأعلى والأخير للزعيم الديني الأول.
بعد الفشل مع أمل، تولى علي أكبر محتشمي السفير الإيراني في سورية جهود عمل حزب موال لإيران ـ كما يقول الإسرائيليون ـ واستفاد ممن خرجوا على أمل ومن الفراغ الذي حدث في لبنان بعد غزو إسرائيل له سنة 1982 وأرسلوا خبراء من الحرس الثوري لتدريب الكوادر الأولى لحزب الله. واستفاد الحزب من وجود قوات دولية تمثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا.
ويرد الأمريكيون بأن الوجود الإسرائيلي هو الذي شحذ عزيمة المقاتلين على محاربة الإسرائيليين تحت أي اسم وأي راية، ولذلك اكتسب الحزب مصداقية اجتماعية وسياسية وحظي باحترام اللبنانيين لخوض حروب فعلية أوجعت إسرائيل. فضلا عن أنه ألغى الوجود اللبناني الحكومي في البقاع وجنوب لبنان وجنوب بيروت، بل إنه اقتنص من الحكومة ورقة سياسية مهمة تعني كثيرا من السيادة, وهي ورقة استخدام القوة دون الرجوع إلى الحكومة.
ويطل الإسرائيليون برؤوسهم مرة أخرى ليقولوا إن سيطرة حزب الله أبعد وأكبر من القوة العسكرية, لأن نظام المؤسسات المدنية الذي أنشأه الحزب يقدم حلولا أكثر فاعلية لاحتياجات الشعب اللبناني في الجنوب وبما يفوق ما تقدمه الحكومة اللبنانية .. فكيف يُطلب الولاء من هؤلاء؟ وخير مثال على ذلك وحسب إحصائيات عام 2002 كان الراتب الشهري للعامل في الجنوب يراوح بين 600 و800 دولار بينما لم يزد راتب الموظف التابع للحكومة اللبنانية على 500 دولار.
ويقول الأمريكيون إن الحزب ممثل في البرلمان, أي أنه قوة في فعاليات السياسة اللبنانية. ويرد الإسرائيليون بأنه يتبع الآن مرجعية التقليد الإيرانية, وهي قوة أكبر من دينية وليست كسلطة البابا الدينية مثلا. ولذلك يمكن القول إنه أقوى قوة في لبنان، وهنا يرد الأمريكيون إذن يجب التعامل معه كحزب سياسي له شعبية وليس كحركة إرهابية كما تحاول إسرائيل رسمه.
ولتخويف أمريكا تقول إسرائيل إن قوته مع دعم سورية وإيران ربما تدفعه إلى إنشاء ''جمهورية لبنان الإسلامية''. وتقول أيضا إنها عندما انسحبت من لبنان كانت تظن أن ذلك سيقلل من نزعة المقاومة العسكرية، وبذلك ينهار حزب الله، لكن الذي حدث العكس, حيث أصبح لديه صواريخ ذات مدى كبير أذاقت إسرائيل العذاب في حرب 2006.
بقي أن نقول إن أمريكا على لسان برينان تراهن على صقور وحمائم وجناح عسكري وجناح سياسي, لكن إسرائيل تقول إن حزب الله وحدة واحدة.
الحقيقة أن السياسة ليس فيها نبل ولا براءة، ولا يعقل أن يتحول الأمريكيون من عداء لحزب الله إلى صداقته، لكنها مصالح الدول الكبرى التي ربما ترى وضع مشكلة في الثلاجة لبعض الوقت والتهدئة في منطقة للتسخين في أخرى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي