اقتصاد معرفي بقيادة نانوية

اقتصاد معرفي بقيادة نانوية

لعب الخيال العلمي دورا مهما في تحقيق الكثير من الاكتشافات والإنجازات العلمية على مر العصور، فأعمال الخيال العلمي المتمثلة في الرواية والقصة والفيلم السينمائي ساهمت في إعطاء الفرد فرصة كبيرة للتخيل والاكتشاف والإبداع والابتكار، فلو نظرنا إلى الحقائق والاكتشافات التكنولوجية التي نتمتع بها اليوم لوجدنا أنها كانت في يوم ما خيالا علميا داعب أذهان الكتاب والعلماء والأدباء.

في القرن الماضي تنبأ العلماء وكتَّاب الخيال العلمي بتصميم أسلاك ومعدات وآلات وتقنيات تقاس أجزاؤها بالميكرون الذي هو أقل بعشرات المرات من قطر شعرة، حيث يمكن تصنيع الملايين من هذه الآلات في الوقت نفسه وبتكلفة متواضعة، وهذا ماعُرف لاحقا بالنانو تكنولوجي (التقنيات المتناهية في الصغر).

علم النانو تكنولوجي هو علم حديث يبحث في تصميم أجهزة متناهية في الصغر، فالنانو متر هو واحد على بليون من المتر (وهذه النسبة تقارب مساحتكم عزيزي القارئ بالنسبة للمدينة الجامعية في الدرعية)، ويمثل قطر الشعرة 80 ألف نانو متر، وعلم النانو تكنولوجي يبحث في تصميم وإنتاج أجهزة غاية في الدقة من خلال نماذج صغيرة جدا ويطلق هذا التعبير على أي تقنية تعمل على مستوى المقاسات المتناهية في الصغر، وعلى نحو أكثر تحديدا تشير كلمة نانو تكنولوجي إلى تقنية بناء المادة وتركيبها انطلاقا من الذرة الواحدة، وتتمثل قاعدة التقنية النانوية في بناء المواد بدقة من لبنات صغيرة لتظهر المادة على مستوى عال جدا من الجودة والتشغيل، وإنتاج مواد نانوية المقياس تتم عن طريق إعادة هيكلة الذرات والجزيئات داخل المادة بحيث يكون متوافقا مع قوانين الفيزياء والكيمياء، وفي مثل هذا النظام تتداخل حقول الفيزياء والكيمياء والأحياء والكهرباء والإلكترونيات والميكانيكا بقوة مع بعضها البعض.

ومن تطبيقات التقنية النانوية القدرة على اكتشاف الأورام السرطانية في المراحل المبكرة لتكوينها، وتقديم علاجات حديثة ومتطورة للأمراض المستعصية، وأيضا يستفاد منها في رفع كفاءة توليد الطاقة، وتصنيع حاسبات آلية فائقة السرعة، وإنتاج طائرات خفيفة الوزن، وكل ذلك بتكلفة أقل.

كل هذه التطبيقات ما هي إلا أمثلة تُثبت أن للتقنية النانوية مستقبلا عظيما في جميع المجالات الطبية والعسكرية والمعلوماتية والإلكترونية والحاسوبية والبتروكيماوية والزراعية والحيوية وغيرها.

الدول المتقدمة دخلت في سباق محموم لتسيّد الاقتصاد العالمي في القرن الحادي والعشرين عن طريق ضخ أموال طائلة للإنفاق على برامج البحث والتطوير في هذا المجال الواعد، والمملكة العربية السعودية اليوم من تلك الدول التي تنفق بسخاء على الأبحاث العلمية في مجالات تقنية النانو، جامعة الملك سعود في حراكها التطويري الجديد أنشأت معهد الملك عبد الله لتقنية النانو بتوجيهات من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وهذ المعهد يحظى بمتابعة مباشرة من مدير جامعة الملك سعود الأستاذ الدكتور عبد الله بن عبد الرحمن العثمان، ويهدف معهد النانو إلى أن تكون الجامعة رائدة أبحاث النانو على مستوى العالم وذلك عن طريق دعم ونشر ثقافة البحث العلمي في مجالات أبحاث النانو ويهدف أيضا إلى بناء صرح علمي عالمي عن طريق توقيع اتفاقيات مع علماء متخصصين ومع المؤسسات والمعاهد العالمية المتخصصة عن هذه التقنية الواعدة.

الأخيرة: من يحظى بقيادة تقنيات النانو سيتحكم في الاقتصاد العالمي (في القرن الواحد والعشرين) قرن يعتمد على اقتصاد المعرفة وليس على ثروات باطن الأرض.

عدد القراءات:537

* "هذه المادة منتقاة من "الاقتصادية الإلكترونية" تم نشرها اليوم في النسخة الورقية"

الأكثر قراءة