التنافسية ورفع الكفاءة الإنتاجية
كشف ـ بحسب ما نشرته صحيفة ''الاقتصادية'' في 9 أيار (مايو) 2010 ـ أسامة فقيه رئيس ديوان المراقبة العامة، عن عشرة أسباب أعاقت تنفيذ مشاريع حكومية قدرت بأربعة آلاف مشروع متوقف في المملكة تبلغ قيمتها الإجمالية ستة مليارات ريال، محذرا من أن ملف المشاريع المتعثرة بدأ يزداد، مؤكدا أنه من أهم العوامل التي ساعدت على تعثر المشاريع ضعف التخطيط للمشاريع في مراحل إعداد دراسات الجدوى، ووضع التصاميم الهندسية والشروط والمواصفات الفنية، الأمر الذي يؤدي إلى كثرة التعديلات وتعدد أوامر التغيير بالحذف أو الإضافة أثناء مراحل التنفيذ، وبالتالي تمديد فترات العقود وزيادة تكاليفها المالية وتكاليف الإشراف، إضافة إلى تأخر الاستفادة من المشروع.
كما قال إن من ضمن أسباب تعثر المشاريع في المملكة عدم كفاية الاعتمادات المالية لبعض المشاريع الحيوية، إما لارتفاع سعر أقل العطاءات عن التكاليف المقدرة للمشروع، وإما لعدم الدقة في تقدير المبالغ المعتمدة للمشروع نتيجة عدم الأخذ بالتكاليف المقدرة من الاستشاري المصمم للمشروع، ولو كمؤشر على الأقل، ما يؤدي إلى تأجيل التنفيذ وإعادة طرح المشاريع في المنافسة أكثر من مرة, مبديا استغرابه من مسألة رصد الاعتمادات المالية لبعض المشاريع قبل التأكد من جاهزيتها للتنفيذ، وتوافر الأراضي اللازمة، ما يؤدي إلى تأخر تنفيذها وعدم استخدام الاعتمادات المرصودة وتحويلها إلى أغراض غير منتجة، وليست ذات أولوية.
كان ذلك كما أوردت صحيفة ''الاقتصادية'' بعد افتتاحه في 8 أيار (مايو) 2010 الندوة السنوية السابعة حول أسباب تعثر تنفيذ المشاريع الحكومية وسبل معالجتها في معهد الإدارة العامة في الرياض, وهو نشاط اتصالي يبشر بخير إذ يلعب معهد الإدارة الذي يكاد يكون معهد التأهيل الرئيس للعاملين في الحكومة من قيادات وموظفين, بذلك دورا مهما وحيويا في تحليل المشكلات وتشخيصها التشخيص السليم مع المسؤولين في الأجهزة الحكومية المعنية بتلك المشكلات لإعمال الفكر في إيجاد الحلول القابلة للتطبيق في كل الأبعاد الزمنية القريبة والمتوسطة والبعيدة.
بكل تأكيد لا يمكن أن تبتدع مثل هذه الأنشطة الفكرية الحلول في إطار فكري ضيق بين الجهة ذات الصلة بالمشكلة والعاملين في معهد الإدارة وبعض الاستشاريين الأكاديميين, إذ يجب أن يتعدى ذلك إلى نطاق أوسع يشتمل على مشاركة جهات حكومية ومدنية, خاصة ذات تجارب ناجحة على أرض الواقع, لتضع خبرتها التي شكلتها عبر سنوات العمل والإخفاق والنجاح على طاولة النقاش والحوار والتفكير الابتكاري لحلول إبداعية قادرة على معالجة المشكلات من جذورها وفي أبعادها ومتغيراتها كافة. مشكلة تأخير تنفيذ المشاريع التي تعانيها بلادنا وتعرض لها كثير من المهتمين والكتاب ووسائل الإعلام وأخيرا ديوان المراقبة العامة, فضلا عن تذمر المواطنين الذين يتأثرون سلبا نتيجة تأخر تنفيذ هذه المشاريع, رغم حرص حكومة خادم الحرمين الشريفين على تنفيذها, وذلك من خلال توفير الموازنات اللازمة لذلك وحث المسؤولين على تنفيذها, وكلنا يذكر كلمة خادم الحرمين الشريفين ''لا عذر''. أقول مشكلة التأخير باتت مشكلة مزمنة وتؤرقنا جميعا في زمن أصبح فيه الوقت عنصرا بل موردا مهما وحاسما في التنمية, وشبعنا من التفكير في المشكلة وتشابكاتها وتعقيداتها ونكاد نكون يئسنا من الحل وحان الوقت أن نضع نطاقا زمنيا لمعالجتها من جذورها دون أي الالتفات لأي عذر لتجاوز هذا النطاق الزمني مهما ثقل الوزن.
لدينا تجربة ناجحة, ولدينا مركز وطني متخصص في التصدي لمعالجة كفاءة الإنجاز من خلال التصدي للثلاثي الأهم ''عدد الإجراءات، التكلفة، والوقت'', وبكل تأكيد إذا استطعنا تقليص الإجراءات وتقليل التكلفة ولا أقول القيمة واختصرنا الوقت سنصل إلى الجودة الإنتاجية الأمثل, لأننا سنضطر إلى استخدام أحدث منهجيات وآليات التخطيط والتنظيم والتوجيه والمتابعة, كما سنعمد إلى البحث عن أفضل العمليات الإدارية والمالية والإنتاجية التي تقلل التكاليف وتختصر الوقت للوصول إلى الإنجاز المستهدف, كما فعلت الدول المتقدمة.
مركز التنافسية الوطني التابع للهيئة العامة للاستثمار, وهو المركز المعني بتشخيص وضع بلادنا التنافسي ووضع الخطط لتحسينه واستنهاض الهمم بالتعاون مع الأجهزة الحكومية والقطاع الخاص من خلال إطلاق عدة مبادرات يمكن أن يكون له دور كبير كشريك استراتيجي في الإصلاح الاقتصادي في بلادنا, وذلك من خلال تبادل معارفه وخبراته والمهارات التي اكتسبها مع الأجهزة الحكومية ومعهد الإدارة وديوان المراقبة العامة للوصول إلى حلول إبداعية لمشكلة التأخير القياسية في تنفيذ المشاريع الحكومية رغم توافر جميع الموارد اللازمة لإنجازها في أوقات تنفيذ قياسية، ذلك أن المركز متخصص في التنافسية، والتنافسية على ارتباط وثيق بالكفاءة، والكفاءة تعني الإنجاز في الأوقات والتكاليف والجودة المثلى, وهو الأمر الذي نصبو إلى تحقيقه.
أعتقد أن الخبرات التي بناها مركز التنافسية الوطني عبر أكثر من خمس سنوات مضت وأصبحت مثار إعجاب الدول النامية التي باتت تطلب مشاركته تجربته، أعتقد أننا أولى باستثمار هذه التجربة للوصول إلى حلول سريعة وفاعلة لمشكلاتنا, خصوصا تلك المتعلقة بضعف الكفاءة الإنتاجية وعدم القدرة على ضبط زمن الإنجاز وما يترتب على ذلك من مشكلات تتراكم عبر الزمن ما يجعلها تتفاقم وتتطلب موازنات كبيرة لمعالجتها هي الأخرى. ختاما, كما أدعو معهد الإدارة والمعاهد الاستشارية في جامعاتنا التي باتت تشكل حزاما استشاريا لكثير من أجهزتنا الحكومية للتعاون الوثيق مع مركز التنافسية الوطني, فإنني وفي الوقت نفسه, أدعو القائمين على الهيئة العامة للاستثمار ومن خلال مركز التنافسية الوطني إلى إيجاد قناة اتصال مع هذه المعاهد لاستثمار نجاحات المركز بأقصى درجة ممكنة, فكلنا أذرعة في جسد واحد هو الوطن الذي نسعى جميعا إلى تنميته بما يرفع مستويات العيش لأبنائه.