هل تستطيع المصارف الإسلامية المساهمة في تحقيق التنمية المستدامة؟

هل تستطيع المصارف الإسلامية المساهمة في تحقيق التنمية المستدامة؟

هل تستطيع المصارف الإسلامية المساهمة في تحقيق التنمية المستدامة؟

أصبح تحقيق التنمية المستدامة مطلباً عالمياً ينادي به الجميع، بعد ما شهد العالم في الآونة الأخيرة عديد امن الاختلالات البيئية والاجتماعية والاقتصادية، والتي أصبحت لا تهدد فقط استمرارية وتقدم الإنسان ورفاهيته، بل أيضا وجوده وحياته على هذا الكوكب. فالكثير من رجال الاقتصاد والسياسة والفكر يعتقدون الآن أن التنمية المستدامة هي الأداة الناجعة لعلاج هذه الاختلالات، ولتجنيب العالم الانعكاسات السلبية التي ترتبت على تطبيق النموذج التنموي التقليدي خلال العقود الماضية، ويرون أنه من الواجب على كل الدول والمؤسسات ومختلف الجهات القيام بدور فاعل في تحقيق التنمية المستدامة.
من هنا تأتي أهمية بحث موضوع دور المصارف الإسلامية في تحقيق التنمية المستدامة ومدى إمكانية مساهمة هذه المصارف فيها, وحول هذا الموضوع أعد الدكتور محمد عبد المنعم أبو زيد عضو هيئة التدريس في كلية الاقتصاد جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية والخبير في مجمع الفقه الإسلامي الدولي دراسة ناقش فيها الدور الذي يمكن أن تقوم به المصارف الإسلامية في تحقيق التنمية المستدامة بحكم طبيعتها الجديدة ومنهجها المختلف في العمل – عن منهج البنوك التقليدية –.
وتنطلق الدراسة من فرضية معينة يحاول الباحث إثبات صحتها – أو خطئها – مؤداها "أن الطبيعة الخاصة والمميزة للمصارف الإسلامية تساعدها على القيام بدور فاعل في تحقيق التنمية المستدامة". غير أنه من المهم الإشارة هنا إلى أن الدراسة اقتصرت على تناول المستوى النظري للعمل المصرفي الإسلامي، دون التعرض لدراسة التجربة العملية في هذا المجال.
وجاءت الدراسة في ثلاثة مباحث استهدف الأول التعريف بماهية وطبيعة التنمية المستدامة والمصارف الإسلامية، والتعرف على العلاقات المشتركة بينهما، كتمهيد أساسي وأرضية ضرورية تساعد على دراسة الجوانب المختلفة لهذا الموضوع بعد ذلك, وتوصل الباحث في نهايته إلى أن هناك علاقة قوية بين التنمية المستدامة والمصارف الإسلامية. أما المبحث الثاني فقد استهدف التعرف على الدور الذي يمكن أن تلعبه أنشطة المصارف الإسلامية في تحقيق التنمية المستدامة – وخاصة نشاطي تلقي الأموال وتوظيفها – ومعرفة مدى أثر الطبيعة المميزة للعمل المصرفي الإسلامي عامة، ولهذه الأنشطة خاصة على قيام هذه المصارف بذلك الدور.
أما المبحث الثالث فحاول التعرف على طبيعة البعد الاقتصادي والاجتماعي للمصارف الإسلامية، ومدى تأثيره في قيامها بتحقيق التنمية المستدامة.
ورأت الدراسة أن المصارف الإسلامية تستطيع تحقيق عديد من الفوائد والمميزات الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات التي تعمل بها، نتيجة لطبيعتها الجديدة والمختلفة عن طبيعة البنوك التقليدية، وللتأثيرات الإيجابية العديدة التي يمكن لأنشطتها وأعمالها أن تمر على مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
ومن ثم فإن المصارف الإسلامية تستطيع عن طريق هذه الطبيعة وتلك التأثيرات الإسهام في علاج بعض الاختلالات الاقتصادية والمصرفية التي تسبب فيها نظام العمل في البنوك التقليدية من ناحية، والإسهام في تحقيق التنمية الاجتماعية وفي تقديم بعض الخدمات الاجتماعية المتميزة من ناحية أخرى. كما أشارت الدراسة إلى أن المصارف الإسلامية تستطيع من ناحية أخرى الإسهام في علاج هذه الاختلالات عن طريق العمل على تصحيح وظيفة النقود كذلك، والتي أسهم نظام العمل الخاص بالبنوك التقليدية في انحرافها وتحولها من وسيط للتبادل إلى سلعة تستخدم كأصل قابل للتأجير تباع وتشترى خدماته بأجرة معينة وهو سعر الفائدة، وقد أسهم هذا الأمر أيضاً في حدوث عديد من الاختلالات التي سبق الإشارة إليها.
وبحسب الدراسة فإن المصارف الإسلامية تستطيع من خلال البعد الاجتماعي – والتي فصلت الدراسة الحديث عنه - الإسهام في تحقيق التنمية المستدامة، هذه التنمية التي تقوم على أساس مراعاة التوفيق بين الاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية معاً، وتصحيح السلبيات والاختلالات التي نتجت عن التركيز على الاعتبارات الاقتصادية فقط خلال التجارب التنموية السابقة, وأشارت الدراسة إلى أن المشاريع الاستثمارية التي تعمل هذه المصارف على إقامتها أو تمويلها، تحقق أبعادا اجتماعية عديدة ومهمة ـ بجانب الأبعاد الاقتصادية لها ـ هي من متطلبات ولوازم التنمية المستدامة. وفي الختام توصلت الدراسة إلى عديد من النتائج من أهمها: أن الطبيعة الخاصة لنشاط التوظيف في المصارف الإسلامية تؤدي إلى دعم عملية التنمية المستدامة، من خلال ما تقوم به من دور في حماية الموارد التمويلية من التبديد في استخدامات لا فائدة حقيقية منها والعمل على ترشيد استخدامها، وكذلك من خلال ما يقوم به هذا النشاط من دور في حماية البيئة من التلوث والأضرار الأخرى. كما أن نشاط تلقي الأموال وتعبئة المدخرات في المصارف الإسلامية يلعب كذلك دوراً مهماً في تحقيق التنمية المستدامة، من خلال ما يتركه من تأثيرات إيجابية على العملاء المدخرين والموارد المالية المدخرة والمعبأة، والتي تعتبر من متطلبات تحقيق هذه التنمية.
كما تبين من الدراسة أن المصارف الإسلامية تستطيع القيام بدور فاعل في التنمية المستدامة من خلال البعد الاقتصادي لأنشطتها المختلفة، حيث تسهم الطبيعة المميزة لهذا البعد في علاج عديد من الاختلالات الاقتصادية. أيضا تبين من الدراسة أن طبيعة العمل المصرفي الإسلامي تؤدي إلى وجود آثار اجتماعية متميزة لهذه المصارف, وأنها تستطيع عن طريقها الإسهام في تحقيق التنمية المستدامة. وفي النهاية أوصت الدراسة بضرورة الاهتمام ببحث الجوانب المختلفة لهذا الموضوع، ومعرفة الأسباب والعوامل التي يمكن أن تساعد المصارف الإسلامية على القيام بدور فاعل في تحقيق التنمية المستدامة، وتحديد المعوقات التي تحد من قدرتها على لعب هذا الدور المهم، والبحث عن الحلول العملية الممكنة للتغلب على هذه المعوقات، كما أوصت الدراسة المصارف الإسلامية والمسؤولين عنها بالعمل على تفعيل وتطوير دورها في مجال تحقيق التنمية المستدامة، والأخذ بكل ما هو ممكن لتحقيق هذه الغاية.

الأكثر قراءة