الاقتصاد العالمي مزيج من القطاعات الحكومية والشركات

تحدثنا سابقا عن علاقة الشركة بالمؤسسات الحكومية وأشرنا إلى أن هناك علاقة مباشرة بين تطور مفهوم الشركة وتبسيط الأنظمة الحكومية.
وتبسيط الأنظمة أدى إلى ازدياد الدور الذي تلعبه الشركة يومنا هذا في الاقتصاد العالمي. ولكن قبل أن ننطلق إلى مدى تأثير الشركة في الاقتصاد العالمي اليوم دعونا نعود إلى الوراء قليلا لنغوص في تاريخ نشأة الشركة لنرى ما إذا كان هذا التأثير هو جديد على الاقتصاد أم أنه جزء لا يتجزأ من تاريخ الشركة. تاريخ الشركة يعود إلى القرن الـ 16، ولعل من الغريب أنه بتحليل وضع الشركة في ذلك التاريخ نجد أن شركة شرق الهند (وهي شركة تملكها الحكومة البريطانية) قد عهدت لها الإمبراطورية البريطانية في أواخر القرن الـ 16 بتولي إدارة الهند بشكل مباشر، حيث كانت هنالك تجارة كبيرة بين الصين وبريطانيا وكانت تلك التجارة تتم عن طريق شركة شرق الهند. من المعلوم أن الصين تحت عهد إمبراطورية منغ اعتزلت العالم وذلك لاقتناعها أن العالم لا يمكن أن يضيف شيئا لحضارتها الرائدة. كانت الصين تبيع الشاي لبريطانيا في بداية القرن الـ 17 وكان الصينيون يرفضون مقايضة الشاي بأي سلعة أخرى ولا يقبلون إلا بالفضة. ولكن الدفعات الكبيرة التي كانت تدفعها بريطانيا إلى الصين مقابل الشاي بدأت تؤثر في موقعها المالي وتهدد قوة الجنيه الإسترليني. حيث كان الصينيون في ذلك الوقت يشترون الأفيون (المادة المخدرة التي كانت تباع علنا كدواء وساء استخدامها لاحقا كمادة مخدرة) من تجار الهند. توصل البريطانيون بدهائهم المعروف لبيع الأفيون إلى الصين مقابل الفضة واستخدام الفضة في شراء الشاي، وبذلك لم تعد في حاجة لدفع الجنيهات الاسترلينية لإشباع إقبال شعبها على الشاي. وفي المقابل وبعد فترة من الزمن، بدأ الصينيون بإدمان الأفيون مما أدى إلى رفض الصين شراء الأفيون الإلزامي حتى وصل الأمر إلى اندلاع حرب الأفيون والتي انتهت بانتصار ساحق للبريطانيين ألزموا من خلاله الصينيين على شراء الأفيون مقابل الشاي. وكانت شركة شرق الهند هي المستفيد من هذه الحرب، حيث كانت طرق التجارة العالمية تباع للشركات. وإن كانت هذه الشركات ذات ملكية حكومية فإنها منذ ذلك الوقت وهي ذات تأثير كبير في الاقتصاد العالمي.
اليوم نجد أن الشركات أصبحت أغنى بكثير من كثير من الدول، حيث لو وضعت شركة وول مارت الأمريكية في قائمة 100 أغنى 100 اقتصاد في العالم فإنها ستحتل الرقم 33 مما يعني أنها أغنى من قرابة 200 دولة في العالم. بل إن دخلها يعادل الناتج القومي لأكثر من 31 دولة إفريقية مجتمعة. كما أن عدد موظفي شركة وول مارت البالغ 2.1 مليون يضعها رقم 146 في ترتيب دول العالم (من 240 دولة) من حيث عدد السكان. ويمكن تلخيص دور الشركة في الاقتصاد العالمي بالنقاط التالية:
ــ الشركة اليوم هي أحد المحركات الأساسية للاقتصاد العالمي: نسبة كبيرة من التجارة البينية بين مختلف دول العالم تتم بين الشركات أو الشركات والدول. كذلك يمل جل الموظفين في الدول الاقتصادية الكبرى في الشركات.
ــ تعد الشركة مصدرا مهما للعملة الصعبة لكثير من البلدان وخاصة الفقيرة منها. ومثال ذلك هو شركات التعدين في الدول الإفريقية.
ــ تساعد الشركة حكومتها على فرض سياساتها في المسرح العالمي وذلك مثل مقاطعة الشركات الأمريكية للدول التي تعاديها الولايات المتحدة. كذلك اتهام بعض الشركات بالعمل للأجهزة الاستخبارية في دولهم.
ــ تقوم الكثير من الدول بتغيير سياساتها الداخلية وذلك لجذب الشركات للاستثمار فيها كما تقوم به الأردن ودبي حاليا. معيار الجذب الاقتصادي للمستثمر الأجنبي أصبح أحد معايير نجاح المؤسسة الحكومية في وقتنا الراهن.
ــ تسيطر الشركات على الثروة الفكرية العالمية، حيث إنها تمتلك حقوق براءة الاختراع لأغلب الاختراعات العالمية. وبراءة الاختراع هي أحد المحفزات الرئيسة لاقتصاد ( 10 في المائة زيادة في الناتج الوطني إلى ماليزيا يأتي من براءات الاختراع).
ــ تضغط بعض الشركات على حكومتها للبدء بالحروب وذلك للاستفادة من اقتصادات الدول المغزوة وذلك مثل شركة هاليبرتون والتي كان يرأسها نائب رئيس الولايات المتحدة السابق ديك تشيني وهو أكثر من طالب بالحرب على العراق. هذه الشركة وشركاتها التابعة أخذت عقودا في العراق بما يربو على 50 مليار ريال منذ الحرب على العراق.
والكثير قد وجهوا أصابع الاتهام للشركات بأنها خلف اتفاقيات منظمة التجارة العالمية وذلك لتبسط هذه الشركات هيمنتها على الاقتصاد العالمي وموارده الغنية. ومهما يقال عن تأثير الشركة في الاقتصاد العالمي، فإن حقيقة واحدة لا يمكن إنكارها ذلك أن الاقتصاد العالمي اليوم هو مزيج ما بين القطاعين الحكومي والخاص (الشركة) والأفراد ويتداخل هؤلاء بطريقة يصعب معها فك الارتباط فيما بينهم. لذا فإن عليهم باستمرار أن يجدوا آليات لإنجاح هذه العلاقة الأبدية. هذه الآليات يجب تطويرها بشكل جماعي من خلال خطة وطنية طموحة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي