«الاغتسال الكبير»

تنبهت أخيرا..إلى نقطة مهمة قد تكون السبب وراء تنامي المخصصات المالية السعودية التي رصدتها ضمن قوائمها المالية خلال عامي 2009 و2010 ، وكذلك تراجع ربحية بعض الشركات المساهمة في المملكة أو تحقيق بعضها خسائر غير متوقعة، رغم عدم ارتباطها بشكل مباشر بالأزمة المالية العالمية، أو حتى بتداعيات تعثر بعض المجموعات العائلية السعودية.
النقطة المهمة هي أن هناك عرفا محاسبيا أو سلوكا محاسبيا - إن صح التعبير - يمارس بذكاء وفي الخفاء (وبصورة قانونية) من قبل كل الشركات المساهمة في العالم، ولكن في حالات موسمية ومعينة مرتبطة بالأجواء الاقتصادية العامة، أو ما يمكن تسميته بنفسية السوق والعملاء..وهو إدراج بعض الخسائر أو جميعها، والتي كانت ثقلا على القوائم المالية لشركة أو بنك ما، ضمن الخسائر المحققة في فترات الأزمات العامة.
ولكي تتضح الصورة .. سأضرب مثالا( لنفترض أن لدى «بنك أ» ديونا معدومة تجمعت على مدى سنوات سابقة وبنسب بسيطة.. ثم حدثت الأزمة المالية أو أزمة تعثر عملاء ضخام.. وساد جو عام في القطاع المصرفي نحو تجنيب المخصصات.. وتقبل القطاع وملاك الأسهم تحقيق بعض الخسائر.. في هذه الحالة يمكنك أن تضيف للمخصصات التي جنبتها نتيجة للأزمة أو تعثر عميل مهم مخصصات أخرى لخسائر قديمة أو متراكمة أو ليست ذات علاقة مباشرة بالأزمة..مستغلا الجو العام، وهذا ما اصطلح المحاسبون القانونيون على تسميته big bath أي «الاغتسال الكبير»، وبمعنى آخر تنظيف القوائم المالية للشركة من الخسائر بصورة جماعية.
هذا الأسلوب في اعتقادي هو السبب وراء ارتفاع المخصصات كما قلت وضبابية تفاصيل طبيعة الخسائر من جانب آخر..كما أعتقد أنه السبب الرئيس وراء تنامي الأزمة العالمية في عدد من دول العالم ومنها بالتأكيد دبي. بمعنى آخر .. هناك العشرات بل المئات من الشركات في الداخل والخارج استغلت هذه الأزمة لتحقيق فائدة كبيرة جدا، وهي التخلص من الخسائر دون مواجهة عواقب أو تداعيات لو كانت قد أعلنتها بصورة مفردة أو في وقت رخاء ونمو اقتصادي.
السؤال الرئيس هنا ..هل هذه الفلسفة المحاسبية التي تمارس «تحت الطاولة» مفيدة أم أنها نوع من استغلال الظروف والغش غير المباشر.. محاسبيا ليس هناك خلل كما فهمت ..لكن ماذا عن الجانب الأخلاقي والالتزام المهني.. وما حجم الضرر الذي يتركه هذا الأسلوب على الاقتصاد الكلي أو القطاع الذي تعمل فيه المؤسسة بشكل كامل. في تصوري أن المصيبة عظيمة..ولنا في الضرر المعنوي الذي طال القطاع العقاري والبنكي في دبي خير مثال.. فرغم أن كثيرا من الشركات العقارية والبنوك مارست الاغتسال الكبير بغية تحقيق النتائج الإيجابية لاحقا، إلا أن الضرر الذي طال سمعة القطاعين قد تمتد لسنوات أكثر ما ينتج عنه ضرر أكبر فيما لم يتم إعلان تلك الخسائر بصورة جزئية.
أخيرا.. وفق تقارير محاسبية وآراء بعض المحاسبين، فإن هذا الأسلوب (الاغتسال الكبير) مورس على صعيد واسع عالميا في هذه الأزمة على وجه التحديد.. ويمكن أن يكون قد مورس على الصعيد المحلي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي