البيروقراطية كما فهمها ماكس

أوراق مكدسة على المكاتب, طوابير من المراجعين بالانتظار وأصوات تعلو غاضبة لعدم سرعة الإجراءات, البعض يتهم المدير والآخر يحمل النظام المسؤولية والبيروقراطية تأخذ نصيب الأسد من هذه الانتقادات.
مشهد نشاهده في مؤسسات عدة خارج بلادنا أو داخلها أحيانا ويكثر النقاش في المجالس عن السبب وضرورة الحل السريع لتسهيل وتسريع المعاملات في المؤسسات كافة سواء كانت خدمية أو تعليمية أو حتى مؤسسات عمل خاصة.
كثير من الناس يعتبر البيروقراطية السبب الرئيسي لهذا التعقيد وأنها المسؤول الأول عن كل هذا التأخير ليس هذا فحسب بل صارت هذه الكلمة مرادفة للروتين الممل والإجراءات الطويلة التي ليس لها فائدة سوى تأخير المعاملات .. فهل فعلا هذه هي البيروقراطية؟
تعالوا معي نرجع إلى تاريخ هذه الكلمة (أو هذا النظام) إلى نهايات القرن التاسع عشر في ألمانيا تحديدا حيث التضخم في المؤسسات الصناعية والحاجة إلى زيادة الإنتاج ضمن طرق علمية محكمة أضف إلى ذلك إدراك الألمان لعوامل الضعف البشري من حيث تداخل المصالح الشخصية مع مصالح المؤسسات. في خضم هذه الأحداث يأتي العالم الاجتماعي الألماني ماكس فيبر Max Weber لكي يضع النموذج المثالي للبيروقراطية ضمن أسس علمية عملية تتفق مع متطلبات عصره بل تكون مناسبة لأي بيئة أو مجال إداري، أصل الكلمة فرنسي حيث Bureau تعني مكتب و cracy تعني قوة وهي مجتمعة Bureaucracy تعني قوة المكتب. وضع ماكس للبيروقراطية خمسة أسس لكي تضمن فاعلية المؤسسات وعلى رأس هذه الأسس السلطة الرسمية وهي التي تمنح للمدير أو للرئيس وتكون بحكم منصبه ولاشيء آخر. ثاني هذه الأسس مرتبط بالكفاءة حيث يركز ماكس على أن من يشغل أي منصب في المؤسسة يجب أن يكون كفؤا من الناحية الوظيفية لهذا المنصب وليس لعلاقاته أو لمعارفه. ثم يذكر أهمية معرفة الأفراد العاملين في أي مؤسسة لمسؤولياتهم بكل تفاصيلها حيث يجب أن تكون واضحة للجميع ليسهل بعدها تقييم الأداء والمحاسبة. بعد ذلك يشير ماكس إلى أهمية الهرم التنظيمي في أي مؤسسة ومعرفة الفرد من هو رئيسه (أو رئيسته).
وآخر هذه الأسس مرتبط بنشأة هذا المؤسسات حيث يقول: ''إن المديرين يجب أن يؤسسوا الشركات على قواعد وأنظمة وعمليات قياسية واضحة لكي تتمكن من التحكم في سلوك المنظمة''. إذا بعد هذا كله لماذا لم تنجح البيروقراطية؟
سؤال وجيه والإجابة الأزلية لهذا السؤال هي أن المشكلة ليست في البيروقراطية بل فيمن يطبقها وأن الإخلال بقاعدة من القواعد السابقة يفقد هذه المعادلة فعاليتها.
وخلاصة القول إن البيروقراطية سلاح ذو حدين فهي تنظيم نموذجي يضمن إنجاز الأعمال على أفضل وجه إذا أحسن تطبيقها وهي معضلة إدارية إذا أسيء استخدام أسسها , كما أنها لا تتعارض مع الأنظمة الإدارية الحديثة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي