مشكلة البطالة ستبقى ما بقيت أبواب الاستقدام مشرعة

دعاني ما كتبه الدكتور عبد الرحمن الزامل في صحيفة ''الاقتصادية'' بتاريخ 3/2/1431هـ بعنوان (استراتيجية توظيف السعوديين، هل ينتظر العاطلون حتى عام 2025 ليتم توظيفهم)، إلى العودة إلى التأمل في واقع ما تعانيه بلادنا من بطالة متفشية بين الشباب من الجنسين، وما جرّته هذه المشكلة من مصائب على الصعيد الأمني والاجتماعي والأخلاقي، عانينا وسوف نظل نعاني تبعاتها إلى أن يقيض الله من يزيل أسبابها المتراكمة، التي تعود في الأساس إلى التهاون في معالجة المشكلة، وعدم مواجهتها بالحلول التي قد تكون في متناول اليد، وتركها إلى أن تتضخم ويصعب العلاج، كما هو حاصل الآن بالنسبة لمشكلات تكدس البلاد بالعمالة الأجنبية، وما ترتب على ذلك من معضلات، أولها البطالة!
وفي الوقت الذي أثمن فيه مبادرات رجل الأعمال الدكتور عبد الرحمن الزامل وتفاعله مع القضايا الوطنية والحلول التي طرحها لذلك، في وقت أعرض فيه المعنيون بالأمر من المسؤولين وغيرهم من قطاع الأعمال، بالذات، عن المشاركة، ولو بالتجاوب مع قرارات الدولة في توظيف النسبة الإلزامية المتواضعة من المواطنين، واختراع شتى الأساليب والأعذار للتنصل من ذلك، حتى مع تحمل الدولة نصف مرتبات من يعينون، وهو أمر يندر حدوثه في الدول الأخرى!
وحتى أكون واضحاً، أود أن أذكر بالجوانب الأساسية للمشكلة: رغم أنني سبق أن استعرضتها في عدد كبير من المقالات في هذه الصحيفة، ونالني، مثل ما نال غيري، من الإحباط، بسبب إعراض الكل عن حلها.

الإغراق بالاستقدام سبب المشكلة
لن يتم حل مشكلة البطالة، ولا حتى أخذ الخطوة الأولى في حلها، ما دامت أبواب الاستقدام مشرعة من كل أصقاع الدنيا، حتى لمن ليس لديهم أي مؤهلات ولا يحسنون أي مهنة، طالما أن قطاع الأعمال سوف يوظفهم في أي عمل، وبأرخص الأجور، دون تخوف من متابعة أو سؤال عما إذا كانوا تابعين له أم لا؟ وعما إذا كانوا يعملون في المهن المثبتة في إقاماتهم أم لا؟ إذ إن معظم العمالة الموجودة في المملكة لا يزاولون الأعمال التي قدموا من أجلها، وهم واقعون في مخالفة نظام الإقامة، أو ما يسمى (مبدأ الإقامة)، ومن ثم فإن المهن التي استثنيت من الاستقدام بنية توفرها للمواطنين مشغولة الآن بغيرهم، ويكفيك الدخول إلى أي شركة لترى من يعمل في السكرتارية، والأعمال الإدارية البسيطة! وإذاً: فإن أول خطوة في طريق الحل هي خفض الاستقدام بنسبة 50 في المائة للسنوات الخمس القادمة، يتم مراجعة الوضع بعدها، فما لدينا من عمالة (زائدة) يكفي لتغطية الحاجة خلال تلك الفترة.

كثرة المحال التجارية سببه العمالة
هل نحتاج إلى هذا الكم الهائل من البقالات والمحال الاستهلاكية، إلى حد أن من يفتح محلا من أي نوع، يأتي من يفتح بجانبه ليقتسم معه الدخل؟! لكن الغريب أن كل من يعمل في المحال هم من العمالة الوافدة، ومن المؤكد أن دخلها لهم، ومن المعلوم أنه لا يمكن فتح أي محل إلا بترخيص باسم مواطن، لكن لو لم يجد هذا المواطن من يغريه، ويعده بمبلغ زهيد يستلمه في نهاية كل شهر، لما أقدم على ذلك، وهو ما يعزى إلى البطالة، وإلى كثرة العمالة، وتسكعها، وبحثها عن أي عمل، وبأي أسلوب؟!.. لقد ظننا أن انتشار السوبر ماركت أو ما يسمى (الهايبر ماركت)، بالذات، الذي يبيع كل شيء، سوف يغني عن البقالات والمحال الصغيرة، أو يقلل منها، كما هو الوضع في الدول الأخرى، لكن ما حصل هو العكس!... بسبب تلهف الأجانب على أي فرصة للكسب، فمثلا لاحظت وجود محلين متجاورين في شارع غير رئيسي، بضاعتهما تقتصر على الشاي الأخضر فقط، يبيعانه بالجرام، كنوع من الإيهام، مع أن الشاي ذاته موجود في كل سوبر ماركت، ومع ذلك من المؤكد أنهما يجدان من يشتري، ظناً منه أن الوهم حقيقة! ... وإذا فإن الحل هو عدم الترخيص لفتح أي حل في أي شارع لمن يريد، ولا بد من أن تكون هناك ضوابط تضبط هذه الفوضى حتى لا ينفلت الأمر أكثر مما هو حاصل، ولا يستطيع المواطن العمل حتى في المحل الذي يملكه بسبب مزاحمة العمالة له!.

القطاع التجاري يستوعب معظم العاطلين
تقدر الإحصاءات أعداد العاطلين بنحو نصف مليون، ذكوراً وإناثاً (9 في المائة بين الذكور و24 في المائة بين الإناث)، من حاملي الابتدائية حتى الجامعية، مع أن الدلائل تشير إلى أكثر من ذلك، وتقدر الإحصاءات نفسها أعداد المحال التجارية (في المملكة) بما يفوق هذا الرقم، وجل أعمال هذه المحال تتركز في البيع، من الإبرة إلى السيارة، وكل من يعمل فيها عمالة وافدة، جلهم غير مؤهل في أعمال البيع، وقليل منهم من يحمل في إقامته مهنة بائع، أي أن معظمهم مخالفون لمبدأ الإقامة، وليس منا من لم يمر ببعض هذه المحال، متعاملا أو مشتريا، ورأى على الطبيعة أن معظم البائعين في تلك المحال لا يملكون من مهارات البيع بقدر ما يملكون من أمارات التنفير، إذا إن غالبيتهم عمالة عادية!..، و(معدل) الراتب فيها لا يزيد على 1200 ريال، وبالإمكان استيعاب معظم العاطلين من المواطنين في هذه المحال كبائعين، لكن من غير الممكن أن يقبلوا بمعدل الرواتب فيها، وهذا هو السر في العزوف الكلي من قبل القطاع التجاري عن توظيف المواطنين في مثل هذه الأعمال، والسر الآخر يكمن في دوامها المتصل من الصباح إلى المساء المتأخر، الذي ليس بإمكان المواطن الإذعان له، بسبب ارتباطاته الأسرية والاجتماعية!
وإذاً فإن الحل هو في إلزام تلك المحال بقبول توظيف نصف البائعين، على الأقل، من المواطنين، مع توفير مرتب يعادل ضعف راتب العامل الوافد من الفئة نفسها، طالما أن صندوق تنمية الموارد البشرية سوف يوفر نصف الراتب لمدة سنتين، هذا بالنسبة للمحال الكبيرة، أما الصغيرة، مثل البقالات ونحوها، التي لا يعمل فيها إلا بائع واحد فتلزم بتوظيف مواطن، إذا كان صاحبها لا يعمل فيها، وهو الغالب، وسوف يؤدي ذلك، بلا شك، إما إلى القبول، أو تنتهي إلى الإغلاق، وهذا لا يخلو من فائدة!.. مع ضرورة تحديد وقت العمل حتى يكون باستطاعة المواطن العمل فيها.
والله من وراء القصد
كاتب في الشأن العام

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي