حين نعطي المشروعات طابعها الإنساني

حين نعطي المشروعات طابعها الإنساني

من قال إن المرء يجب أن يبقى في مكانه دون أن يبرحه حتى يخدم الآخرين، ومن قال إن القمر كي ينشر أشعته الفضية في الكون عليه ألا يغادر مكان بزوغه .. كلا فإن الفن كل الفن وقمة الإنسانية والحكمة أن تخرج من أسر المألوف بالفكرة الثاقبة والمعرفة الناصعة لتعطي أكثر وتأتي الناس من حيث لا يحتسبون فتوزع الدهشة بينهم بالقسطاس المستقيم كما يفعل العطر حين ينتشر في الآفاق يغزو الأنوف صحيحها وسقيمها.

إن إنكار الذات ولو بعض الوقت من أجل قيمة إنسانية عليا ومن أجل الآخرين خاصة إذا كانوا في حاجة ماسة لخدماتك أنت بالذات، أمر ليس بالهين في عصرنا المادي هذا، عصر الأنا المتجذرة في النفوس، ولكن على الرغم من ذلك فإننا نجد وسط الصحارى واحات ومن بين الصخور تنبت باسقات النخل تعطى ثمارها وظلالها بسخاء غير محدد، هكذا وكما ينبلج الصبح من ركام العتمة خرجت علينا الأستاذة ''غادة باعقيل'' لترسم لوحة إنسانية في فضاء الأعمال إنها ثمرة من ثمار صندوق المئوية وإن كانت هذه الثمرة مختلفة هذه المرة لونا وطعما، نعم إنها كذلك من عدة جوانب أهمها الجانب الإنساني إذ كان بوسع غادة أن تنأى بنفسها عن المسؤولية يوم أن اختارت فتح مركز المدينة للتوحد كأول مشروع من نوعه في المدينة المنورة، إن مشروعا كهذا له طابعه الإنساني الخاص بل يعتبر مشروع مغامرة وريادة في المجهول إذ لم يسبقه مشروع مماثل هذا فضلا عن المسؤولية المترتبة على من يمارس نشاطا كهذا، فأطفال التوحد هم من شريحة ذوي الاحتياجات الخاصة تلزمهم رعاية من نوع خاص لا يمكن أن تتم إلا من متخصص وخبير قادر على تحمل المسؤولية بصبر وجلد ثم ينتظر من بعد ذلك موسم جني ثمرات النجاح المادي لو قدر لهذا المشروع النجاح ذلك لأنه مشروع له من الخصوصية وضيق المجال، الأمر الذي يضع صاحب الفكرة موضع المغامر في ارتياد التيه، إنه مشروع لا يقبل التراجع وإن دخلت في نفق التنفيذ أما النجاح الكامل أو الفشل الكامل، ولكن غادة رغم كل ذلك اختارت الدخول في هذا المجال بجرأة وكما قلنا كان في مقدورها أن تجني ثمار النجاح من أقرب طريق دون الحاجة إلى طريق دائري تحفه المخاطر من وجهة النظر الاستثمارية فهي شابة متخصصة في مجال العناية بأطفال التوحد وتستطيع أن تعمل في المستشفيات الحكومية أو الخاصة براتب مميز، ولكن النظرة الإنسانية طغت على النظرة المادية وكانت في مقدمة البنود فتقدمت بخطوات الواثق المطمئن من أن النجاح سيكون حليفها وهكذا انطلقت لتشيد بنيانا راسخا لمشروع إنساني رائد يعود بالفائدة في الدنيا والآخرة على حد سواء.

عدد القراءات: 234

* "هذه المادة منتقاة من "الاقتصادية الإلكترونية" تم نشرها اليوم في النسخة الورقية"

الأكثر قراءة