أسباب فقدان أمريكا زعامة العالم الحر

أسباب فقدان أمريكا زعامة العالم الحر
أسباب فقدان أمريكا زعامة العالم الحر

دول البرازيل والهند وجنوب إفريقيا وتركيا، على خلافات متزايدة مع السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وبدلاً من الوقوف إلى جانب الولايات المتحدة بخصوص القضايا الدولية الكبيرة، فإنها على الأرجح بالقدر نفسه، أن تقف إلى جانب القوى التسلطية مثل الصين وإيران.
كانت استجابة الولايات المتحدة بطيئة في وجه هذا التطور، ولعل السبب في ذلك هو أنه تطور مفاجئ وغير عادي إلى حد كبير. يفترض معظم الأمريكيين أن الديمقراطيات الزميلة للولايات المتحدة، ستشاطرها قيمها وآراءها حول الشؤون الدولية.
خلال الحملة الانتخابية الأخيرة على رئاسة الجمهورية، طالب جون ماكين المرشح الجمهوري بتشكيل تحالف عالمي للديمقراطيات، في سبيل درء خطر الأنظمة التسلطية. كذلك كتب بعض كبار مستشاري الرئيس أوباما مقالات متحمسة حول تشكيل عصبة دولية للديمقراطيات.
لكن يتبين الآن أن الافتراض القائل إن الديمقراطيات في العالم، تصطف بصورة طبيعية مع بعضها هو افتراض لا أساس له. آخر مثال على ذلك جاء أثناء قمة كوبنهاجن حول المناخ. في اليوم الأخير من المحادثات، حاول الأمريكيون عقد لقاءات قمة أحادية تجمع بين أوباما وبين زعماء جنوب إفريقيا والبرازيل والهند، لكنهم أخفقوا في كل مرة. بل إن الهنود قالوا إن رئيس الوزراء الهندي، مانموهان سينج، كان قد غادر قاعة المؤتمر إلى المطار.
بالتالي لا بد أن أوباما شعر بأنه شخص أبله، حين وصل لحضور اجتماع في اللحظة الأخيرة مع رئيس الوزراء الصيني وين جياباو، لكنه وجده غارقاً في المفاوضات بالضبط مع زعماء الدول التي اعتذرت عن لقائه، وهي البرازيل وجنوب إفريقيا والهند.
من الناحية الرمزية، كان مغزى ذلك هو أن الزعماء المذكورين اضطروا إلى الالتصاق ببعضهم، لإفساح المجال أمام أوباما ليجلس على الطاولة.
لكن كانت هناك أمور مهمة أكثر من اللفتة الرمزية. في كوبنهاجن، قررت البرازيل وجنوب إفريقيا والهند أن مكانتها كبلدان نامية أهم من مكانتها كبلدان ديمقراطية. وكانت حجتهم في ذلك، شأنهم شأن الصينيين، هي أن هناك ظلماً أساسياً في وضع سقف على الغازات المسببة لاحترار الكوكب في البلدان الفقيرة، يقع عند مستوى أدنى من السقف المفروض على الانبعاثات من الولايات المتحدة أو أوروبا الغربية، خصوصاً وأن الغرب الصناعي مسؤول عن القدر الأعظم من غاز ثاني أكسيد الكربون الموجود أصلاً في الغلاف الجوي.

#2#

الأمر اللافت للنظر إلى حد كبير هو أن الزعيمين البرازيلي والصيني أطلقا نكتة واحدة لها مغزاها، وهي تشبيه الولايات المتحدة بالشخص الثري الذي التهم معظم الطعام الموجود على المائدة، ثم دعا الجيران لتناول القهوة وطلب منهم اقتسام الفاتورة بالتساوي.
لو أن موضوع التغيرات المناخية كان مثالاً معزولاً، لكان من الممكن صرف النظر عنه واعتباره موضوعاً مهماً ولكنه شاذ، هدفه يكاد يكون إحداث الانشقاق بين البلدان بوضع البلدان الغنية على جهة والفقيرة على الجهة الأخرى.
لكن في الواقع إذا نظرت إلى البرازيل وجنوب إفريقيا والهند وتركيا، وهي أهم أربع ديمقراطيات في أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا والشرق الأوسط الواسع، فإن من الواضح أنه لا يمكن اعتبار أي منها كحليف موثوق للولايات المتحدة، أو اعتبارها أطرافاً في «مجتمع الديمقراطيات» الرحب.
في السنة الماضية عقد الرئيس البرازيلي لويز إينانسيو لولا دا سيلفا صفقة نفطية مجزية مع الصين، وتحدث بحرارة عن رئيس فنزويلا هوجو شافيز، وهنَّأ محمود أحمدي نجاد على «انتصاره» في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وفي الوقت نفسه رحب به للقيام بزيارة دولة إلى البرازيل.
جلست جنوب إفريقيا لمدة سنتين كعضو في مجلس الأمن، اعتباراً من عام 2006، حيث كانت بصورة روتينية تنضم إلى الصين وروسيا في فرض الفيتو على القرارات الخاصة بحقوق الإنسان، وفي حماية الأنظمة التسلطية مثل زيمبابوي وأوزبكستان وإيران.
كذلك فإن تركيا، التي كانت تعتبر في الماضي حليفاً أساسياً للولايات المتحدة في الحرب الباردة، ثم جرت الطنطنة لها على أنها المثال الوحيد على الديمقراطية الإسلامية العلمانية المؤيدة للغرب، لم تعد شريكاً موثوقاً للغرب.
منذ غزو العراق من قبل قوات بزعامة الولايات المتحدة، واستطلاعات الرأي في تركيا تشير إلى وجود مستويات عالية للغاية من العداء لأمريكا. كما أن حكومة حزب العدالة والتنمية، ذات الميول الإسلامية الخفيفة، تتعامل مع أعداء أمريكا في المنطقة، بما في ذلك حماس وحزب الله وإيران، وأثارت الأمريكيين بصورة قوية، باتخاذها مواقف معادية لإسرائيل بصورة متزايدة.
يبدو على الزعماء الهنود بالفعل أنهم يتمتعون بالفكرة القائلة إن لديهم «علاقة خاصة» مع الولايات المتحدة. لكن حتى الهنود يقفون بصورة منتظمة ضد الأمريكيين في عدد من القضايا الدولية، من التغيرات المناخية إلى جولة الدوحة للمفاوضات التجارية، والسعي لفرض عقوبات ضد إيران أو بورما.
إذن ما حقيقة ما يجري الآن؟ الجواب هو أن البرازيل وجنوب إفريقيا وتركيا والهند، هي جميعاً بلدان يتم الآن ترجيح هوياتها رغم أنها بلدان ديمقراطية، لصالح هوياتها كبلدان نامية لا تعد جزءًا من العالم الغربي الثري الأبيض.
هذه البلدان الأربعة جميعاً، لديها أحزاب حاكمة تعتبر نفسها أبطالاً للعدالة الاجتماعية في بلادها، ودعاة لنظام عالمي أكثر مساواة خارج بلادها.
حزب العمال البرازيلي، حزب المؤتمر الهندي، حزب العدالة والتنمية التركي، والمؤتمر الوطني الإفريقي في جنوب إفريقيا، تكيفت جميعاً مع العولمة، لكنها تحتفظ جميعاً بآثار من الشكوك القديمة، بشأن الرأسمالية العالمية وبخصوص الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من أنه يُنظَر إلى أوباما على أنه يشكل تحسناً هائلاً على سلفه الرئيس جورج بوش، لكنه يظل مع ذلك رئيساً أمريكياً. البرازيل والهند وجنوب إفريقيا وتركيا، باعتبارها من القوى العالمية الناشئة والبلدان النامية، فإنها ربما تشعر في الغالب بأن هناك جوانب مشتركة فيما بينها وبين الصين، تفوق ما هو مشترك بينها وبين الولايات المتحدة الديمقراطية.

الأكثر قراءة