لجنة كارثة سيول جدة .. هل ستغض الطرف عن وثائق التأمين؟ (1من 2)

بقدر ما هزت كارثة سيول محافظة جدة مشاعر المواطنين فهي التي كشفت كذلك عن مدى تأثر خادم الحرمين الشريفين ـ يحفظه الله ـ بما حل بالمواطنين والمقيمين الذين تعرضوا لهذه الكارثة وبممتلكاتهم. وقد جاءت كلمات خادم الحرمين التي تضمنها الأمر السامي الكريم الصادر في هذا الشأن بلسماً يداوي كل مكلوم.
وبقدر ما أفصح عنه ـ حفظه الله ـ من قدراته على متابعة وتشخيص ما حصل والحديث عن الأمانة الملقاة على عاتقه ومسؤوليته كولي أمر، فإنه تحدث أيضاً بكل وضوح وشفافية عن مسؤولية كل من له يد أو حتى إصبع فيما حصل في جدة. وكان للجنة التي أمر بها برئاسة أمير منطقة مكة المكرمة وعضوية مسؤولين ينتمون إلى عدة جهات فاعلة الوقع الكبير في نفس كل مواطن وكل مقيم.
ومما لا شك فيه فإن اللجنة تُعد سابقة سواء من حيث تشكيلها أو من حيث الصلاحيات والمهمات المنوطة بها، وقد جاء تشكيل هذه اللجنة ليؤكد حرصه ـ حفظه الله ـ على مساءلة المقصرين في واجباتهم وأماناتهم الوظيفية وفقاً لآلية واضحة وسريعة ومحددة بعيداً عن بيروقراطية الأجهزة الحكومية المختصة وتشعب إجراءاتها وتعدد أعمالها.
وقد أسند الأمر الملكي الكريم للجنة مهام رئيسة تتمثل في التحقيق وتقصي الحقائق في أسباب هذه الفاجعة، وتحديد مسؤولية كل جهة حكومية أو أي شخص ذي علاقة بها. وكذلك حصر شهداء الكارثة والمصابين والخسائر في الممتلكات ثم تقوم بعد ذلك وزارة المالية بتعويض المتضررين في ممتلكاتهم وفقاً لما تنتهي إليه اللجنة. هذه اللجنة ترتبط مباشرة بالملك ولها صلاحيات واسعة تستطيع من خلالها أن تحصل على ما تشاء من وثائق أو تستدعي وتحقق مع من تشاء وتتعاون مع من تشاء من ذوي الخبرة والاختصاص. واللجنة مطالبة في النهاية بالرفع إلى الملك بما تتوصل إليه من تحقيقات ونتائج وتوصيات. وبعيداً عن متطلبات الوقت الذي تحتاج إليه اللجنة فقد أمر يحفظه الله وزارة المالية بأن تصرف فوراً مبلغ مليون ريال لذوي كل شهيد وفقاً لما يرد للوزارة من اللجنة من أسماء.
إذاً فاللجنة وبصلاحياتها القوية المستمدة من الإرادة الملكية الكريمة سيتناول عملها الشق الجنائي المتمثل بالاستدعاء والتحقيق وتحديد المسؤولية الجنائية للأشخاص والجهات ثم رفع الأمر للملك لاتخاذ ما يراه في هذا الشأن، إلا أن الحديث عن هذا الجانب سابق لأوانه.
بقي الجانب الآخر وهو الجانب التعويضي المتمثل بتفضله ـ حفظه الله ـ بالأمر بتعويض المتضررين عن ممتلكاتهم جراء كارثة جدة، وهنا يجدر القول إن مبلغ المليون ريال المصروف لذوي كل غريق لا يدخل ضمن مفهوم التعويض الذي أتحدث عنه هنا وإنما هو مواساة من لدن الدولة لذوي الغرقى، علاوة على أن النفس لا يمكن تعويضها أو تقييمها بالنقود، ولذلك فالتعويض فقط يكون للممتلكات وفقاً لحجم الخسارة الفعلية التي مني بها ملاكها بسبب الكارثة.
وأنا أفترض هنا أن الممتلكات المتمثلة بالمنازل والبيوت والأثاث والمقتنيات والبضائع والمزروعات وغيرها إما أن تكون مغطاة تأمينياً، أي أن أصحابها يملكون وثائق تأمين عليها كالسيارات أو البضائع وإما أن تكون غير مغطاة تأمينياً.
ولا تثور مشكلة بالنسبة للممتلكات غير المغطاة، فالجهة التي ستعوضهم هي الدولة، ولكن الإشكالية ستثور بالنسبة للممتلكات المغطاة تأمينياً. لأنه في هذه الحالة ستكون هناك ازدواجية في التعويض أي أن المستفيد سيحصل عن تعويضين اثنين لضرر واحد، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل هذا ممكن؟! وإن كان غير ممكن فكيف سيكون الوضع؟ هذا ما سأتناوله في العدد المقبل إن شاء الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي