الميزانية العامة للدولة.. وتوفير فرص العمل

كما هو معلوك فإنه تم إعلان الميزانية العامة للدولة للعام المالي 1431/1432هـ الموافق لعام 2010، وهذه الميزانية تعد الأضخم على الإطلاق في تاريخ السعودية، حيث بلغت الميزانية لهذا العام، 540 مليار ريال، والمتوقع أن الإيرادات تبلغ 470 مليار ريال، وبهذا من المتوقع أن يكون هناك عجز بمقدار 70 مليار ريال.
وهذه الميزانية شملت كثيرا من القطاعات المهمة والحيوية التي تنتظر كثيرا من المشاريع والبرامج، لتسهم في توفير حياة أفضل للمجتمع.
ولعل من ملامح هذه الميزانية الاهتمام بقضية توفير فرص العمل للمواطنين, وهذه القضية من الأمور الملحة والمهمة, خصوصا أن المملكة تحظى بنسبة نمو عالية في المواليد، كما أن فئة الشباب المؤهل للعمل تمثل شريحة كبيرة جدا، وهذا يقتضى العمل المتواصل على توفير فرص العمل بشكل مستمر وبآلية مستدامة تأخذ في الحسبان أنه في كل فترة تدخل أعداد كبيرة إلى سوق العمل، والتأخر في هذه الخطط ربما يتسبب في تراكم عدد كبير من الشباب المؤهلين للعمل، وزيادة نسبة البطالة بين المجتمع.
ولذلك أخذت الميزانية بهذا الاعتبار، حيث جاء في نص الميزانية: “ولأهمية تعزيز مسيرة التنمية واستمرار جاذبية البيئة الاستثمارية بشكل عام وتعزيز المحفزات الاقتصادية التي من شأنها دفع عجلة النمو الاقتصادي في ظل الأزمة المالية العالمية وزيادة الثقة بالاقتصاد الوطني، فقد صدرت التوجيهات الملكية الكريمة بأن تتضمن الميزانية اعتمادات ومشاريع جديدة تزيد عمّا تم اعتماده في الميزانية الحالية، وتم التركيز على المشاريع التنموية التي ستؤدي ـ بمشيئة الله ـ إلى زيادة الفرص الوظيفية” الاقتصادية الإثنين 4/1/1431هـ الموافق 21/12/2009، في العدد 5915.
والحقيقة أن هذه القضية من الواضح أنها تحظى باهتمام كبير خصوصا مع الخطوات الحكومية التي سيكون لها أثر في استيعاب قضية توفير فرص العمل، ولعل من الواضح أنه لما كانت من القضايا الملحة التي تواجه المجتمع اليوم فيما يتعلق بتوفير الفرص الوظيفية مسألة التأهيل, حيث إن كثيرا من المؤسسات في القطاعين الحكومي والأهلي تعمل على استقطاب الكفاءات القادرة على تسيير العمل، التي لديها معرفة ومهارة في أداء العمل بالشكل المطلوب.
ولعل من ملامح الميزانية العامة للدولة هذا العام الاهتمام بقطاع التعليم العالي حيث تم إنشاء أربع جامعات جديدة, إضافة إلى الجامعات القائمة، والملاحظ توزيع هذه الجامعات الجغرافي بحيث تتيح لكل من لديه رغبة في التعلم, خصوصا أنها استوعبت جميع مناطق المملكة، كما أن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي قائما ما زال, وما يميزه أنه اعتمد على ألا يتم التركيز على دولة واحدة, بل توزع على مستوى دول متعددة في أمريكا الشمالية وأوروبا وأستراليا ونيوزيلندا ودول شرق آسيا كالصين واليابان وغيرهما، وذلك لأن التعليم العالي يسهم في مسألة التأهيل للعمل في هذا القطاع. خصوصا أن المملكة اليوم تعمل بشكل جدي في مسألة استقطاب الاستثمارات الأجنبية، خصوصا أنها بلغت المرتبة الـ 13 في التنافسية. والحقيقة أن هناك عوامل متعددة تجعل للمملكة تميزا من جهة استقطاب الاستثمارات الأجنبية.
ويبقى أن هناك قضايا مهمة تتعلق بموضوع توفير فرص العمل لا بد من أخذها في الحسبان، لعل من أبرز تلك القضايا مسألة وجود أكثر من سبعة ملايين عامل غير سعودي في المملكة، وهذا قد لا يكون سلبيا إذا كان فعلا وجود هذا الكم الهائل مبنيا على أساس أن في وجودهم فعلا إضافة للاقتصاد الوطني، وذلك بأن يكون هؤلاء فعلا خبراء يستفيد منهم الوطن ولا بد من تهيئة البيئة المناسبة لاستقطابهم وإبقائهم, أو أن لديهم مهارة وجودها قليل على مستوى المواطنين, أو أنهم يشغلون وظائف ليست من الوظائف التي يتقدم لها المواطن، مثل وظائف العاملين في البناء وفي المنازل.
لكن المشكلة عندما تكون هناك وفرة في فئة من الممكن أن يتولى الموطن وظائفها، خصوصا أن بعض الوظائف لا يتطلب مؤهلات علمية عالية لأدائها بالشكل المطلوب.
من المهم أيضا أن يكون هناك في مناهج التعليم العام والعالي نشر لثقافة العمل، وتوعية العامل بمسؤولياته وواجباته وحقوقه تجاه دينه والمؤسسات التي يعمل فيها ووطنه ومجتمعه، وهذه قضية مهمة لتأهيل فئة محترفة للعمل في القطاعات المختلفة وجزء من البناء الأخلاقي للمواطن، خصوصا ونحن نشهد الميزانية الأكبر لقطاع التعليم هذا العام.
كما أن من القضايا المهمة التي تعد وسيلة لتوفير فرص العمل، وتكفل حياة مناسبة للمواطن، هي دراسة مسألة تحديد الحد الأدنى للأجور، وهي قضية تحتاج إلى دراسة مستوفية من جهة النظرة إلى حكمها شرعا، وآثارها السلبية والإيجابية في المجتمع, خصوصا أنه معمول بها في كثير من الدول المتقدمة، وأن المنافسة فيها غير متكافئة بين المواطن الذي عليه التزامات ومسؤوليات تعد متطلبة مع الوضع الاجتماعي العام في المملكة، في مقابل العامل الذي يحصل على دخل يتجاوز بكثير ما يمكن أن يحصل عليه في بلده.
كما أن من المهم أيضا الاستمرار في متابعة الذين يعملون بشكل غير نظامي، ومحاسبة من يسهل لهم ذلك من المواطنين، ومن الممكن أيضا دراسة مسألة الكفالة للعامل من غير المواطنين، إذ إنها قد تكون واحد من الأسباب. حيث إن بعض المواطنين يستقدم عددا من العاملين ليس لرغبته وحاجته إليهم ولكن ليتقاضى منهم دخلا شهريا ضاربا بمصلحة الوطن والالتزام بالأنظمة العامة للدولة عرض الحائط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي