اتجاه واحد لا ثاني له للتنمية: مزيد من الشفافية

تاريخياً وتقليدياً، تعودنا أن نكون أقل شفافية، سواءً في تعاملنا العائلي، أو في تعاملنا مع الأصدقاء، أو في تعاملنا التجاري. وأقصد بأقل شفافية أن نكون غامضين فيما يتعلق بجوانب كثيرة من حياتنا اليومية، ولا أعلم إن كان هذا الأمر فطرة إنسانية جبلنا عليها، أم أنه سلوك اكتسبناه مع الزمن. ويزداد الغموض عندما يتعلق الأمر بجانب ضعف في الإنسان، حيث يحاول إخفاء هذا الضعف – خصوصاً الضعف المادي – لأنه يمكن أن يؤثر بشكل كبير في علاقته بالآخرين وبمستقبله الوظيفي أو التجاري.
هذا السلوك انتقل بطريقة ما إلى الإدارة الحكومية حيث أصبح كثير من الأمور يدار بطريقة غامضة وبشكل سري على الرغم من أنها تتعلق بجوانب إدارية بحتة، مما أدى إلى تأخر اكتشاف كثير من الأخطاء الإدارية أو عدم اكتشافها في الأصل، وبالتالي عدم القدرة على تحديد المسؤول عن ارتكاب تلك الأخطاء. وهذا مما أسهم بشكل كبير في تراكم كثير من المشكلات الإدارية، كما أدى إلى حدوث كثير من الأزمات وإلى أن تكون آثار تلك الأزمات كبيرة جداً.
الغرب وعى أهمية العمل على تحسين الشفافية سواءً في الإدارة الحكومية أو في القطاع الخاص، وخصص لذلك برامج كبيرة، مما أسهم بشكل كبير في التقدم التنموي الذي شهده العالم الغربي. وقد أسهم في هذا التوجه نحو مزيد من الشفافية وجود دور فاعل لمؤسسات المجتمع المدني التي كانت حافزاً لمزيد من الشفافية، حتى أصبح هذا المفهوم عقيدة لديهم، وأصبح تجاوزه أو التهاون فيه جريمة لا تغتفر. ولذلك، أصدر كثير من التشريعات التي ترسخ الشفافية في التعاملات الحكومية والخاصة وفي الأسواق المالية.
نتائج انعدام الشفافية كثيرة، فأولها فساد، وآخرها كوارث، وفي جميع المجالات وبشكل متجانس سواءً البلدية أو الاجتماعية أو الإحصائية أو المالية أو الاقتصادية. لذلك، نلاحظ أن الدول المتقدمة أكثر قدرة على التعامل مع الأزمات من الدول النامية، وأحد الأسباب الرئيسة المؤدية إلى ذلك هو تراجع مستوى الشفافية في الدول النامية بشكل عام. ويكفينا النظر إلى ترتيب الدول فيما يتعلق بالشفافية لنعرف أن الدول المتقدمة تتصدر تلك القائمة. الغريب في الأمر أن الولايات المتحدة وبريطانيا لم تتبوآ أيا من المراتب العشر الأولى، بل إن الولايات المتحدة جاءت في المرتبة الـ 19، في حين جاءت نيوزيلندا في المرتبة الأولى في عام 2009م.
في الأسواق المالية على سبيل المثال، تلعب الشفافية دوراً في استقرار الأسواق وفي نموها وفي تحقيقها عوائد مجزية للمستثمرين. وانعدام الشفافية يزيد ما يسمى بحالة عدم التأكد Uncertainty التي تعد العدو الأول للاقتصاد. فإذا ازداد عدم التأكد، ازدادت تكهنات المستثمرين، وبسبب أن أسعار الأصول في هذه الأسواق تتحدد بناءً على الرؤية المستقبلية للأرباح، فإن زيادة حالة عدم التأكد تزيد من الاضطراب في الأسواق بسبب عدم اتساق التكهنات بين المستثمرين أنفسهم، حيث يعتمد كل منهم على حدسه الشخصي، لا على المعلومات المتوافرة للجميع، ومن ثم تتضارب تلك التكهنات وتبدأ مؤشرات الأسواق بالتذبذب.
هذه الحالة تؤكدها مقارنة تذبذب مؤشرات الأسواق المالية العالمية مع بعضها بعضا، فخبر سيئ في دولة من الدول المتقدمة، يكون تأثيره في مؤشر سوق دولة نامية أكبر من تلك الدولة المتقدمة. ما يفسر ذلك، أن المستثمرين لا يعلمون حجم المشكلة أو ما تأثيرها في الاقتصاد، فقد لا يكون لها أي تأثير ومع ذلك هم يستجيبون. السبب في ذلك بالطبع هو وجود حالة من عدم التأكد تسود الجميع، ويتفاقم ذلك عندما يكون هناك تعتيم على تدفق المعلومة، أو عندما يكون هناك عمل لسلق الحقائق.
هناك اتجاه واحد لا ثاني أو ثالث له للدول النامية إذا أرادت أن تنمو وأن تكون في مصاف الدول المتقدمة، أن يكون هناك مزيد من الشفافية والوضوح في المعلومة. ومثال الأسواق المالية هو أسهل مثال يوضح أهمية الشفافية، ويمكن تطبيقه على أي قطاع تنموي آخر كالقطاع الصحي أو البلدي لمعرفة النتائج. السؤال الذي يجب أن نطرحه هنا: كيف هو وضع الشفافية لدينا وكيف يؤثر ذلك في مسيرة التنمية، هل قطاعاتنا الحكومية والخاصة على قدر المسؤولية لتبني مستوى عال من الشفافية لتسهم في التقدم التنموي الذي تأمله القيادة ممثلة في خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الكريم والشعب السعودي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي