تحدي الدين العام والبعد البرامجي في ميزانية الخير

كل عام وأنتم بخير فبالأمس أقر مجلس الوزراء في جلسته التي عقدها برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله الميزانية العامة للدولة للعام المالي الجديد 1431 / 1432هـ، والتي قدرت مصروفاتها بمبلغ 540 مليار ريال بزيادة مقدارها 14 في المائة عن الميزانية المقدرة للعام المالي الحالي 1430/1431هـ، وفي هذا تأكيد على ما تعهدت به حكومة خادم الحرمين الشريفين للعالم ولمجموعة العشرين باستمرارها في دعم النمو الاقتصادي ورفع قيم الاستثمارات السعودية، وهذا ما نص عليه قرار مجلس الوزراء الذي أكد أنه قد وقد رُوعي في إعداد الميزانية حاجات الاقتصاد الوطني «مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف الاقتصادية الدولية». وهنا وضوح ضروري للرؤية عند إعداد الخطة المالية للسنة القادمة. وبرغم أن المملكة قد حافظت على هذا التوجه فقد تحملت من أجل ذلك عجزا في ميزانية العام 1430/1431هـ ولكنها استندت إلى الاحتياطيات التي كونتها في السنوات السابقة. إلا أن اللافت في الأمر أن حكومة خادم الحرمين الشريفين قد استمرت في أهم برنامج طموح لديها وهو تخفيض مستوى الدين العام. فقد أشار بيان وزارة المالية أن حجم الدين العام بلغ بنهاية العام المالي الماضي 1428/1429 (2008) نحو 237 مليار ريال ويمثل ما نسبته 13.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للعام نفسه ويُتَـوَقَّع أن ينخفض حجمه الصافي ليصل - بإذن الله - في نهاية العام المالي الحالي 1430/1431 إلى نحو 225 مليار ريال.
الحقيقية أن هذا تحد عظيم بل عكس لجميع التوقعات الاقتصادية فالمملكة تتحمل عجزا للسنة الثانية في ميزانيتها ومع ذلك فإنها ما زالت ماضية قدما في تخفيض الدين العام وهذا لا يستقيم نظريا على الأقل. فكيف تستطيع دولة أن تخفض الدين وهي تتجاوز في مصروفاتها قدرتها على خلق الإيرادات القادرة على تغطيتها. ولأن الميزانية قرار تشريعي ملزم فإنه لابد من تسديد فالفرق حتى لو بإصدار السندات (الاقتراض) فكيف مع وجود العجز تصر الدولة على تسديد الدين. تظهر المسألة وكأنها تحد برامجي فبرنامج تخفيض الدين العام يعد أولوية. من هنا فإنني أتلمس في الميزانية العامة للدولة بعض التوجهات لميزانية البرامج.
بالطبع لا أحد يستطيع الادعاء بأن الموازنة السعودية قد تطورت إلى المستوى البرامجي، بل مازالت تعد للهدف الرقابي كعنصر أساسي. ومع الإقرار بصعوبة التحول في إعداد الميزانية نحو أسلوب البرامج إلا أن ميزانية هذا العام تبدو وكأنها بدأت تراعي هذا الجانب بشكل أكبر. فقطاع التعليم بشكل عام بكل قطاعاته بدأ يشكل برنامجا رئيسيا يسعى نحو هدف استراتيجي مقرر له لذلك تصدر اهتمامات خادم الحرمين الشريفين فقد تم تخصيص ما يزيد على 137 مليار ريال لهذا القطاع والذي شمل حتى تدريب القوى العاملة. هذا البرنامج يحتوي برامج متعددة تمثل التقارب الذي أشرت إليه نحو ميزانية البرامج. فقد أشار بيان وزارة المالية إلى عرض لبعض البرامج التي سيستمر الصرف عليها والتابعة لقطاع التعليم ومنها برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، حيث ألحق به ألفا طالب لإعداد المدربين التقنيين من خريجي الكليات التقنية التابعة للمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني بالإضافة لبرامج الابتعاث الأخرى، وقد أشار التقرير إلى أن إجمالي ما تم صرفه على برامج الابتعاث خلال العام المالي الحالي 1430/1431 إلى تسعة مليارات ريال. كما أشار بيان وزارة المالية بأنه سيتمر العمل في برنامج مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعليم «تطوير» البالغة تكاليفه تسعة مليارات ريال خاصة من خلال شركة «تطوير التعليم القابضة» المملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة. لم يكن هذا الأسلوب محصورا في التعليم بل امتد إلى القطاع الصحي والتنمية الاجتماعية. حيث أشار بيان وزارة المالية إلى أن هناك هدفا باختصار الإطار الزمني للقضاء على الفقر لذلك استمر العمل في الصرف على برامج معالجة الفقر حيث بلغت المخصصات السنوية المتعلقة بالأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة والضمان الاجتماعي خلال العام المالي الحالي 1430/1431 إلى 18 مليار ريال. وعبارة «سيستمر الصرف « إلا أن عملية تقييم جدوى مثل هذه المشاريع قد تمت لذلك تقرر استمرار الصرف عليها أو تطويره.
هذا الأسلوب في إعداد الميزانية هو فعلا ما تحتاج إليه الدولة في المرحلة القادمة وخاصة مع التوجه الواضح لخادم الحرمين الشريفين نحو إقرار مبدأ المحاسبة والمسؤولية. فأي برنامج يجب أن يخضع للتقييم في نهاية كل عام وأن يتم اتخاذ قرار مناسب حول تعديل المخصصات بالزيادة إذا ثبتت جدوى البرنامج أو التخفيض أو حتى الإلغاء إذا ثبتت عدم جدواه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي