الموسوعة العربية العالمية .. الأمير سلطان ينتصر للثقافة والفكر

لم أشعر أن صاحب السمو الملكي سلطان بن عبد العزيز قد غادر الوطن. كنت دائماً أرى حضوره في الموسوعة العربية العالمية في بلادنا والوطن العربي والعالم. في عام 1410هـ (1990م) كان مشروع الموسوعة منظومة من الأفكار والدراسات الأولية بالتعاون مع جهات محلية، وشركة وورلد بوك World Book، الناشر الأمريكي المعروف. وكنا جميعاً نبحث عن تمويل ودعم لمشروع الموسوعة، وفي عام 1412هـ ( 1992م) رأى سلطان بن عبد العزيز أن يدعم مشروع الموسوعة بقرض كريم ويقف إلى جانب الفكرة للصالح المعرفي والثقافي العام، وأن يهب ما يخصه في المشروع لمؤسسة سلطان بن عبد العزيز الخيرية.
هكذا كان مشروع الموسوعة نموذجاً عملياً لتعاضد المال والفكر للصالح العام. وكنتُ أقول دائماً - ولا أزال- إن مسؤولية المقتدرين مالياً في دعم الأفكار والمشاريع النافعة هي أساس من أسس التنمية المستدامة لصالح الناس. وبطبيعة الحال، فليس المقصود بالدعم والتشجيع هو الدعم الريعي أو المجاني الذي يبدأ وينتهي بتقديم المال، وليس المقصود هو تنفيع فرد أو مؤسسة، وإنما يُرجى دائماً أن يكون حجر الأساس في العلاقة بين المال والفكر هو التحفيز والمساندة والموقف التكافلي الاجتماعي على أسس احترافية متعددة ومستمرة الأدوار وواضحة الاشتراطات لصالح الناس. في قصة الموسوعة، كان الأمير رائعاً وهو يوجه، وهو يشكل مجلس إدارة للطبعة التأسيسية الأولى، وهو يقابل رؤساء الوفود الأجنبية التي قدمت مواد معرفية حديثة للترجمة بتصرف إلى اللغة العربية، وهو يقول إن المشروع بكامله من أجل الثقافة والتعليم وإنه ليس مشروع استثمار تجاري، وهو يقف بصرامة وحصافة وبرؤية نافذة في التأسيس لعمل ينفع الأجيال.
ولقد مر مشروع الموسوعة بعديد من التحديات والمشكلات الرئيسية، إلا أن رؤية الأمير سلطان الواضحة تجاه مسائل بسيطة لكنها حساسة، وهي مواقف الرجل الذي رأى مكانة وأهمية تقديم المعرفة بمحبة وحكمة وتسامح لصالح الناس حسب الرؤية المنفتحة على الذات والثقافات في عالم متداخل المنافع وحسب تعليمات الإسلام السمحة، دون تعصب أو تكفير أو بغضاء. وبالتأكيد، فإن مواقف الأمير ودعمه وتوجيهاته على أكثر من صعيد وفي أكثر من ناحية هي التي جعلت - بعد الله- مشروع الموسوعة ممكناً. نقول هذا للتاريخ ولسيرة الثقافة في بلادنا. فالشكر المستحق والمتجدد لسموه ولكل من أسهم في هذا العمل العملاق.
وعبر السنوات، أصبح مشروع الموسوعة العربية حقيقة ملموسة في 30 مجلداً، وأكثر من عشرة ملايين كلمة في أكثر من سبعة عشر ألف صفحة من المعرفة الموثوقة والمدققة. وصدر من المشروع طبعتان ورقيتان (1416 و1419هـ)، ثم في عام 1427هـ في نسخة إلكترونية www.mawsoah.net. ولقد حظي مشروع الموسوعة – ولا يزال- بإعجاب واستحسان المنظمات الدولية للثقافة والمؤسسات التعليمة والمثقفين على اختلاف توجهاتهم ورؤاهم الفكرية في بلادنا وخارجها.
هكذا تشرفت بلادنا وثقافة العرب بشرف رعاية سلطان الخير لهذه الموسوعة الشاملة النادرة وإنجازها لأول مرة باللغة العربية ولسوف يبقى مشروع الموسوعة، بمشيئة الله لأجيال للصالح العام. وحين يُذكر الأفراد يذكرون بأعمالهم النافعة الباقية، ومشروع الموسوعة العربية العالمية عمل من أعمال سلطان بن عبد العزيز الباقية النافعة بإذن الله. ولدي يقين أن سمو الأمير سلطان ومن حوله من البطانة الصالحة سيكون لهم المواقف الصارمة والحكيمة والداعمة لتحقيق الصالح العام بالمساعدة في نقل حقوق هذا المشروع إلى القطاع العام لكي يستمر ويعم نفعه على أسس غير ربحية. ولمن يسأل عن واقع المشروع الآن، فإن الموسوعة معروضة منذ فترة على وزارة الثقافة والإعلام ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية للاستفادة من محتوياتها على نطاق واسع لأغراض معرفية عامة وبحثية خاصة، والأمل معقود في أن تأخذ مواد الموسوعة دورها الذي أراده لها منذ البداية سمو الأمير سلطان في المجتمع على أسس المسؤولية الاجتماعية والمعرفية، وليس على أساس الربح التجاري.
لم أجد أفضل من تحيتكم يا سمو ولي العهد بأفضل من التعبير عن بعض المواقف الصارمة والحكيمة التي شهدت عليها من سموكم من أجل منفعة الناس والعلم والثقافة بعيداً عن الزبد والرياء. وليكن هذا تعبير وفاء وعرفان لسموكم، وشهادة حق وإعلاما للناس، ودعوة للمقتدرين في بلادنا بالتمثل بما قمتم به في مشروع الموسوعة. أهلاً بكم سمو الأمير وشكراً دائماً لسموكم مرة أخرى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي