المسكوت عنه في أمانة «جدة»!

المسكوت عنه في أمانة «جدة» كثير وخطير.. لأنه يتعلق بحياة الناس وصحة الناس ومستقبل الناس.. وهو ليس وليد اليوم أو الأمس القريب.. إنه نتاج تراكمات عمرها أكثر من 30 عاما.. افتحوا ملفات الإهمال والفساد وستجدون العجب.. اقرأوا أرشيف الصحف ستقرأون الأعجب.. السابقون جميعا أغلقوا الأدراج والملفات والآذان والعيون وتركوا «جدة» تغرق حتى أصبحت مدينة منتهية الصلاحية.. جثة نخرة فيها سوس الإهمال والفساد حتى أصبحت عصية على كل إصلاح.
خذوا العشوائيات مثلا.. إنها لم تهبط من القمر، ولا هي وليدة الخيال العلمي.. ولا سكانها أتوا من الفضاء.. لقد بنوا منازلهم أقصد عششهم تحت أنظار المسؤولين جيلا بعد جيل.. تحت نظر وسمع الأمانات والبلديات والمحافظات والشرطة والكل يسكت لأسباب بعضها قد يعرضنا للسائلة إذا قلناه.. وهم يدعون أن – الصحافة كلها – تبالغ وتبحث عن الإثارة، وهم يلقون بالصحف في سلة المهملات، ويلبس المسؤول عباءته وشماغه ويركب سيارته هانئا مرتاح البال، وقد يمر بهذه العشوائيات فيشيح بوجهه فهو يفكر في مائدة طعام الغداء والسهرة. خذوا مخرات السيول.. من الذي أعطى الصكوك الشرعية للبناء حولها.. من الذي باع المخططات بصكوك شرعية صحيحة؟ الأمانة أجازت المخططات ولم يعترض الدفاع المدني ولم يعترض أحد.. لا الإمارة ولا المحافظة ولا البلدية.. وجاءت مفاجأة السيل فكشفت الجميع وعرت الجميع، واتضح أن لا أحد يدرس ولا أحد يهتم والحكاية كلها متروكة للمقادير.. ثم نأتي إلى «المسك» وما أدراك ما «المسك» أقصد بحيرة «المسك» الطافحة بالمخلفات والصرف الصحي.. بحيرة «المسك» تكاد تنفجر.. وفي العام الماضي كانت بحيرة «المسك» هي شغلتي.. لقد كتبت عنها سلسلة من المقالات، وسمعنا وعودا وعن خطط توضح وعن استراتيجيات (حلوة استراتيجيات دي).. ولا شيء يتم ولا شيء يهم.. ولم أكن وحدي الذي كتب.. كتب زملاء أفاضل وأفاضوا، ولكن اتضح أننا نكتب في «المريخ» وربما «عطارد».. وذهب كل شيء أدراج الرياح كما يقولون.
يا حضرات أعضاء اللجنة التي أمر بتشكيلها الرجل العظيم خادم الحرمين.. اصنعوا لأنفسكم تاريخا.. وادخلوا حربا على هذا العفن المستتر.. افضحوا المسكوت عنه في بلدنا الجميل.. شدوا الأدراج المغلقة.. وافتحوا الملفات.. ادعموا «الدفاع المدني» و»الهلال الأحمر» والمستشفيات وكل ما يساعد على تصحيح الأوضاع.. ادرسوا الأرقام.. إن بلدا في حجم «جدة» وأهميتها فيهما فقط لا غير عشرة مستشفيات وستة مراكز «للهلال الأحمر».. مقابل 27 مركزا لهيئة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».
اعملوا معروفا يا أعضاء اللجنة الموقرة وادرسوا إقامة إدارة للأزمات.. ولا تصادقوا على المثل القائل: إذا أردت أن تقتل موضوعا أحله إلى لجنة.. فأنتم لجنة على أعلى مستوى.. وبأمر ملكي.. وأمامكم فرصة نادرة لدخول التاريخ.. ادعوا السماء أن تساعدكم في عملكم.. ولكن لا تطلبوا منها أن تنجزه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي