المصرفية الإسلامية تعيد الحيوية للقارة العجوز

المصرفية الإسلامية تعيد الحيوية  للقارة العجوز
المصرفية الإسلامية تعيد الحيوية  للقارة العجوز
المصرفية الإسلامية تعيد الحيوية  للقارة العجوز

تشق المصرفية الإسلامية طريقها في القارة الأوروبية بخطىً ثابتة على الرغم من المخاوف التي تثار حولها, ولا سيما أن الإسلام هو الديانة الوحيدة التي تتضمن قواعد تنظم المعاملات المالية, بحسب تأكيد رودني ويلسون في دراسة حملت عنوان Islamic Finance in Europe. وتأتي تلك النظرة بالتوازي مع مزاعم بأن ارتباط تطبيق أحكام الشريعة في الاقتصاد يدعم بشكل ما الإرهاب, إلا أن هذا لم يمنع قاطرة المنتجات المالية المطابقة للشريعة من الانتشار في أوروبا بسرعة غير مسبوقة .

تنال لندن النصيب الأكبر من كعكة المنتجات الإسلامية, حيث يبلغ حجم تلك السوق في لندن ما يعادل 720 مليار دولار في ظل وجود 23 بنكاً يوافق الشريعة في لندن وحدها.
وتوالى الخطى للحاق بنصيب, خاصة بعد الأزمة العالمية, ففي 2008 أعلنت كريستين لاجارد وزيرة المالية الفرنسية نية بلادها جعل باريس عاصمة للتمويل الإسلامي. وبشّرت بأن عديدا من المصارف الإسلامية ستفتح لها فروعا في العاصمة الفرنسية خلال عام 2009.

ولم يختلف الحال كثيراً في هولندا, ففي منتصف 2007 صرح وزير المالية الهولندي وزعيم حزب العمل بأن حكومة بلاده تشجع الأعمال المصرفية الإسلامية. وأشار إلى المخاوف من أن تتحول تلك الصناعة إلى حصان طروادة في النظام المصرفي الغربي لصالح الجماعات المتصلة بالإرهابيين, إلا أنه طمأن بأن التوجه للمصرفية الإسلامية يصب في الصالح العام. لأنها, إضافة إلى كونها تلبي حاجات المسلمين الذين يعيشون في هولندا, فهي فرصة بالنسبة للقطاع المالي في البلاد, فقد باتت حاجة فعلية يمكن أن تؤدي إلى تدفق الأموال نحو قنوات بديلة.

ولم تفوت سويسرا الفرصة, ففي 2006 منحت السلطات السويسرية رخصة مصرفية لأول بنك من سويسرا يعمل وفقا لمبادئ الشريعة الإسلامية. وبعد ذلك ظهرت هيئات أخرى في المجال نفسه. وجاءت تلك الخطوة وسط مخاوف من أن تحل سويسرا متأخرة في سباق الحصول على كعكة المصرفية الإسلامية التي تقدر بتريليونات الدولارات في الفترة المقبلة.

العلاقات المصرفية بين أوروبا والدول العربية
تشير الدراسة إلى أن ثمة دورا كبيرا يلعبه التمويل الإسلامي في العلاقات المصرفية بين أوروبا والدول العربية. وتمثل تلك الصناعة بعداً محورياً في العلاقة بين البنوك العربية ونظيرتها الأوروبية؛ فبعد أن كانت البنوك العربية تأخذ منتجاتها عن البنوك الأوروبية أصبحت الأخيرة الآن هي من "تستورد" المنتجات المصرفية المطابقة لأحكام الشريعة من البنوك العربية، ولم يعد الأمر مقتصراً على تقديم تلك المنتجات لعملائها في الفروع الموجودة في الدول العربية فحسب, وإنما للمسلمين في أوروبا الذين يتزايد عددهم بصورة واضحة.

وتعتبر بريطانيا البوابة التي عبرت من خلالها المصرفية الإسلامية إلى أوروبا, خاصة مع الدور الذي تلعبه لندن كونها مركزا رئيسا للمالية العالمية, إضافة إلى انتشار البنوك البريطانية في العالم الإسلامي, مما أتاح لها قراءة تلك الأسواق بصورة صحيحة. وفي بداية الثمانينيات بدأ ظهور البنوك الإسلامية في أوروبا, وفي الوقت نفسه تنامي وجود البنوك الأوروبية المطابقة للشريعة في العالم الإسلامي.

يرجع تاريخ التعاملات الإسلامية للبنوك الأوروبية في منطقة الخليج إلى العشرينيات من القرن الماضي حينما ربط حاكم البحرين السماح بفتح فرع لـ "إيسترن بنك" – الذي أصبح ستاندرد تشارترد فيما بعد - في الجزيرة بتجنب التعامل مع الفائدة الربوية. وفي الوقت نفسه تم السماح لبنك ناشيونال هاندلز بنك الهولندي – الذي تحول إلى أي إن بي أمرو - بافتتاح فرع في جدة لتغيير العملات للحجاج, شريطة أن يتم ذلك بعيداً عن أية تعاملات بسعر الفائدة.

وخلال الأعوام الخمسين التالية دخلت معظم البنوك الغربية في أسواق العالم الإسلامي دون اشتراط وجودها بعدم التعامل بالفائدة تماماً كما هو الحال بالنسبة للبنوك المحلية في تلك الدول.

وكان ظهور البنوك الإسلامية نقطة تحول في تلك العلاقة, حيث كانت تلك البنوك تستورد بضائع من أوروبا لحساب عملائها, ومن خلال تلك العمليات التجارية بدأت البنوك الغربية تتعرف على أساسيات المصرفية الإسلامية, خاصة مع وجود عدة اختلافات في أسلوب التعامل بين الجانبين.

إدارة السيولة طبقاً للشريعة في أوروبا
بدءاً من الثمانينيات قام عدد من بنوك لندن بتقديم خدمات إدارة السيولة المتفقة مع أحكام الشريعة للبنوك الإسلامية في الخليج, وبصفة خاصة بنك التنمية الإسلامي بجدة. وقامت البنوك الأوروبية بتقديم تسهيلات للبنوك الإسلامية الجديدة في المنطقة. ومن أشهر تلك المؤسسات البنوك العربية في لندن مثل البنك السعودي الدولي والبنك الأهلي المتحد الكويتي, حيث قبلت تلك البنوك إيداعات قائمة على أساس المرابحة, إضافة إلى العمليات التجارية قصيرة الأجل التي كانت تتم في بورصة لندن للمعادن. وكان هامش الربح من هذه العمليات قليلاً إلى حد كبير, إلا أنه كان كافيا لقيام البنوك في لندن بتوفير عائد للبنوك الإسلامية في الخليج من أوراق النقد التي تصدرها الخزانة treasury bills. وكانت لندن هي وجهة البنوك الإسلامية لإدارة السيولة نظراً للخبرات المصرفية العاملة بها والمخاطر المنخفضة في التعاملات التي تتم في بورصة لندن للمعادن, وذلك لقوة هذا السوق.

وعلى الرغم من نجاح عمليات المرابحة كأداة مهمة لإدارة السيولة إلا أنها بدت مكلفة نسبياً. وظهر حل أقل تكلفة للبنوك الإسلامية وهو أوراق نقدية تصدرها الخزانة بحيث تكون مطابقة لأحكام الشريعة الإسلامية.

ولكن التطوير في تلك الوسائل لإدارة السيولة كان بطيئاً, كما أن الأوراق المالية القائمة على عقود البيع بالدين التي أباحها علماء الشافعية في ماليزيا, لم يبحها غالبية علماء الشريعة ومنهم العلماء الذين تعتمد بنوك الخليج على فتاواهم. وتميل البنوك الأوروبية إلى تبني آراء الفقهاء الأكثر تشدداً في دول الخليج وجنوب آسيا عن الفتاوى الصادرة من ماليزيا وإندونيسيا.

إصدار وتداول الصكوك في أوروبا
تعتبر الصكوك من الفرص السانحة لازدهار صناعة المصرفية الإسلامية في أوروبا. ومن الإصدارات الرائدة في هذا الصدد ما شهدته ولاية ساكس - أنهالت الألمانية حين أصدرت صكوكاً قيمتها 100 مليون يورو حتى 31 يوليو 2004. وهي صكوك لخمس سنوات تقوم على الإجارة مع عائد عائم يعتمد على معدلات منطقة اليورو (يوروبور) + %1 وهو ما يشبه معدل التعويم, إلا أن المدفوعات للمستثمرين تعبر عن إيجار وليس فائدة لأنها محرمة شرعاً. وتم إدراج الصكوك في لوكسمبورج, فيما تولت أسواق سيتي جروب العالمية تنظيم إصدار الصكوك, وتولت الهيئة الشرعية لبنك سيتي الاستثماري الإسلامي في البحرين عملية التدقيق فيما يتعلق بمدى مطابقة المنتجات للشريعة. وتم تقييم تلك الصكوك AA - بحسب وكالة S&P ومنحتها وكالة فيتش تصنيف AAA - ولعبت ولاية ساكسون أنهالت دور الضامن. وكان بيت التمويل الكويتي المدير لهذا الإصدار. ونظرا لأن الصكوك تحتاج إلى دعم من الأصول قنن المشرع الألماني ذلك بإنشاء مؤسسة ألمانية على غرار نموذج الوقف الإسلامي. حيث قامت وزارة المالية مثلاً بتحويل حق الانتفاع بمبناها لتلك المؤسسة التي تصبح بدروها ضمن الأصول الرئيسة. وحين يتم تداول الصكوك يقوم المستثمرون ببيع وشراء حقوق الأصول الحقيقية, وهو أمر مطابق للشريعة, وذلك بدلاً من أدوات أوراق الدين التي لا يمكن دخولها في عمليات بيع وشراء بحسب آراء فقهاء الخليج. وتعد غالبية الصكوك التي تطرح في الخليج ودول جنوب شرق آسيا موجهة للعملاء من الشركات وليست صكوك ملكية. وقد بدأت صكوك الشركة ببطء في أوروبا. وأعلنت شركة إنرجي ميكس السويسرية في أغسطس 2005 تعاقدها مع بنك فيصل الخاص وشركة فينسون إلكنس القانونية لتقديم المشورة بشأن هيكل الصكوك المناسب لتمويل مشروع إنشاء مفاعل إنتاج طاقة في الخليج, إلا أنه لم يتم البت في الأمر. وفي 2005 تم إصدار صكوك مشاركة قام بتنظيمها ABC الإسلامي لإدارة الاصول في لندن وبنك أبو ظبي التجاري نيابة عن شركة السفينة المحدودة في لندن. وتعد بذلك أول أوراق مالية إسلامية تستخدم في تمويل صناعة الملاحة حيث كانت الأصول المستخدمة عبارة عن قطعتين VLCC) وVENUS) تم تأجيرهما لشركة الملاحة السعودية.

كما تم استخدام صكوك مشاركة تبلغ قيمتها 261 مليون دولار في تمويل شراء بناية Sanctuary في لندن عام 2005 وتم بيعها لبنك الطيب في البحرين ومؤسسة إدارة أصول في هونج كونج, ممثلين في لندن بشركة بيلهام. وتقوم تلك الصكوك على عقود الإجارة.
وليس من المستغرب أن تصبح لندن المركز الرئيس في أوروبا لإصدار الصكوك وهو ما منحها سمعة كبيرة في عالم المصرفية الإسلامية, وذلك على مدار ثلاثة عقود من الدعم الرسمي, ولا سيما من بنك أوف إنجلند في البداية ثم سلطة الخدمات المالية منذ عام ,1997 وهي التي تولت مسؤولية الهيكلة التنظيمية للبنوك بما في ذلك البنوك الإسلامية. وأيقنت الحكومة البريطانية أن الخدمات المصرفية المطابقة للشريعة تعتبر أداة فاعلة لزيادة الإيرادات.

وخلال عام 2006 تجلى الدور المحوري للندن كمركز أوروبي رئيس لتلك الصناعة, عندما شهدت تنظيم مؤتمر للمصرفية الإسلامية حضره جوردون براون – وزير المالية البريطاني آنذاك - ونائبه إيد بولز. وأصبح لسوق الصكوك بعد سياسي أثر بشكل إيجابي في تنمية هذا السوق. وهناك ثلاثة عوامل إيجابية أثرت في حركة التطور: أولها إقناع المسلمين في بريطانيا بأن حكومتهم متفتحة وتعمل على الاستجابة للفرص التي تحققها المصرفية الإسلامية. وهناك رغبة سياسية في أن يشعر مسلمو بريطانيا بأنهم ضمن النسيج العام للمجتمع وليسوا مستبعدين منه, وذلك لضمان أصواتهم في الانتخابات, حيث إن حزب العمال معروف بميله لنيل أصوات الأقليات.

وثمة عنصر ثانٍ وهو ضمان أن تظل لندن لاعباً أساسياً في سوق المصرفية الإسلامية العالمي بما يمكنها من اجتذاب الأعمال للبنوك الاستثمارية والشركات القانونية البريطانية. وفي هذا الإطار لا تألو الحكومة جهداً في دعم وتشجيع المالية الإسلامية في إطار استراتيجية ثابتة. أما العامل الثالث فهو رغبة الحكومة في تنويع مصادر التمويل, على الرغم من أن الدين الحكومي ضئيل بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي gdp ويمكن توفير التمويل بسهولة, إلا أن تنوع المصادر عمِل بدوره على إبقاء التكاليف منخفضة وجذب الأنظار للاسترليني كعملة مستقرة, مما يدفع المستثمر الأجنبي للتعامل بها بما في ذلك المؤسسات الإسلامية والأفراد المهتمين بالمنتجات المطابقة للشريعة الإسلامية. وفي أبريل 2007 أعلنت الحكومة البريطانية أنها ستدرس بجدية إصدار صكوك ملكية. وشهد شهر أغسطس من ذات العام الاجتماع الأول لمجموعة خبراء المالية الإسلامية التي تعتبر المؤسسة الرسمية للاستشارات الخاصة لوزارة الخزانة والخدمات المالية في بريطانيا. وناقش الاجتماع قضايا ذات صلة بالمنتجات الإسلامية وعلى رأسها عملية إصدار الصكوك بما في ذلك الشروط التي تضمن مطابقة الإصدار للشريعة وشكل وحجم الإصدار وفترة الانتفاع والسعر. وبدا عدم الارتياح عندما لم يتم الإعلان عن إصدار صكوك في خطاب الموازنة العامة لوزير المالية في أكتوبر 2007. إلا أن المحللين يرون أن إلغاء الإصدار المتوقع لم يكن مفاجئاً نظراً للتعقيدات القانونية والمسائل الفنية. ودافع وزير المالية بأن العام التالي سيشهد الإعلان عن تنظيم لتلك المسائل المتعلقة بإصدار الصكوك. ومن المقرر أيضاً أن تقوم الوزارة بطرح منتجات مطابقة للشريعة للمستثمرين وذلك عبر فروع مكاتب البريد.

الخدمات المصرفية الإسلامية للأفراد في أوروبا
أدركت الحكومات الأوروبية أن الخدمات المصرفية للأفراد لا بد أن تنال قدراً أكبر من الاهتمام, لأنها تعي أن نمو المصرفية الإسلامية في أوروبا لم يكن بمبادرات حكومية بل هو أقرب إلى الحركة الشعبية الآخذة في التنامي بصورة كبيرة.

وتشير الدراسة إلى أن المصرفيين الأوروبيين يدركون أن المسلمين لهم احتياجاتهم المصرفية التي لا تختلف عن تلك الخاصة بغيرهم، ولهذا تقدم البنوك الأوروبية المنتجات الإسلامية والتقليدية للأفراد. ويتم تقديم الحسابات الجارية وعمليات الإيداع لأنهما تسهلان الدفع عن طريق الشيكات وكذلك بطاقات الخصم وغيرها. وتبنى المصرفيون الاوروبيون الصورة الإسلامية للحسابات الجارية وهي هيكل الوكالة الائتماني وفيه تقوم المؤسسات المالية بضمان أن المبالغ المودعة لن تستخدم في عمليات تمويل تقوم على الفائدة بل في عمليات قرض حسن. وفي بريطانيا يقدم بنكا لويدز TSB وHSBC أمانة خدمات الحسابات الجارية المتوافقة مع أحكام الشريعة. وتقدم البنوك الأوروبية الحلول المتوافقة مع الشريعة فيما يتعلق بالخدمات المالية للأفراد, حيث تقدم منتجات توفير واستثمار. وعلى سبيل المثال قدم بنك بريطانيا الإسلامي ثلاثة حسابات فورية في عام 2007؛ الأول من خلال الإنترنت ويقدم %3 ، والثاني حساب ادخار للشباب ويقدم %2.5 والأخير حساب المدخرات غير المحددة من خلال دفتر توفير العميل ويقدم %2. وتقوم تلك الحسابات على نظام المرابحة, حيث يشارك المودع في الأرباح مع البنك. وتعتبر تلك النسب مجرد هدف يسعى البنك لتحقيقه وليست نسبة محددة كما هو الحال في الفائدة المحددة مسبقاً.
#2#
بدائل شرعية للرهن العقاري في أوروبا
وفي مجال العقارات فإن أغلبية الدول الأوروبية – خاصة بريطانيا وفرنسا - تشهد رواجاً لسوق العقارات, حيث يسعى المواطنون بمن في ذلك المسلمون - لتملك المنازل التي يقيمون فيها. وفي ظل قيام نظام الرهن العقاري التقلدي على الفائدة كان التحدي أمام المصرفيين الأوروبيين في تطوير بدائل للرهن العقاري تتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية. وظهر أول نموذج في أوروبا عام 1988 عندما قدم بنك البركة حلولاً لتمليك مواطني دول الخليج عقارات في لندن معتمداً في ذلك على عقد الإجارة، فيما بدأ البنك الأهلي المتحد الكويتي تقديم حلول تعتمد على المرابحة في عام 1997. ونالت تلك الحلول رواجاً كبيراً في أوروبا, حيث أقدم عليها المسلمون وغيرهم من المواطنين مما حدا بعديد من المؤسسات المالية في أوروبا لتبني تلك الحلول التي تتفق مع الشريعة. وتعتبر (البراق لتمويل الأفراد) من المؤسسات النشطة في هذا الصدد وهي تابعة للمؤسسة العربية المصرفية وتعتمد على عقود الإجارة والمشاركة بين البنك والعميل. ومن أبرز المنافسين في السوق الأوروبية في مجال التمويل العقاري بنك HSBC أمانة, إلا أن البعض يرى أنه أغلى ثمناً, على أن هذا لم يؤثر في كونه منافساً شرساً نجح في اقتسام السوق الأوروبية مع "البراق".

إدارة الثروات الإسلامية في جنيف
تصب غالبية رؤوس أموال الشرق الأوسط في أوروبا منذ أكثر من 60 عاماً. وازداد حجم تلك الثروات مع أول طفرة قي أسعار النفط في السبعينيات. وكان هذا التدفق يهدف إلى تحويل ما أطلق عليه الدولارات النفطية إلى أصول مالية تمكن دول الخليج الغنية بالنفط من البقاء على حالة الاستقرار والرفاهية حال حدوث أية هزات لأسعار النفط. وبمرور الوقت تزايد الاهتمام بأن تتم إدارة تلك الثروات بوسائل تتفق والشريعة الإسلامية. وفي 1981 حدث تطور مهم بتأسيس مجموعة دار المال الإسلامي القابضة في جنيف على يد الأمير محمد الفيصل, وهي تعتبر شركة استثمارية أكثر منها بنكاً. ومع إعادة هيكلتها حققت في 2005 أرقاماً قياسية في معدلات الربح, حيث تجاوز صافي الربح 52 مليون دولار وبلغت قيمة التمويل بليوني دولار تم تشغيلها في استثمارات تتفق وأحكام الشريعة الإسلامية. وتتميز مجموعة دار المال الإسلامي عن منافسيها بأنها تقع في جنيف التي تعد أكبر مركز لإدارة الثروات في العالم.

المصرفية الاستثمارية الإسلامية
بزغ نجم البنوك الاستثمارية في العالم الإسلامي منذ العقد الماضي, حيث إن معظم البنوك الكبرى تغلب عليها أنشطة تمويل الأفراد وليست الأنشطة الاستثمارية. ويشهد سوق المصرفية الاستثمارية في أوروبا منافسة شديدة, حيث إن البنوك الاستثمارية في القارة تعد أكثر خبرة وتمرساً, كما تتوافر لها المصادر بصورة أكبر. وعلى النقيض من إدارة الثروات والمصرفية الخاصة التي تحتاج إلى علاقات طويلة المدى مع العملاء, فإن المصرفية الاستثمارية يتنقل فيها العملاء بحثاً عن الصفقة الأفضل بالنسبة لهم. وقد عمدت البنوك الاستثمارية إلى تعيين فقهاء أو هيئة رقابة شرعية لضمان مطابقة منتجاتها للشريعة, مما مكنها من منافسة البنوك الإسلامية في الخليج وجنوب شرق آسيا. وعلى سبيل المثال شهد "دويتشه بنك" نشاطاً ملحوظاً بفضل العمليات الإسلامية التي يقوم بها في دبي. وقد أطلق - مع بنكي ميريل لينتش ومورجان ستانلي - أربعة عشر منتجاً في أغسطس 2007 تم تداولها في سوق دبي المالي العالمي.

مستقبل المصرفية الإسلامية في أوروبا
على الرغم من أن أوروبا عرفت المصرفية الإسلامية قبل ثلاثة عقود إلا أنها لا تزال في مرحلة الطفولة ـ بحسب تعبير ويلسون في دراسته ـ ذلك أنها اعتمدت على تجربة الدول الإسلامية وفروع بنوكها التي تقدم تلك الخدمات. ويرى أن النهضة الأوروبية فيما يتعلق بتك الصناعة ستظهر إذا ما تمت التوسعات في الاتحاد الأوروبي ليضم تركيا ودول البلقان وهو الأمر الذي سيزيد من عدد السكان المسلمين بما يعادل 72 مليون مواطن. وتشير التوقعات إلى أن حجم الاستثمار في المنتجات المتفقة مع الشريعة في أوروبا سيتضاعف ليصل إلى أعلى معدلاته في عام 2015, الذي يتوقع أن تتبلور خلاله صورة تلك الصناعة في القارة العجوز .

الأكثر قراءة