التحكم في تكلفة الرعاية الصحية
عندما يتم طرح مشروع وطني جديد، يجب أن يأخذ حقه من الدراسة والنقاش. النقاش والدراسة ليس بهدف البحث عن الأخطاء أو انتقاص المشروع نفسه، ولكن بهدف عصف الذهن والتفكير في كل الظروف المستقبلية التي يمكن أن تحيط بالمشروع، وبالتالي رسم خطة وصورة أفضل له. مشكلتنا في كل المشاريع الوطنية التي تم تبنيها خلال السنوات القليلة الماضية الاستعجال والاعتماد على فكر فردي لا بناء جماعي لفكر المشروع نفسه، مما استنزف معه كثيرا من الموارد المادية والجهود البشرية في مشاريع لم تملك الرؤية الواقعية, وبالتالي لم تستطع أن تحول خططها وأفكارها إلى واقع عملي.
المشروع الوطني للرعاية الصحية الشاملة إحدى الأفكار الطموحة لوزير الصحة، وهو أحد أهم المشاريع الوطنية الحالية التي يجب أن تأخذ حقها من الدراسة والبحث، كما يجب أن يشارك جميع أصحاب الرأي في صياغة فكر وإطار وأهداف ورؤية هذا المشروع، لأنه كما ذكر خادم الحرمين الشريفين ــ حفظه الله ــ (مشروع الوطن). هذا المشروع سيكون عائده ليس علينا فقط ولكن على أبنائنا والأجيال القادمة، لذا فهو يستحق أن نقف معه وأن نؤازره بكل الإمكانات المتاحة لدينا. إحدى طرق المؤازرة إبداء النصح والرأي والمشاركة في بحث كل ما يتعلق بهذا المشروع كي نكون عوناً للقائمين عليه في وضع نظام رعاية صحي وشامل للمواطن.
ومن حسن الطالع أن يأتي تبني هذا المشروع في ظل النقاش الحاد الذي تواجهه الولايات المتحدة فيما يتعلق بمشروع الرعاية الصحية الشاملة الذي يتبناه الرئيس أوباما وتتم مناقشته في الكونجرس حالياً، حيث يمثل ذلك فرصة للاستفادة من مختلف الدراسات والآراء التي يتم طرحها إما لدعم مشروع الرئيس وإما لتعطيله. مشكلة نظام الرعاية الصحية الأمريكي الحالي ارتفاع تكلفته مقارنة بالدول الأخرى مع صعوبة الحصول على خدمات هذا النظام إذا لم تتوافر للمواطن بوليصة تأمين صحي. والتحكم في ارتفاع تكلفة خدمات الرعاية الصحية المخصصة أمر ليس باليسير لكنه ممكن إذا توافرت لذلك الإرادة. مجلة «بزنس ويك» اقترحت عشر طرق للتحكم في تكلفة خدمات الرعاية الصحية يمكن أن نستفيد منها في تصميم نظام الرعاية الصحية السعودي أوجز أهمها في الفقرات التالية:
أولاً: الحد من الغش في الخدمات الصحية مثل عمل فحوص غير ضرورية، أو تزوير فواتير للحصول على تعويضات غير مبررة من شركات التأمين، حيث قدرت تكلفة هذه العمليات غير النظامية بما يراوح بين 125 و175 مليار دولار أمريكي في الولايات المتحدة.
ثانياً: التنسيق في خدمات الرعاية الصحية من خلال التأكيد على مرجعية طبيب العائلة وحفظ معلومات المريض بشكل آلي يسهل الحصول عليها - وهو ما ينطوي عليه مشروع وزارة الصحة السعودية حالياً ومشروع الرعاية الصحية الشاملة للرئيس أوباما – حيث تقدر تكلفة الخدمات الصحية والفحوص المتكررة في الولايات المتحدة التي يمكن توفيرها بوجود مرجعية آلية لملف المريض بما يراوح بين 250 و325 مليار دولار أمريكي.
ثالثاً: تخفيض التكاليف الإدارية والمعاملات غير الورقية غير الضرورية من خلال استحداث نظام آلي لحفظ المعلومات والتواصل بين العاملين في القطاع الصحي أو بينهم وبين المرضى سيوفر كثيرا من الأموال, وستصب هذه الأموال لصالح توفير مزيد من الخدمات الصحية الضرورية. في الولايات المتحدة تضيف المعاملات الورقية غير الضرورية وانخفاض الكفاءة ما قيمته 100 مليار دولار تقريباً إلى تكلفة الخدمات الصحية هناك.
رابعاً: أهمية العناية بالنظافة والتعقيم داخل المستشفيات، حيث إن المستشفيات تعد الأماكن الأكثر احتمالاً لانتقال العدوى مما يزيد من تكلفة الرعاية الصحية. في الولايات المتحدة يصاب 1.7 مليون مواطن بالعدوى في المستشفيات ويموت منهم 99 ألفا سنوياً، وهو ما يضيف ما قيمته 30 مليار دولار تقريباً إلى تكلفة الرعاية الصحية.
خامساً: الأمراض المزمنة كمرض السكري ذات تكلفة عالية على نظام الرعاية الصحية، وتطوير نظام رعاية صحية يحفز المريض على العناية بنفسه سيقلل تكلفة علاجه بنسبة كبيرة جداً. على سبيل المثال، قامت إحدى شركات التأمين في الولايات المتحدة بتحفيز مرضى السكري لتناول أدويتهم والعناية بنظامهم الغذائي مع تخفيض في تكلفة بوليصة التأمين إذا التزموا بذلك. ويتم ذلك من خلال إعطاء الشركة الحق في المتابعة الدقيقة للتأكد من التزام المريض، وقد حقق ذلك نتائج إيجابية كبيرة في سبيل تخفيض تكلفة رعاية المرضى بالأمراض المزمنة.
هذه بعض الأمثلة التي يمكن أن تسهم في تخفيض تكلفة نظام الرعاية الصحية ومن ثم توافر الموارد لمزيد من التوسع في تقديم خدمات صحية أخرى. وفي حالة المملكة هناك كثير مما يمكن عمله لتخفيض هذه التكلفة مثل الحد من التدخين سواءً بتطبيق الأنظمة التي تتعلق بمكافحة التدخين أو من خلال تحفيز المدخنين للإقلاع عنه، حيث يتوقع – إذا ما استمر الحال على ما هو عليه – أن تسهم الأمراض الناتجة عن التدخين بنسبة كبيرة في فاتورة الرعاية الصحية. أيضاً هناك حوادث السيارات وما ينتج عنها من إعاقات أو إصابات تسهم بشكل كبير في الضغط على فاتورة الرعاية الصحية. العوامل التي يمكن أن يتم التركيز عليها لتخفيض تكلفة وزيادة كفاءة نظام الرعاية الصحية كثيرة وتتطلب تضافر جهود جميع الجهات مع وزارة الصحة للعمل على تحقيق ذلك.