كيف سيتم إنصاف النساء وحماية حقوقهن؟

أصدر مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي الفلسطيني تقريرا ميدانيا للجنة التحري في الممارسات الإسرائيلية التي تمس حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني وغيرهم من العرب في الأراضي المحتلة، أفاد فيه أن النساء والأطفال يتحملون تداعيات نوعية محددة من الاحتلال الإسرائيلي.
وصرحت ديما نشاشيبي من هذا المركز لوكالة إنتر بريس سيرفس، أن «الاحتلال الإسرائيلي يؤثر في حياة الفلسطينيات بجميع الإشكال، من التحرش والاعتداء الجنسي والتمييز، إلى إجبارهن على الولادة في نقاط التفتيش الإسرائيلية». ويواظب المستوطنون الإسرائيليون في الضفة الغربية على مهاجمة الفلسطينيات والاعتداء عليهن، فعادة ما يكن وحدهن في بيوتهم في غياب الرجال الذاهبين للعمل.
كما يقومون بدفع الأطفال والنساء عنفا، وقذفهم بالأحجار، وإطلاق الرصاص، وقذف العبوات المسيلة للدموع في بيوتهم، كل هذا في حضور الجنود الإسرائيليين الذين لا يفعلون شيئا لوقف المستعمرين عن هذه الخروقات. هذا وتعد الولادة في الأراضي المحتلة مخاطرة قاسية، بل قاتلة. ويشرح معتصم عواد من جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني: نشاهد بصورة مستمرة حالات حوامل فلسطينيات يجبرن على الوضع في نقاط التفتيش الإسرائيلية. ويواصل في حديثه لوكالة إنتر بريس سيرفس «فأحيانا، لا تحوز النساء على الترخيص الإسرائيلي للعبور، وأحيانا أخرى يعطلونهن لساعات طويلة، ما يؤدي إلى موت المواليد». وحتى في حالة وصول النساء إلى مراكز رعاية صحية محلية، لا يبدي الأطباء دائما استعدادهم لتوفير العناية الواجبة لهن، وذلك بسبب القيود الإسرائيلية المشددة على حركة تحرك الفلسطينيين.
يذكر أن هناك 600 نقطة تفتيش ومراقبة وحواجز عبور إسرائيلية، تقيد تحركات الفلسطينيين في الضفة الغربية، وتؤثر سلبيا في تعليم الطالبات الفلسطينيات، اللائي يزيد عددهن على الطلاب الذكور، ويجبرن على البقاء في منازلهن تفاديا للتحرش بهن وإذلالهن وتعرضهن للاعتداء عليهن في نقاط التفتيش والمراقبة. كما تتعرض النساء والطفلات الفلسطينيات في القدس الشرقية، إلى الطرد والعنف والاعتداء الجنسي على أيدي قوات الأمن والمستعمرين الإسرائيليين.
ورغم اهتمام جميع المؤتمرات التي تعقد لحماية المرأة ـ كما يقولون أو بالأحرى معاقبة أي دولة وقعت على (اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة)، التي تقضي بمسؤولية الدولة وقوات الاحتلال في منع وقوع ممارسات العنف هذه ومعاقبة مرتكبيها، لكن شيئا من هذا القبيل لا يحدث.
كما تنص الاتفاقية على أن التمييز ضد المرأة يمثل انتهاكا لمبادئ المساواة والكرامة الإنسانية، وعقبة على طريق مشاركة المرأة على قدم المساواة مع الرجل، في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وتلزم الاتفاقية جميع الدول الموقعة عليها، من بينها إسرائيل التي صادقت عليها عام 1991، باتخاذ التدابير التشريعية وغير التشريعية المناسبة لحظر جميع أشكال التمييز ضد المرأة!
وإذا قرأنا التقارير الدولية القادمة من العراق فيما يختص بالقرار الذي اتخذته نساء الفلوجة عندما رفعن شعار (لا للإنجاب)، وهو كما ذكر القرار المر الذي يمكن أن تتخذه أي زوجة تحلم بأن تكون أما، ففي رسالة عراقية - بريطانية إلى الأمم المتحدة جاء فيها أن نساء المدينة «أصبحن يشعرن بالهلع والخوف من الحمل والولادة، وقررن إيقاف الإنجاب؛ رحمةً بأنفسهن وبالمواليد الذين باتوا يخرجون للحياة بتشوهات صادمة تودي بمعظمهم بعد وقت قليل إلى القبور». وبحسب الرسالة التي وقعها عدد من الأطباء والعلماء والحقوقيين العراقيين والبريطانيين، وأرسلوها إلى رئيس الدورة الـ 46 للهيئة العامة للأمم المتحدة، لأن هذه التشوهات نتيجة لاستخدام القوات الأمريكية أسلحة محرمة دوليا، منها اليورانيوم المنضب والفوسفور الأبيض، في ضرب المدينة عام 2004 للقضاء على حركات المقاومة فيها، ففي العمليات العسكرية التي شنها الاحتلال الأمريكي على تلك المدينة سقط مئات الأطفال صرعى أمام أمهاتهنّ اللاتي عزين أنفسهن بأن الله سيثلج صدورهن بمواليد جدد يعوضون الأحباب الراحلين، لكن على خلاف بقية نساء العالم، قرر عدد غير قليل منهن أن يتخلين عن هذا الحلم وأن يتوقفن عن الإنجاب بمحض إرادتهن.
ووفق ما ذكرته الكاتبة العراقية هيفاء زنكنة أن هذه الرسالة تم إعدادها بعد اتصالات أجراها موقعوها مع أطباء في العراق للتحقق من تقرير نشرته شبكة «سكاي نيوز» البريطانية جاء فيه أن معظم مواليد الفلوجة بعد عام 2004 يخرجون إلى الحياة بتشوهات خلقية خطيرة، ومن هذه التشوهات الخروج للحياة بدون رأس أو برأسين أو بعين واحدة في وسط الجبهة أو بأعضاء ناقصة أو زائدة، وأغلبية هؤلاء يموتون بعد فترة قصيرة من ولادتهم، ومن يعيش منهم يكون معرضا بنسبة كبيرة للإصابة بأمراض السرطانية مثل سرطان الدم (اللوكيميا).
كما نشر تقرير في شباط (فبراير) 2009 نقل فيه شهادات من أطباء وأمهات تؤكد أن وجود مئات الحالات من التشوه والموت بسبب تغلغل الإشعاعات وتأثيرها في الجينات في جسد أهل المدينة، ومنهم الأمهات.
ولفتت الرسالة التي وجهها عراقيون وبريطانيون إلى الأمم المتحدة النظر إلى أن ظاهرة التشوهات الواضحة في الفلوجة لا تقتصر على المدينة المنكوبة، ولكنها تتمدد كوباء سرطاني في جسد العراق ككل، ومن المدن الشاهدة على ذلك البصرة وبغداد والنجف.
وكدليل على هذا نقلت عن مسؤول في إحدى المقابر في العراق أنه يدفن بين 4 و5 أطفال كل يوم، معظمهم مصابون بتشوهات خلقية.
طالب الموقعون على الرسالة الهيئة العامة للأمم المتحدة أن تعترف بأن هذه الظاهرة (مشكلة حقيقية)، وأن تعين على هذا الأساس لجنة محايدة تقوم بإجراء بحث شامل في هذا الملف وأن تشرع في تنظيف العراق من المواد السامة التي استعملتها القوات المحتلة بما فيها اليورانيوم المنضب والفوسفور الأبيض، ومنع الأطفال والبالغين من دخول المناطق الموبوءة لتقليل التعرض لهذه المهالك.
ما نراه هو أنها كارثة وليست مشكلة فقط، ونجدها تستمر في أرض فلسطين المحتلة جراء كميات الأسلحة المحرمة دوليا التي سقطت على غزة طوال شهر كامل. وحذر عديد من أن الأمهات الفلسطينيان الحوامل الآن أو اللاتي سيحملن لاحقا ستكون نسبة التشوهات في أطفالهن جراء هذه الأسلحة الكيماوية كبيرة جدا.
وإذا قلبنا أيضا صفحات حقوق النساء في أفغانستان، التي يفترض أن إزاحة حكم طالبان كما بشروا ستكون الأميز، نجد أن الوضع أشد سوءا عما كان عليه، فقد حذر تقرير للأمم المتحدة من تدهور الأوضاع في أفغانستان، وإخفاق الحكومة في حماية حقوق المرأة الأفغانية.
ونقلت شبكة «سي إن إن» الإخبارية الأمريكية عن التقرير السنوي للمنظمة: رغم التحسن الطفيف الذي طرأ على وضع المرأة الأفغانية منذ سقوط طالبان، إلا أن حوادث الاغتصاب التي تستهدف فتيات صغيرات قد تصل أعمارهن إلى سن السابعة في تزايد. يقول التقرير السنوي إن العنف ضد الأفغانية، وبأشكاله المختلفة من اغتصاب، جرائم الشرف، الإكراه على الزواج، التحرش الجنسي، والعبودية، في تزايد متواصل.
وذكرت ثريا باكزاد، من منظمة «صوت المرأة» أن قضية الأمن تمثل العائق الأكبر، وبسببه نضطر للانسحاب من مناطق عملنا السابقة يوماً بعد يوم.. تمكنا من العمل مع المرأة في السابق، ولكن ليس هذا العام». وأردفت: «علينا مغادرة تلك المناطق، لأن الوضع الأمني يتردى يومياً».
النساء هناك ما زلن ضحايا الاستغلال في القرى النائية والمناطق المدنية على حد سواء وحتى كابول، وهناك عديد من حالات الاغتصاب التي يقوم بها، خصوصا المقاتلون المسلحون التابعون لزعماء الحرب السابقين وذلك في غالبية مناطق البلاد، وفق ما ذكرته وزمة فروغ، من منظمة (حقوقية في أفغانستان): معدلات الاغتصاب في تزايد حاد، تحديداً ضد أطفال تراوح أعمارهم بين التاسعة والثامنة والسابعة، وحتى أصغر من ذلك.
هذا الوضع المأساوي كيف يمكن تقييمه أمام ما يذكر أحيانا أن الأمم المتحدة ترفع عصا العقوبات أمام جميع الدول المسلمة التي وقعت على اتفاقية (السيداو) ولم تسمح بحقوق النساء فيها وفق معايير الغرب التي لا تخرج عن إلغاء ولي الأمر وقوامة الأب والزوج، وإلغاء المساواة في الميراث وبالطبع الحق في الصحة الإنجابية التي تعني الحصول على موانع الحمل للفتيات!
أين عصا الأمم المتحدة أمام هذا الظلم الذي تتعرض له النساء في فلسطين المحتلة والعراق وأفغانستان؟ وما دور الناشطات في حقوق المرأة اللاتي نشاهد صورهن واجتماعاتهن المتكررة كل فترة وفي كل مؤتمر؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي