الملك سعود وبداية التعليم

أحرص على قراءة أبحاث الدكتور علي بن صالح المغنم ليس لكونه باحثاً ومنقباً في الأرض والتاريخ بل للجدية «والجلادة» في البحث، له نفس عميق في التعامل مع التاريخ والمادة العلمية .. وكتابه المعنون بــ «مسجد جواثا» كان أنموذجاً للعمل الجاد وحرصه على الحفريات والتنقيب في باطن الأرض وسجلات التاريخ لإبراز حقائق جواثا التي تعود للقرن الإسلامي الأول .. آخر إنتاج الدكتور علي المغنم كتاب بعنوان «وزارة المعارف في عهد الملك سعود» ــ رحمه الله ــ في ضوء بعض الوثائق التعليمية. طبعة عام 1430هـ ـ 2009, رصد فيه مسيرة التعليم في عهد الملك سعود ودعم الكتاب بالعديد من الوثائق المكتوبة والصور الفوتوغرافية عن تلك المرحلة المبكرة في التعليم من 1373 ــ 1384هـ. وقدم لنا سجلاً لا يقتصر على التعليم فقط وإنما يغطي الجوانب: الاجتماعي, العمراني, والاقتصادي، وخاصة الصور الفوتوغرافية والمكاتبات الحكومية داخل ديوان الوزارة وإدارات التعليم, أي أنه وثق تلك المرحلة بالوثائق الورقية والصور الفوتوغرافية التي سبق نشر بعضها, لكن انتقاء واختيار وتوظيف الصورة والخطابات هي الإضافة التي قدمها الدكتور المغنم, يمكن ملاحظة ذلك في الصور الملك سعود في الاحتفالات العامة للتعليم مثل تخريج الطلاب والدورات الصيفية التي تعرف باسم تدريب المعلمين وتقام في الطائف. وتوزيع جوائز المتفوقين والأنشطة الرياضية أي أن المدرسة (الميدان) كانت حاضرة في الزمن المبكر من تاريخ التعليم والاهتمام بالأنشطة اللاصفية من ملك البلاد الملك سعود ووزير المعارف في تلك الفترة الأمير فهد بن عبد العزيز ــ رحمه الله ــ كانت السمة الأهم والأبرز .. هل هذه هي الرسالة التي أراد المؤلف إيصالها لنا ضمن مجموعة الرسائل مثل الحفاظ على تراث التعليم وإعادة طباعته وإيجاد سجل من تاريخ التعليم؟ بلا شك أن الدكتور المغنم الذي ينتمي إلى تلك الفترة، حيث ولد عام 1368هـ في مدينة الهفوف في حي الكوت في الأحساء أنه من ذلك الجيل نفسه الذي يعود في بدايته لمدارس الحجر والطين, وبما أن المغنم كان يتعاطف مع تلك المرحلة المبكرة .. فقد حرص على جمع تاريخ تلك المرحلة ودعمها بالصور الفوتوغرافية التي تسجل لحظة افتتاح مدارس وأنشطة رياضية وصور تذكارية.. نحتاج إلى مؤلفين يتولون مهمة توثيق الماضي وتحليله وإعادة قراءة التاريخ. فالملك سعود له بصمة كبيرة في تأسيس التعليم للبنين والبنات وإنشاء وزارة المعارف ونقل التعليم من التعليم المتطور عن الكتاتيب والجاليات والشخصيات إلى التعليم الحكومي الرسمي الممنهج، حيث خصصت له الميزانيات وجعلت له هياكل تخطيطية وتنظيمية ليغطي جميع مناطق المملكة وينقل التعليم المحصور في المدن إلى التعليم المنتشر في القرى والأرياف والسواحل .. وما الافتتاحات للمدارس وتشريف الملك سعود الأنشطة الرياضية والثقافية والتدريبية إلا تأكيد على اهتمامه شخصياً واهتمام الدولة بالتعليم في وقت كانت ترى أنه عصب تطوير المجتمع الذي كان لتوه خارجاً من رحم البادية والقرى والريف.
كما أن وزارات الدولة ومؤسساتها تحتاج إلى أبنائها المتعلمين كموظفين في أجهزتها وأيضاً أن البلاد تحتاج إلى نشر الوعي والتعليم من أجل محاربة الأمية التي كانت متفشية بين السكان .. الدكتور علي المغنم رصد الماضي وسجل مرحلة مهمة في تاريخنا وبقي الآن الدراسات التحليلية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي