حكومة كاميرون المرتقبة تهيئ بريطانيا لصعود منحدر حاد في المستقبل

حكومة كاميرون المرتقبة تهيئ بريطانيا لصعود منحدر حاد في المستقبل

بتحديد بعض التدابير المؤلمة التي يرونها لازمة، فإن أعضاء حزب المحافظين الذي يرأسه كاميرون سعوا إلى أثبات أنهم جاهزون للحكم – غير أن صراحتهم بمثابة مجازفة

حقق ديفيد كاميرون خلال الأسبوع الماضي طموحه بتسميته رئيس الوزراء البريطاني – على الرغم من أن ذلك حصل بزلة لسان من جانب المحرر السياسي لمحطة البي بي سي BBC. وتم في اليوم ذاته مصادفة تتويج جورج أوزبورن، وزير مالية الظل، «كوزير مالية» من قبل صاحب الوظيفة الصحافية ذاتها في المحطة المنافسة، آي تي إن ITN.
تعكس الغلطات حجم التوقعات الكبير بالنسبة للثنائي الذي يقود حزب المحافظين. وتبدو مفاتيح 10 داوننج ستريت (مقر الحكومة البريطانية) في قبضتهما بشكل استفزازي. وانقلب الناخبون الذين تحرروا من أوهام إدارة حزب العمل المستمرة منذ 12 عاماً ضد جوردون براون، رئيس الوزراء. ويتمتع حزب المحافظين بتقدم بنسبة مئوية ثابتة من رقم ذي خانتين في استطلاعات الرأي، حيث سيتم إجراء الانتخابات العامة في غضون ثمانية أشهر فقط في الحد الأقصى. وإذا لم يحصل أي اضطراب مهم، فإن كاميرون الذي احتفل بمرور 43 عاماً على مولده قبل عدة أيام، سيدير بريطانيا في مثل هذا الوقت من العام المقبل.
غير أن الأجواء الاحتفالية للتتويج المرتقب التي كان من المتوقع أن تميز أجواء مؤتمر حزب المحافظين الذي انعقد في الأسبوع الماضي كانت غائبة على نحو ملاحظ – ومقصودة. وألقى كاميرون خطاباً متزناً ومنخفض النغمة، محذراً من وجود «صعود منحدر في المستقبل» لتخليص بريطانيا من «أعلى عجز في الميزانية منذ الحرب، وأعمق انكماش منذ الحرب، وانهيار اجتماعي، وتحرر من الأوهام السياسية».
في الأسبوع الماضي، قام أوزبورن بتلخيص التخفيضات في النفقات، والبالغة سبعة مليارات جنيه استرليني (11.1 مليار دولار، 7.6 مليار يورو) التي سوف تفرضها حكومة المحافظين، بما في ذلك رفع سن التقاعد بالنسبة للذين يتلقون رواتب تقاعدية من الدولة، وتشديد على الإعفاءات الضريبية المقدمة إلى أفراد الطبقة الوسطى، والمحافظة على المعدل العالي الوشيك لضريبة الدخل البالغ 50 في المائة. وحذر كذلك من أن «عشرات المليارات» من المزيد من إنفاق الجنيهات يجب تخفيضها لمعالجة العجز في الميزانية البريطانية البالغ 175 مليار جنيه استرليني.
القرار باستخدام برنامج حاسم قبل الانتخابات بالتهديد بالإنفاق على نحو أقل، وفرض المزيد من الضرائب على الناخبين، قلب الحكمة السياسية التقليدية رأساً على عقب. وتمثل المعركة السياسية في بريطانيا انقلاباً عن انتخابات الشهر الماضي في ألمانيا، حيث تنافس السياسيون لتقديم تخفيضات ضريبية إلى الناخبين والشركات. وفي فرنسا، قام الرئيس نيكولا ساركوزي بتأجيل التدابير لتقليل العجز.
لكن في المملكة المتحدة، يبدو حزبا العمال والمحافظون عالقين في منافسة لإثبات من يستطيع أن يكون أكثر صرامة. وأوصى أليستر دارلنج، وزير المالية، يوم الإثنين الماضي بتجميد رواتب كبار القضاة، والموظفين الحكوميين، والأطباء العامين، ومديري خدمات الصحة الوطنية. وفي اليوم التالي ردد أوزبورن ذلك بصوت عالٍ مع خطط لتجميد الرواتب لمدة عام واحد في عام 2011 في معظم دوائر القطاع العام.
يدعي وزير مالية الظل أنه وضع أجندته ذات الطابع المتقشف. وسبق حزب المحافظين الحكومة في أول تحذير للحاجة إلى كبح العجز البريطاني، ومن ثم الدعوة إلى إجراء تخفيضات شاملة في النفقات. وكان قرار الأسبوع المنصرم للمضي إلى أبعد من ذلك، وتحديد بعض تلك التخفيضات بمثابة مغامرة سياسية محسوبة.
عبر أحد أعضاء الوزارة سابقاً من فترة وجود حزب المحافظين في الحكم ما بين عام 1979 إلى عام 1997، عن دهشته سراً من أن كاميرون اختار أن يكون بهذا الوضوح. ويقول: «أنا شخصياً كنت سأبقي الأمر طي الكتمان.» وأضاف مشيراً إلى مقترحات رفع الضريبة الصريحة التي قدمها حزب العمال قبل انتخابات عام 1992، والتي يقع عليها اللوم بشأن هزيمة الحزب اللاحقة.
لكن أعضاء من فريق كاميرون يجادلون بالقول إن دروس التاريخ مثل تلك تم استيعابها. وتشير الاستطلاعات الأخيرة إلى أن الناخبين على استعداد لدعم التخفيضات، كاقتراح عام على الأقل. وتم حساب تصريحات الأسبوع الماضي لتقدم مقترحات معينة كافية، بحيث أنها بدت مؤشراً موثوقاً لمقاصد علاج الأمراض الاقتصادية لبريطانيا، وفي الوقت ذاته منع نشر تفاصيل عن حجم التخفيضات. ويقول أحد كبار مسؤولي حزب المحافظين عن خطاب أوزبورن: «إن تحذير الناخبين من أننا سنجمد رواتبهم، ونلغي طقوس التخفيضات الضريبية يمثلان مخاطرة – ولكن المخاطر الأكبر ليست موثوقة مثلما تعتبر حكومة في الانتظار».
مسألة الموثوقية هذه تمضي إلى قلب الصراحة التي تم عرضها في الأسبوع الفائت. وخلال سنواته الأربع تقريباً كزعيم للحزب، نجح كاميرون في نقل حزبه إلى الوسط السياسي، بحيث يتخطى حزب العمال كقفزة الضفدع في الاستطلاعات. ولكن تلك الاستطلاعات تشير كذلك إلى أن الجمهور لم يتم كسبه بالكامل بعد، وأن تقدم حزب المحافظين ما زال ضعيفاً، وعلى الأرجح منكشفاً أمام الرد من جانب براون. وقرابة الثلثين – 64 في المائة – من أولئك الذين يعتزمون التصويت لحزب المحافظين في الانتخابات المقبلة سيفعلون ذلك فعلياً «بشكل رئيس» وكأنه تصويت ضد براون وحزب العمال، وليس كتصويت لصالح كاميرون وحزب المحافظين، وذلك وفقاً لاستطلاع أجرته شركة أو آر بي ORB لصالح محطة بي بي سي.
يفسر ذلك سبب قيام حزب المحافظين بتخصيص الأسبوع المنصرم بشكل رئيس لمحاولة تحسين مؤهلاته للحكم بدلاً من مهاجمة مناوئيه. واختار كاميرون تفادي السياسات المفصلة لصالح تحديد أولوياته الشخصية – «العائلة، والمجتمع، والبلاد» – ورؤية لمجتمع دولة أصغر حل مكان «الدور الحكومي الكبير» بمسؤولية شخصية. وسعى إلى تلطيف الوصف القاسي الذي صوره حزبه لأمراض بريطانيا الحالية، بتشخيص متفائل «للمشهد من القمة» الذي يكمن في المستقبل.
ترك المنهج عريض النطاق العديد من الأسئلة دون إجابات حول الكيفية التي ستبدو عليها حكومة حزب المحافظين، وتتصرف، أثناء وجودها في المنصب. وكان هناك فراغ وحيد في السياسة تعمد كاميرون ألا يسده وهو موقفه حيال أوروبا. ومعادلته منذ فترة طويلة بأنه «لن يترك الأمور وشأنها» إذا ورث معاهدة لشبونة مصادقاً عليها – والتي تهدف إلى إصلاح مؤسسات الاتحاد الأوروبي – حين يأتي إلى السلطة تطرح، السؤال حول ما سيفعله بالضبط.
لا يريد كاميرون، ولا أوزبورن أن تهيمن مفاوضات بروكسل المشحونة بالمخاوف على فترة حكمهما الأولى التي يعتقدان أنها يجب أن تكون مكرسة لإعادة الاقتصاد إلى مساره. غير أن أي افتراض بأن حكومة محافظة ستقبل ببساطة بمعاهدة لشبونة كأمر واقع يمكن أن يثير تمرداً من جانب أعضاء حزب المحافظين المتشككين دوماً في التوجهات نحو أوروبا، وكذلك من جانب ناشطي الحزب. وكان التصويت الذي تم في صالح التصديق على المعاهدة الذي تم في أيرلندا في الأسبوع الماضي بمثابة تهديد أولي يلقي الظلال على مؤتمر حزب المحافظين الأخير. وجاءت زعامة الحزب إلى مانشستر مع تحذير ضمن عنوان رئيس «اضطراب المحافظين» الذي من شأنه إدخال هذا الحزب في «حرب أهلية جديدة».
يلاحظ أحد كبار وزراء حكومة الظل برضا تام أن «القصة العظمى غير المروية لهذا المؤتمر كانت انعدام وجود خلاف فعلي حول أوروبا». وعلى الرغم من أفضل الجهود من جانب الصحفيين لإثارة شجار، إلا أن الشغوفين بأوروبا وأعضاء حزب المحافظين من محبي أوروبا، أعربوا جميعاً عن دعمهم القوي لعدم اتخاذ زعيمهم لسياسة محددة بهذا الخصوص.
هذا الالتزام بخط الحزب، على النقيض من عدم الولاء الذي صبغ بطابعه معظم المحافظين المتأصلين في خنادق المعارضة، يعكس جوعهم للسلطة التي يعتقدون أنها أصبحت في متناول أيديهم. ويقول أحد المنتمين إلى الجناح اليميني في تفسيره لرفضه الانتقاد رغم عدم موافقته على ما يراه زعيم الحزب بخصوص الضرائب، والعلاقات مع أوروبا «أريد أن نشكل الحكومة المقبلة، وأعتقد بالفعل أن بإمكان ديفيد كاميرون إنجاز ذلك». وجاء على موقع «كونسيرفيتيف هوم» Conservativehome الإلكتروني الذي يسهم ناشطو الحزب في الكتابة فيه: «أن حزب المحافظين الذي كان في يوم من الأيام هو الحزب الطبيعي لتشكيل الحكومة قد أعاد اكتشاف انضباطه الذاتي».
إن المحافظين واعون بالفعل لحجم الهمة التي تواجههم في الانتخابات المقبلة في السادس من أيار (مايو). وحتى يحصل على أغلبية مطلقة، فإن على كاميرون أن يفوز بـ 117 مقعداً برلمانياً إضافياً، وهو معدل لم يحققه الحزب منذ عام 1931. وقد أكد وليام هاج، وزير خارجية حكومة الظل، والزعيم السابق للحزب على أنه «ليست هنالك مبررات للرضا عن الذات، ونحن لا ندعي لدقيقة واحدة أن ذلك موجود في جعبتنا».
يقول هاج كذلك «إن تلك الجرعة الكبرى من النزاهة» التي أظهرها المحافظون الأسبوع الماضي، تخاطر بتقليد بعض من جيش الناخبين الذين يلوحون بالأيدي ممن يحتاج الحزب إلى خطب مودتهم. ولا يريد المحافظون أن يعيد حديث الأسبوع المنصرم عن تخفيضات الإنفاق الحياة إلى ذكريات الفترة التاتشرية المتشددة في الثمانينيات، كما لا يريدون ذلك أن يعزز الصورة القديمة التي وصف الحزب نفسها بها بأنه «الحزب القبيح».
لقد كرّس كاميرون زعامته للحزب لغاية الآن لإزالة السموم عن العلامة المميزة لحزب المحافظين، حيث تبنى قضايا مثل البيئة، وحقوق الشواذ في جهد منه لتوفير ما أطلق عليه في الأسبوع الماضي، وصف «حزب المحافظين الحديث». وتضمن خطابه الختامي في مؤتمر الحزب هجوماً حماسياً على سياسة الحكومة إزاء الفقر كان بمثابة هجوم شرس للغاية على المواقع الحصينة لسياسات حزب العمال.
غير أن استطلاعات الرأي تفيد بأن إعادة التموضع هذه لم تقنع الجميع، حيث تبين من استطلاع أجراه في الأسبوع الماضي الموقع الإلكتروني «بوليتيك هوم» PoliticHome، أن 46 في المائة من الناخبين يعتقدون أن الحزب لم يتغير بصورة رئيسة عما كان عليه خلال آخر مرة كان فيها في السلطة.
لن تكون مخاوف المحافظين دون مبرر بخصوص هذا الأمر. ويجادل أحد وزراء حكومة الظل بأن النصر الانتخابي الباهر الذي حققه حزب العمال في عام 1997، حين تم دفع توني بلير بقوة إلى مقر الحكومة في 10 دواننج ستريت، بموجة من الحماس الشعبي، كان حدثاً يتم لمرة واحدة. ويفيد عدم ارتياح جمهور الناخبين بعد حالة السخط على نفقات أعضاء البرلمان أن من المتوقع أن تتحرك أصوات الناس رغبة في طرد من هم في المناصب، بدلاً من انتخاب خلفائهم، كما يقول.
يقول مهمهماً كذلك «كانت الحكومات المحافظة، على الدوام، تنتخب انطلاقاً من الحاجة إليها، وليس من محبتها. وسنكون في السلطة لإنهاء الفوضى التي جلبها حزب العمال». .

الأكثر قراءة