ضبط الجودة النوعية خليجيا لتأهيل العمالة الوطنية والوافدة وحماية الاقتصاد (3 من 4)

فوائد الأسلوب المقترح للدول
المستقدمة للعمالة:
إن ترتيبا هذا شأنه سيكفل بالضرورة أموراً تحرص عليها الدول المستقدمة وفي مقدمتها:
1- ضمان حد معين، ولو لم يكن لدى كل فرد، من الكفاءة المهنية لدى غالبية العمالة المستقدمة مما يرفع من مستوى أداء مؤسساتها الاستثمارية وبالتالي تحسين إنتاجها، مما يؤدي عادة إلى الرفع من عائدات استثماراتها كنتيجة حتمية لارتفاع مستوى كفاءة العاملين.
2- ضبط حجم القوى العاملة عند الحد الحقيقي للحاجة مما ينعكس إيجابا على الجوانب الاجتماعية والأمنية، كما يخفف من الضغط على خدمات البلاد في مجالات التعليم والصحة واستخدام الطرق واستهلاك الماء والكهرباء والوقود والمواد الغذائية.
3- لا يرتب أي التزامات مالية إضافية على دول الخليج نتيجة ارتفاع رواتب المستقدمين ذوي الكفاءات المناسبة، إذ سيغطى الفرق مما يوفر من رواتب العدد المقلص من العمالة غير المؤهلة الزائدة أصلا عن الحاجة من ناحية، ومن الزيادة المنتظرة في عائد الاستثمار من ناحية ثانية، أو مما يتوافر من الفواقد الناتجة عن تدنى أداء العاملين من ناحية ثالثة.
4- دعم البرامج المعدة لإعداد القوى العاملة الوطنية، إذ إن التعليم الفصلي يكسب المعرفة العامة دون الخبرة المتخصصة know – how التي لا تكتسب إلا بالممارسة. والحرص على رفع مستوى الأداء الفردي والكلي لمختلف النشاطات الاقتصادية في البلاد سيجعل من اكتساب المواطن للخبرة العملية الجيدة أمراً ممكناً. وبما أن أغلبية العمالة بمختلف مواقعها الوظيفية والمهنية حالياً في دول الخليج وافدة فلن تتمكن من المشاركة في تدريب القوى العاملة الوطنية كأحد أهداف استقدامها تدريباً عملياً ناجحاً وبمستوى يتفق مع تطلعات البلاد إلا إذا كانت تلك القوى العاملة التي تسير العمل حالي (أي المستقدمة من خارج البلاد بحكم الضرورة) ذات كفاءة عالية.
ومما يخشى منه، مع استمرار استقدام عمال من ذوي مستويات تأهيلية وأدائية وسلوكية مدنية، هو انتقال الخبرة الناقصة، إن لم تكن المتدنية إلى المواطن، علاوة على احتمال انتقال عدوى السلوك الأدائي غير القويم إلى المواطنين، مما سيكون له ثمن غال إما عند قبوله كأمر واقع وإما عند محاولة إصلاحه على الرغم من أن محاولة الإصلاح تلك لن تؤدي إلى الوصول به إلى المستوى المطلوب مهما بذل في سبيلها من وقت وجهد ومال.
فوائد الأسلوب المقترح للدول
المصدرة للقوى العاملة:

فوائد الترتيب المقترح ليست حكرا على الدول المستقدمة بل هي مناصفة بينها وبين الدول المصدرة للعمالة. ولقد اتضح لنا مما تناولناه بعاليه أبرز الفوائد التي ستجنيها الدول المستقدمة، وفيما يلي بعض الفوائد التي ستجنيها الدول المصدرة.
1- إتاحة الفرصة لبعض الكفاءات لديها لكسب معرفة جديدة ومهارات أعلى بحكم عملها في دول الخليج التي درجت على الأخذ بكل حديث سواء في مجال الصناعة أو غيرها. وهذا العائد المعرفي الذي لا يتأتى إلا بتكلفة مالية ستجنيه هذه الدول دون تكلفة، بل سيصاحبه عائد مالي مجز تستفيد منه البلاد ويسهم في رفع مستوى معيشة أسر هؤلاء العمال.
2- سيخفف من ضغط العمالة المؤهلة على شركاتها ومؤسساتها في بلدها طلبا لتحسين الرواتب أو ظروف العمل أو سواها مما قد لا تتمكن تلك الشركات والمؤسسات من تلبيته.
3- إيجاد فرص عمل لغير المؤهلين الذين يشكلون حاليا عبئاً اقتصاديا عليها والذين تستقدم نسبة منهم وتعاد إلى بلادها خلال فترة زمنية قصيرة دون أن يستفيد أي من الأطراف الثلاثة: البلاد المصدرة، البلاد المستقدمة، والعامل. والترتيب المقترح يسهم في تحسين مستوى معيشتهم من ناحية وتوسيع دائرة تطوير الموارد البشرية في هذه البلدان دون تحمل تكاليف مالية مقابل ذلك من ناحية ثانية، مما يحِّول تلك الطاقات المعطلة، وما ينتج عن وضعها ذاك من سلبيات اجتماعية واقتصادية، إلى طاقات منتجة.
4- سيرتفع العائد المادي الذي يحول إليها من دخول العاملين الوافدين منها وذلك على المستوى الفردي، مما قد يدخل تلك العائدات في شرائح تخضع لترتيبات مالية تستفيد منها الدولة.
5- إن عدم استقدام العمالة غير المؤهلة يصب في صالح الدول المقبلة منها أيضا إذ إن هذه العمالة عند قدومها إلى دول الخليج، رغم أن المؤسسات التي تستقدم عمالها تزودهم بتذاكر السفر من بلدانهم إلى مقار أعمالهم فإن مكاتب القوى العاملة في بلدانهم التي تتولى تسهيل تعاقدهم تتقاضى منهم، في الغالب، رسوماً عالية يضطر بعض العمال للوفاء بها إلى الاستدانة على ما سيتقاضاه من رواتب بعد وصوله إلى البلاد التي تعاقد للعمل فيها, وقد يتعذر ذلك على العامل فتظهر إشكالات بين العامل والمكتب مما يثقل على الدولة التي فيها تلك الحالات بأعباء أمنية وقضائية.
المشكلة بالنسبة للبعض من هؤلاء العمال تبدأ عند قومهم وثبوت عدم صلاحيتهم لتدني مستوى كفاءتهم، وتطبيق نصوص عقودهم التي تحتم عودتهم لبلدانهم كنتيجة طبيعية لذلك التدني، إذ يواجهون بمصاعب لا حصر لها عند عودتهم لبلدانهم لعدم قدرتهم على وفاء الديون التي استلزمها تسهيل حصولهم على عمل لم يجنوا منه ما حلموا به من أموال لأسباب قد لا يكون للمؤسسات التي تعاقدوا للعمل لديها صلة مباشرة بها.
في الحيلولة دون قدوم هؤلاء منعاً للتغرير بهم والإضرار بأسرهم، مما يعد كسباً لهم ولبلادهم وأهليهم، إذ من غير المنطق في شيء أن يُحمل هؤلاء المستقدمون تبعات قدومهم للقيام بأعمال لا يعرفونها فهم لم يحددوا شروط العقد ولم يحددوا متطلبات العمل من التأهيل العلمي والعملي. والمسؤولية هنا تقع على طرفين هما إما صاحب العمل لإهماله تحديد متطلباته أو لجهله وإما الوسيط في البلد المستقدم منه لعدم تقيده بمتطلبات صاحب العمل إن كانت محددة، أو لتقصيره في واجبه والتزاماته إذا كان صاحب العمل قد فوضه لانتقاء العمالة وفق مقاييس عامة، وترك له التفاصيل الدقيقة، أو الاثنين معا. بل إن عودة العامل إلى بلده تعد مفاجأة له إذ كيف قبلوا به عند التعاقد واقتنعوا بمناسبة تأهيله، وبعد قدومه معها بناء على مقاييسه، ولم يحدد العمل الذي سيتولاه بناء على ما ادعاه من كفاءة، بل إن الاختيار كان من قبل صاحب المؤسسة أو الشركة ووسيطه في التوظيف وذلك بناء على ما رأياه ملبياً للحاجة، إن كانت هناك مقاييس تذكر!
وفي حالات أخرى، ولأسباب إنسانية، تغض بعض المؤسسات المستقدمة، الطرف عن إعادة العامل غير المؤهل إلى بلاده، عندما يطلعها على ظروفه المحزنة أحياناً لكنها لا تلتزم بتوفير عمل له بحكم عدم ملاءمته لمتطلباتها، بل تترك له الفرصة للبحث عن عمل. ومن هنا تبدأ مشكلة أخرى تطول العامل نفسه والبلد الذي قدم للعمل فيه. فها هو العامل إنسان قليل التعليم متدني الوعي مطالب بديون وله أسرة تحلم بما سيرسل إليها من خبرات طال انتظارها ويرى نفسه عاجزاً عن ذلك، فما عسى أن يرجى منه وقد خابت آماله في عمل تكبد الكثير في سبيل الحصول عليه، علاوة على كونه طليقاً في البلد دون رقيب؟ مهما شطح خيالنا في تصور ما قد يقدم عليه من أفعال تضر بأمن البلد واقتصاده فلن يتعدى خيالنا حدود المحتمل المؤكد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي