الوعد وعد يا أبا الحسين؟

كنا نظن أن باراك حسين أوباما سيسعى إلى الإيفاء و لو بقسط يسير من وعوده الانتخابية من أجل إحداث تغيير جوهري في السياسة الأمريكية الخارجية عند ما يتولى زمام الأمور، خلفاً لحكومة الجمهوريين التي انتهجت طول بقائها في الحكم سياسة عدوانية ومُتعجرفة أفقدت أمريكا هيبتها وأحدثت دماراً هائلاً في العراق وأفغانستان وفوضى عارمة في بلاد الباكستان، وأخيرا وليس آخراً، تحيزاً فاضحاً للدولة الصهيونية ضد مصالح وحقوق الشعب الفلسطيني المظلوم. ومن غير ما هداه الله، أصرَّ أوباما, عن قِلَّة خبرة, على مواصلة الحرب المجنونة في أفغانستان. وإمعاناً في تثبيت تورطه في تلك الحرب غير العادلة دفع بقوات إضافية ستزيد الأمور هناك تعقيداً. ولو أنه اطَّلع على تاريخ بلاد الأفغان أو استشار عقلاء قومه لوجد أنه سيخوض حرباً خاسرة و أن أرضهم ستكون مقبرة لجنوده كما حدث لمنْ سبق أمريكا في محاولة إخضاع تلك الأمة لحكم أجنبي، وآخرهم الاتحاد السوفياتي ومن قبلهم الإنجليز. وهو سيُدرك ذلك و لكن في وقت مُتأخر، كما أدرك الرئيس الأمريكي نكسون خطورة الاستمرار في الحرب الفيتنامية في أوائل السبعينيات الميلادية واضطُُرَّ إلى توقيع اتفاقية “هروب” مُهينة من فيتنام. ومنْ يدري، ربما أن جنرالات الحرب في العراق يعودون و”يُدردشون” على الرئيس أوباما ويُقنعونه بضرورة تمديد بقاء القوات الأمريكية مدة أطول هناك، وهذه نكبة على أمريكا وعلى الشعب العراقي.
ومُنذ 11 من أيلول (سبتمبر) عام 2001م، أصبحت باكستان أول ضحايا ذلك الهجوم الأهوج الذي أعطي حكومة المحافظين المتطرفين في أمريكا تبريراً للقيام بحروبها العدوانية المدمرة في بلاد المسلمين، عند ما أطلق بوش قولته المشهورة : منْ ليس معنا فهو ضدنا. فهدد الحكومة الباكستانية إذا لم تقف في صف أمريكا ضد حركة ما يُسمى بالقاعدة وضد أفغانستان التي كانت تأوي عناصر القاعدة. ومنذ ذلك اليوم وأمريكا تسوم الباكستان، حكومة وشعباً، سوء العذاب وأوقعت بينهم وبين إخوانهم الأفغان في مُناوشات قتالية لا يزال كلا الطرفين يُعاني آثارها. وكنا نود أن يكون باراك أوباما أكثر حكمة من سابقه وأرجح عقلاً، فيخفف الضغوط الأمريكية على باكستان التي دفعت ثمناً غالياً من أجل إرضاء أمريكا وخدمة لمصالحها العدوانية. فباكستان في حاجة اليوم إلى مُراجعة حساباتها ومُصالحة قبائلها وجيرانها قبل أن تصل الأمور إلى نقطة لا رجعة. ولن يتم لها ذلك إلا بمساعدة إيجابية، مالية وسياسية، من الحكومة الأمريكية اعترافا بفضلها خلال السنوات الماضية، ويكون ذلك من ضمن حل شامل وإنهاء للتدخل الغربي غير المُبرَّر في أفغانستان الجريحة. وإذا أنكم فعلاً تُريدون الخير للأفغان، فبدلاً من قتلهم وتدمير بلادهم، قاتلكم الله، امنحوهم نسبة قليلة من تكاليف الحرب الباهظة كمساعدة اقتصادية واتركوهم في سبيلهم وحافظوا على حياة جنودكم.
وقد وعد أخونا باراك حسين أوباما أثناء حملته الانتخابية الناجحة بأن يوجد حلاًّ للقضية الفلسطينية، ولم يُوضِّح آنذاك كيف سيتصرف مع قضية مضى عليها مُعلقة أكثر من 60 عاماً، مع استمرار عدوان غاشم من طرف واحد، ضد شعب أعزل سُلبت منه الأرض والحرية. وتبين الآن أن الرجل لم يكن يملك رؤية واضحة عن الوضع في فلسطين وتعقيدات قضيتها، وربما أنه كان يُفكر بأن لديه عصى سحرية يهُشُّ بها على القوم من الطرفين وينتهون بالصلح. ولم يدُر بخلده، كما نظن، أنه سيتعامل مع جنس من البشر لا يحفظون العهود ويرون أن من حقهم الاستيلاء على حقوق الآخرين وأهدافهم العدوانية لا حدود لها، فهم لا يودون تقييد حريتهم بأي حدود جغرافية. والمسكين اجتهد في نطاق إدراكه وأرسل رجلاً “مُحنكاً” إلى المنطقة لعله يستطيع جمع الأطراف على موقف يُرضي أصحاب الشأن من الطرفين. وبعد مُحاولات عديدة وجد أوباما أن القضية أكبر بكثير مما يستطيع عمله، فانصرف، أو قل تراجع إلى محاولة إقناع الدول العربية أن تُطبِّع علاقاتها مع إسرائيل، دون أي مُقابل على الإطلاق، وهذا ما لم يكن مقبولاً ولا ممكناً.
ما هكذا تُعالج الأمور يا سيد البيت الأبيض. لقد كان عليك، ما دمت آمنت بضرورة حل القضية الفلسطينية من أجل مصلحة أمريكا القومية، أن تبدأ بالمنظمات المؤيدة لإسرائيل في أمريكا و تُقنعها بأن حل هذه القضية المستعصية هو دون شك مكسب للمصالح الأمريكية التي هم أنفسهم جزء منها. وتطلب منهم الضغط على إسرائيل بقبول الحلول العادلة والمُتاحة وإلا فإن المساعدات الأمريكية ستتوقف، نعم تتوقف. ومن هنا تبدأ رحلة المفاوضات الجادة.
إسرائيل يا أوباما، ليست دولة بالمعنى الحقيقي، فهي تضم مجموعة من شواذ البشر، كانوا إلى عهد قريب مُبعثرين في أقطار المعمورة، يعيشون داخل أحياء خاصة مُنفصلين عن بقية السكان، وكانوا في معظم الأحوال راضين عن وضعهم الاجتماعي. وفُجأة ظهرت الحركة الصهيونية تُنادي بإيجاد موطن جديد يضم شتات اليهود. وقد وقع نظرها على عدة أماكن حول العالم حتى استقر أمرها، بمساعدة مُباشرة من دول الاستعمار الغربي، على اختيار أرض فلسطين كموطن لليهود، ينزحون إليها على حساب أصحاب الأرض الأصليين. وتمرُّ السنون ويستولون على كل شبر يستطيعون القبض عليه. وها هم اليوم يدَّعون أنهم هم الأصل وأن الشعب الفلسطيني لا مكان له بينهم، فليذهب إلى الجحيم. ليس ذلك فقط يا أوباما، بل طبقوا على الفلسطينيين ما فعله الألمان باليهود، إن صدقت الروايات، من قتل وتعذيب وتجويع وبتر أعضاء، وكأنَّ الألمان من أصل فلسطيني. واستطاعت الصهيونية العالمية بنفوذها المالي والإعلامي أن تضع مُخدراً قوياًّ لزعماء الدول الغربية حتى لا يشعروا بالظلم الفاحش الذي يُعانيه الشعب الفلسطيني تحت مظلة احتلال عنصري بغيض.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي