ملاحظات حول تجربة حزب الوسط في مصر

في عام 1996 تقدمت مجموعة من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في مصر بطلب إلى لجنة شؤون الأحزاب لتأسيس حزب سياسي شرعي باسم "حزب الوسط" ناب عنهم كوكيل للمؤسسين المهندس أبو العلا ماضي القيادي المنتمي لجيل الوسط (جيل السبعينيات) بالجماعة. ولم تتوقف المشكلات التي واجهت أول محاولة من الإخوان المسلمين في مصر لتأسيس حزب سياسي عند حملة الاعتقالات الواسعة التي تلتها في ذلك الوقت ولا عند الرفض الذي لاقاه الطلب من لجنة شؤون الأحزاب بعد نحو عامين، ولكنها امتدت إلى المجموعة التي تقدمت به حيث أعلنت قيادة الجماعة فور التقدم بالطلب الرسمي أنه لا يعبر عنها وسحبت الأغلبية الساحقة من المؤسسين الموقعين عليه تاركة المهندس أبو العلا ماضي وعدد ضئيل للغاية من أعضاء الجماعة الذين أعلنوا خروجهم عنها لكي يخوضوا المحاولات التالية المتكررة لتأسيس الحزب.
وبغض النظر عن الروايات المتعددة للأطراف المختلفة حول علاقة جماعة الإخوان بأول محاولة لتأسيس حزب الوسط ومسؤولية كل منها عنها، فإن ما صار مؤكداً منذ ذلك الوقت أن مشروع حزب الوسط ليس له أي علاقة بجماعة الإخوان المسلمين، وأنه مشروع مستقل عنهم متميز بسمات أخرى جديدة لا علاقة لها بالسمات المعروفة للجماعة العريقة. وقد ظلت هذه السمات ملازمة لمشروع الحزب وراحت تزداد وضوحاً خلال الأعوام الثلاثة عشرة التي شهدت أربع محاولات لتأسيسه رسمياً فشلت جميعها، وكان آخر رفض رسمي ذلك الذي أعلنته لجنة شؤون الأحزاب قبل أسابيع قليلة.
من هذه السمات أن المجموعة التي تشكل منها الحزب منذ تجربته الأولى وحتى الرابعة تمحورت حول الجهود الكثيفة التي قام بها وكيل مؤسسيه المهندس أبو العلا ماضي وعدد قليل للغاية من الأعضاء السابقين بجماعة الإخوان المسلمين، إضافة إلى عدد آخر من المؤسسين الذين لم تكن لهم أي علاقة تاريخية أو تنظيمية بالجماعة. وقد أضيف إلى المؤسسين في المحاولة الرابعة عدد من الأعضاء السابقين في جماعة الإخوان المسلمين، والذين انشقوا عنها بصورة علنية ومارسوا ضدها انتقادات عنيفة في مختلف وسائل الإعلام. ومن المؤكد أن الخلاف الفكري والشخصي بين القياديين السابقين والمنضمين الجدد من المنشقين عن الإخوان من ناحية وجماعة الإخوان من ناحية ثانية قد وصل إلى مستوى ومس نقاط يصعب عندها تحقيق مصالحة أو أي توافق فكري أو سياسي أو تنظيمي بين الطرفين رغم السمة الإسلامية العامة التي يأخذها حزب الوسط ومؤسسوه. كذلك فمن الواضح من السمات الشخصية والاجتماعية لمعظم قيادات ومؤسسي حزب الوسط أننا أمام تجربة فكرية – سياسية ثرية أكثر منها تجربة تنظيمية - حزبية قوية. فالغالبية من القيادات والمؤسسين هم من المنتمين للنخبة السياسية والثقافية والمهنية المصرية سواء على المستوى القومي أو مستوى المحافظات التي ينتمون إليها، وقليل منهم فقط يمكن اعتباره كادراً سياسياً حركياً يملك الخبرة والقدرة على تشكيل وقيادة تجمعات تنظيمية حزبية.
يرتبط بالخاصية السابقة أن التميز الرئيسي للحزب وبرامجه المتعاقبة هو أنه يطرح أفكاراً مستنيرة ومتقدمة ومتوافقة مع ما يقرره الدستور المصري ومواثيق حقوق الإنسان المحلية والعالمية فيما يخص الديمقراطية والمساواة والمواطنة والحقوق الأساسية للإنسان من الناحية السياسية والاجتماعية، وذلك بالاستناد إلى تفسيرات منفتحة وحديثة للفكر الإسلامي. وما يؤكد هذا المعنى هو أن قرارات لجنة شؤون الأحزاب الأربعة برفض تأسيس الحزب لم يكن من بينها ما يستند إلى خروج برنامجه عن تلك المبادئ السابقة. ويعد الحزب بذلك من التجارب المهمة للغاية في الحالة المصرية التي نجحت في صياغة رؤية سياسية ذات خلفية إسلامية وتتفق في الوقت نفسه مع الحقوق الأساسية للمواطنين دون تمييز كما أوردتها أحكام الدستور وشرائع حقوق الإنسان.
من الواضح أيضاً من ملاحظة السلوك السياسي لقيادات الحزب خلال السنوات الثلاث عشر الماضية أنهم يتميزون بالانفتاح الواسع على مختلف مكونات الحياة السياسية المصرية على اختلافها وأن لديهم قدرة على بناء علاقات جيدة معها تتسم بدرجة عالية من الثقة بالرغم من الاختلاف الفكري والإيديولوجي الواضح الذي يوجد فيما بينهم. كذلك فقد حرصت قيادات الحزب ومؤسسوه منذ محاولة تأسيسه الأولى عام 1996 على عدم الانتقال إلى مرحلة الممارسة السياسية الواقعية تحت شعار "حزب تحت التأسيس"، كما فعلت أحزاب أخرى في مصر، وظلوا حريصين على أن يقصّروا جميع أنشطتهم على ما يقرره القانون في شأن الأحزاب تحت التأسيس دون تجاوز واحد يؤخذ عليهم. وحتى في الأنشطة السياسية المباشرة التي انخرط فيها وكيل المؤسسين وعدد قليل من قيادات الحزب خلال الأعوام الماضية، فهم لم يفعلوا ذلك باسم الحزب ولكن بصفاتهم الشخصية والعامة.
توضح الخصائص السابقة لحزب الوسط أننا أمام تجربة ذات طابع فكري ونخبوي تكتسب أهميتها الرئيسية من التجديد والتحديث الذي أدخلته على الفكر السياسي المرتبط بالمرجعية الإسلامية في مصر. وفي حال سمح للحزب بالتأسيس الشرعي فإنه مرشح للقيام بدور فعال في طرح تحديات فكرية وسياسية حقيقية على بقية مكونات التيار الإسلامي السياسي في مصر وبخاصة جماعة الإخوان المسلمين، التي ستكون مضطرة للتفاعل معها بطريقة مختلفة يمكن لها أن تؤدي - ولو على المدى الطويل - إلى إدخال تعديلات مهمة على بعض الأفكار السياسية التقليدية والمحافظة التي لا تزال الجماعة متمسكة بها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي