هل الجمعيات الخيرية بحاجة لإعادة هيكلة كاملة؟

هل الجمعيات الخيرية بحاجة لإعادة هيكلة كاملة؟
هل الجمعيات الخيرية بحاجة لإعادة هيكلة كاملة؟
هل الجمعيات الخيرية بحاجة لإعادة هيكلة كاملة؟
هل الجمعيات الخيرية بحاجة لإعادة هيكلة كاملة؟

يبدو أن- مؤسسات العمل الخيري التي تساعد الفقراء ليكونوا أغنياء، بحاجة هي الأخرى إلى المساعدة لتتحول من ''دكاكين'' تقدم مواد استهلاكية - على حد وصف مراقبين - إلى مؤسسات قادرة على الأداء وتغيير واقع العمل الخيري ليكون أكثر تأثيرا كما يتضح من مجمل آراء المستطلعة آراؤهم في هذا التحقيق.
وتبدو الجهود لمكافحة الفقر كبيرة حين تنظر إليها كمراقب من قريب وترى تفاصيلها بوضوح، غير أن نظرة واحدة من بعيد بإمكانها أن تضعك في تصور آخر يرى اتساع دائرة الفقر بشكل يفوق العمل الجاري على تقليصها، أو كما يقال ''الشق أكبر من الرقعة''، وذلك مع واقع عالمي تتسع فيه الهوة بين الطبقات وتتحول معه كثير من الأسر من أسر متوسطة الدخل إلى فقيرة نتيجة عوامل كثيرة ليس هذا محل نقاشها.
''الاقتصادية'' اليوم تستكمل حلقات ملفات الجمعيات الخيرية في المملكة وما يواجهها من معوقات ومشكلات تحدّ من تأدية دورها المنوط بها، من خلال استعراض آراء مختصين ومهتمين بالشأن الخيري... فإلى التفاصيل:

20 ألف أسرة فقيرة

يؤكد إياد شكري مدير الإعلام في المستودع الخيري في المدينة المنورة، أن 20 ألف أسرة تأخذ احتياجاتها شهريا من المستودع الخيري على شكل سلال غذائية بسيطة ومشاريع تأهيل ضرورية لأسر تصنف ضمن فئة الفقر المدقع كونها تضطر لأخذ سلال غذائية بالكاد تكفي مؤونة شهر غير أن الخبر الأكثر سوءا هو أن مجاميع كثيرة من الأسر تقف وفقا لشكري في طوابير الانتظار للدخول في قائمة النفقات الشهرية لمستودع محدود الإيرادات.
ويكتفي المستودع الخيري بإيرادات تأتيه من المحسنين في القطاع الخاص ويستقبل إضافة إلى ذلك بعضا من مساعدات الدولة العينية كالتي أمر بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في شتاء عام 2008 للفقراء والمعوزين من مختلف مناطق المملكة.
تتكون السلال الغذائية التي يقدمها المستودع وفقا لشكري من أكياس مختلفة الأحجام وفقا لحجم الأسرة التي يؤكد المسؤول في المستودع الخيري أن بعضها يضم 40 فردا منقطعي الإيرادات وتتنوع الأكياس الغذائية بين الأرز والسكر والدقيق إلى جانب كمية كافية من زيوت الطبخ والمشروبات والأغذية الأساسية ويقود المستودع حملة تثقيفية وتوعوية تتضمن الدعوة إلى حسن التدبير الاقتصادي وعدم الإسراف حفظا للنعم وهو أمر لقي استحسان الجميع واعتبر تحولا في الثقافة الداعية دوما للعطاء دون اهتمام بدواعي الاقتصاد.

#2#

24 مليونا لسد الاحتياجات

يلفت إياد شكري إلى أن المستودع لكي يغطي احتياجاته في المدينة المنورة هو بحاجة إلى نحو 24 مليون ريال سنويا إذ تتمثل المصروفات الشهرية لسلال الغذاء والبرامج التأهيلية التي يقدمها المستودع الخيري بنحو مليوني ريال للمدينة المنورة ومحافظاتها والقرى المجاورة.

مساعدات مالية

من جهتها، تقدم جمعية البر في المدينة المنورة شهريا مساعدات مالية بنحو نصف مليون ريال تنحصر داخل إطار المدينة النبوية وتصرف على آلاف الأسر التي يثبت عجز عائلها وضعف إمكاناتها المادية وعدم وجود مصدر تمويل حكومي.
ويشير تقرير جمعية البر في المدينة المنورة لعام 1428 هـ إلى أن إيرادات العام المالي بلغت قرابة 10 ملايين ريال مضافا إليها إعانات حكومية سنوية تقدر بنحو مليون ريال منها 600 ألف ريال تقدم سنويا و350 ألف ريال إعانة وزارة الشؤون الاجتماعية للتدريب والتأهيل فيما المبلغ المتبقي قدم كمساعدات طارئة للجمعية فيما تمثلت الإيرادات المتبقية من مجموع التبرعات النقدية والصدقات الجارية والزكاة النقدية .
وتصرف الإيرادات السنوية للجمعية كمساعدات شهرية دائمة لفقراء المدينة تقدر بأكثر من 5 ملايين ريال ومساعدات طارئة قدرت حينها بنصف مليون ريال فيما مشاريع التعليم والتدريب والتأهيل استنزفت قرابة مليوني ريال.

#3#

أفكار جديدة لمكافحة الفقر

لم تظهر أفكار جديدة في مكافحة الفقر من جانب الجمعيات الخيرية في المدينة المنورة غير أن المهندس يحيى سيف مدير جمعية الخدمات الاجتماعية يؤكد وجود أفكار في اقتراح المشاريع التنموية الجادة التي ترفع اقتصاد المنطقة بشكل عام غير أن المشاريع التطويرية التي حصلت حتى الآن هي بحاجة بحسب سيف إلى المراجعة لمعرفة كيف يمكن الإفادة بشكل أكبر من المشاريع الخيرية.
ويلفت يحيى سيف إلى أن مشكلة المشاريع التي تطرح أنها تفترض أن النجاح الذي يحقق في منطقة جغرافية ما من العالم يمكن له أن يتحقق في بلد آخر بذات القوة متناسين الطبيعة المختلفة لكل بلد بل إنه زاد إلى القول إن المناطق المحلية المختلفة في جغرافيتها وطبيعة اقتصادها تختلف في قدرتها على استقطاب المشاريع من منطقة إلى أخرى في البلد ذاته فالمشروع الذي ينجح في جازان ليس بالضرورة أن ينجح في مكة أو في المدينة واللتين لهما طابع اقتصادي خاص يميز كلا منها.

ضرورة مراجعة المشاريع

أكد المهندس سيف على ضرورة مراجعة هذه المشاريع التي يبدو أنها لم تنقصها النوايا الجيدة ولكنها أخذت كثيرا بالتنظير وفقا لسيف الذي أكد مرة أخرى على ضرورة وضع الميدانيين الذين يباشرون حالات الفقر في الصورة ناصحا بأن تتم مراجعة الخطة لتحقق كامل أهدافها.
ويرى عبد الغني الأنصاري رئيس مجلس المسؤولية الاجتماعية التابع للغرفة التجارية في المدينة المنورة أن العمل الخيري سواء كان لجهة الجمعيات المختصة أو كان لجهة المؤسسات الخاصة المقدمة لبرامج المسؤولية الاجتماعية هو بحاجة إلى مراجعة عامة، وصفها بجلسة شفافية كبيرة.

#4#

أهمية التطوير
وعاب الأنصاري على مؤسسات العمل الخيري عدم تطورها وتشتتها رغم وحدة أهدافها كما هو معلن وعلل ذلك بأن الذين يقومون غالبا بإدارته يحتاجون هم بدورهم إلى تطوير كما أن العمل الخيري برمته بحاجة إلى إعادة تقييم ونحن بواقعنا الحالي وفقا للأنصاري لا نمتلك أدوات تقييم فضلا عن أدوات المراقبة والمحاسبة.

غياب العمل الإبداعي

ويقول الأنصاري وهو المراقب لمؤسسات العمل الخيري منذ نحو عقدين أنه من بين نحو 400 جمعية في المملكة يبدو العمل الإداري الإبداعي مفقودا في جل هذه المؤسسات مؤكدا أهمية هذا العنصر لتقديم عمل خيري يلقى قبولا لدى الجميع ويؤثر في المجتمعات الحاضنة له مدللا بذلك على مؤسسات انتهجت هذا الفكر واكتسحت هذا المجال وكسبت ثقة الجميع مثل جمعية ''إنسان'' وجمعية النهضة الخيرية إلى جانب عدد قليل من المؤسسات التي استطاعت أن تكتسح العمل الخيري وأن يكون لها اسم قوي في مشاريع العمل الخيري.
ويشير الأنصاري إلى أن المقياس في مثل هذه التصنيفات يعود أولا إلى حسن الإدارة وتفعيل الجانب الإبداعي في مشاريعها ثم إلى قدرة هذه المؤسسات في تحويل الفقراء في مجتمعها إلى أغنياء لافتا إلى أنه رغم مراقبته الطويلة لمسيرة العمل الخيري لم يشاهد أو يسمع عن جمعية خيرية أو مؤسسة خاصة أعلنت صراحة عن عدد الفقراء أو المحتاجين الذين دعمتهم في عام وجعلتهم يكتفون ويدخلون في خط الأسر الطبيعية متوسطة الدخل القادرة على كفاية نفسها ويخرجون من دائرة الفقر.

أهمية خطط مدروسة
يؤكد الأنصاري على أهمية أن تكون للجمعيات خطط مدروسة تضع في حسبانها تخفيض حد الفقراء الذين يدخلون في برامجها إلى النصف مثلا في عدد من السنوات يكون بإمكان المؤسسة حينها أن تأخذ بأيدي القادرين من هؤلاء الفقراء وتدربهم وتبتكر لهم الحلول ليكونوا عناصر فاعلة في المجتمع بدلا من أن تبقى علاقتهم بهذه المؤسسات أشبه بالعلاقة مع المطاعم ومحال الملابس التي تقدم فقط ما يمكن استهلاكه .

الجمعيات كالمطاعم

يشبه الأنصاري حال 90 في المائة من الجمعيات الخيرية بحال المطاعم ومحال الملابس كون هذه الجمعيات لا تقدم سوى ما يحتاج إليه الفقير للاستهلاك غير أن الفرق الوحيد بينهم يبقى أن الخدمة هنا مجانية وتستلزم فقط التسجيل الذي يستلزم هو الآخر في كثير من الأحيان بعضا من الوسائط البشرية والمادية واستدرار عطف القادرين المحسنين.. وعاب الأنصاري على تلك الجمعيات بعدها عن المنهج النبوي الكريم المتلخص في ''حديث الفأس'' والذي يعنى بتحويل الفقير العاطل إلى غني منتج.

خلل إداري مخيف

يشخص رئيس مجلس المسؤولية الاجتماعية الخلل الحاصل في مؤسسات العمل الخيري والذي يحد من عطاءاتها المتدفقة ملخصا ذلك بالقول إنه طالما أن الجمعيات الفاعلة من بين 400 جمعية خيرية هي جمعيات قليلة تعد على أصابع اليد الواحدة فإن المشكلة إذن أن هناك خللا إداريا مخيفا في عملية إدارة العمل الخيري لا تتناسب مع الحاجة لتطويره واتساع الحاجة له وكذلك لوجود فكر إداري في آلية عملها لا يتناسب مع لغة العصر ويعاب على هذه الجمعيات عدم الاستعانة بمؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الخاصة لتطوير نفسها.

إعادة هيكلة كاملة

يطالب الأنصاري بإعادة هيكلة كاملة لمؤسسات العمل الخيري تبدأ من أصغر موظف وحتى مجلس الإدارة الذي يفضل الأنصاري أن يكون منتخبا ليضمن تجدد الدماء في هذه المرافق الحيوية التي تتطلب تجديدا مستمرا وذلك كله تحت مظلة وزارة الشؤون الاجتماعية ويخلص رئيس مجلس المسؤولية الاجتماعية في المدينة المنورة إلى القول ''رغم كل التباطؤ والعوائق العارضة لمسيرة العمل الخيري إلا أن هذه الجمعيات الخيرية المنتشرة في جميع أنحاء المملكة تبقى هي الرئة التي تتنفس منها مجتمعاتنا وتشعر معها بتكافل أفرادها إذ لا يمكن الاستغناء أو التخلي عنها''، راجيا ألا يبخل الجميع عن هذه المؤسسات في تقديم أي مساعدة مادية أو معنوية في سبيل تحقيق أهدافها.

ثقافة العمل التطوعي

يبقى الجدل دائرا في أروقة مؤسسات العمل الخيري بين أولوية التطوع في هذا المجال على غيره من المزايا الخاصة بالكفاءات وهنا تحسم آسيا آل الشيخ أول سعودية متخصصة في مجال المسؤولية الاجتماعية هذا الجدل لتؤكد أن ثقافة العمل التطوعي يجب ألا تكون محصورة في مجموعة صغيرة ويجب أن تقدم بداية لطلبة المدارس لتشكيل وعيهم بواجباتهم وتحبيب التطوع في نفوسهم غير أن الأهم حين بناء المؤسسات العاملة في هذه المجالات أن ينتخب الأفضل والأكفأ لإدارة شؤونها.
وتقول آسيا آل الشيخ إن ما ينقصنا بالفعل ليس التطوع فقط بل هو الفكر الاحترافي للمؤسسات المهتمة بهذا المجال، وتلفت إلى أنه من المهم النظر إلى الكوادر العاملة في هذا المجال على أساس الكفاءة.فيما يؤكد عبد المحسن الحربي مدير مؤسسة مكة المكرمة الخيرية لرعاية الأيتام على أهمية التطوع بالدرجة الأولى كونه يملك تجربة ميدانية جعلت منه ينظر إلى زملائه الميدانيين المتطوعين بعين الإجلال وهم يؤدون واجبات كبيرة ومرهقة إلى ساعات طويلة لافتا إلى أن الأهم دائما في العنصر البشري هو التطوع .وفيما يؤكد الحربي على أهمية إخلاص النية في العمل الخيري تضيف آسيا آل الشيخ إلى ذلك بعدا آخر هو تأهيل العاملين في مؤسسات العمل الخيري وتقول ''بما أننا في مملكة الإنسانية فهناك نوايا حسنة كثيرة من جانب الجمعيات لكن عملا فعالا يحدث تغييرا إيجابيا كبيرا في المجتمع لم نره حتى الآن''.
وعللت آل الشيخ ذلك بأن العمل الفعال يجب أن يكون عملا متكاملا تقوم عليه جهات عدة وهو أمر لم يحصل بعد.
وأشارت آل الشيخ إلى عدم المرونة باعتبارها أبرز تلك العوائق التي تحد من عمل الموظفين وبالتالي المؤسسات الخيرية في اتخاذ القرارات الجريئة التي تحدث أثرا فعالا وقدمت تصورا كاملا في الحل يلخص تجارب الدول العربية المجاورة ويقدم خبراتها للجمعيات الحديثة في المملكة.وتلفت آل الشيخ إلى أن التشبيك بين الجمعيات باعتباره خطوة ثالثة تخطوها المجتمعات في سبيل تفعيل ثقافة العمل الخيري الجماعي بعد خطوتي إرساء ثقافة العمل التطوعي وخطوة تأهيل العاملين في هذا المجال.وقالت إن التشبيك بالطريقة التي رأيتها في دول عربية مثل مصر والأردن هو عمل رائع حيث ترى الجمعيات وهي تكمل بعضها البعض من حيث الأدوار وتعطي تجاربها لبعضها البعض لكي لا تتكرر الأخطاء ولكي يكون العطاء متدفقا ومستداما.

الأكثر قراءة