قدرات أمنية عالية.. وملاحظات الشبكة الإرهابية الأخيرة

يثير كشف السلطات الأمنية السعودية عن شبكة جديدة من قيادات تنظيم القاعدة بالمملكة بالتفاصيل التي حملها البيان الرسمي وتصريحات المسؤولين الأمنيين السعوديين ملاحظات عديدة حول تطور ظاهرة الإرهاب في السعودية حالياً وفي مناطق أخرى عديدة من العالم.
والملاحظة الأولى الرئيسية تتعلق بالوضع الحالي الذي يمر به فرع تنظيم القاعدة في السعودية، حيث تأتي العملية الأمنية الأخيرة بالعدد الذي شملته من الموقوفين، وهو 44 شخصاً منهم واحد فقط غير سعودي، لتمثل استمراراً لجهود أمنية كثيفة تواصلت خلال السنوات الثلاث الماضية منذ عام 2006 استطاعت أن توقع المئات من قيادات وأعضاء القاعدة في المملكة، سواء بالقتل أو الاعتقال، الأمر الذي انعكس بصورة واضحة على الانخفاض الحاد في العمليات الإرهابية التي يقوم بها التنظيم في المملكة بعد أن كانت معدلاتها قد تزايدت بوضوح خلال الأعوام من 2003 إلى 2006. كذلك فإن العملية الأمنية الأخيرة تأتي كسابقاتها كعملية إجهاضية مبكرة لمجموعات مهمة من التنظيم تم اعتقال أعضائها قبل أن تتمكن من القيام بتنفيذ أي من الهجمات التي أُعلن أنهم كانوا بصدد التخطيط والإعداد لها، الأمر الذي يشير إلى تنام واضح في قدرات الأجهزة الأمنية السعودية على جمع المعلومات ورصد التحركات واختراق المجموعات التابعة والقريبة من القاعدة بصورة دقيقة ومبكرة بما يكفي لقيامها بدورها الأساسي في منع وقوع الجرائم وليس فقط في كشف واعتقال من يقومون بها بعدها.
ومع ذلك، فإن ملاحظة أخرى تثيرها القضية الأخيرة وهي تتعلق بعدد السعوديين فيها، حيث هناك 43 سعودياً وواحد فقط أجنبي، وهو الأمر الذي تكرر بصور مختلفة في القضايا الأخيرة التي أعلن عنها خلال الشهور السابقة، حيث كانت نسبة الحاملين لجنسيات أجنبية بين الموقوفين والمنتمين لتنظيم القاعدة في المملكة أكبر بكثير في الأعوام الأولى لنشاط التنظيم بدءاً من عام 2003. ويعني هذا أنه على المستوى الأمني تحقق ردع كاف حال دون تسرب عناصر القاعدة غير السعودية إلى المملكة وحال أيضاً دون اقتناع وانضمام نظرائهم المقيمين في المملكة إلى دوائر التنظيم. ويبقى بعد ذلك أن أفكار القاعدة ونموذجها لا يزالان يمثلان نقطة جذب لبعض فئات الشباب السعودي الذين ينضم البعض منهم إليها فيما يدعمها البعض الآخر فكرياً أو مالياً أو لوجيستياًَ كما أشار البيان الرسمي السعودي. وترتبط هذه المسألة بتطور آخر نشأ في الشهور الأخيرة، حيث رأى بعض المحللين أن القاعدة في السعودية راحت تنقل نشاطها تحت وطأة الضربات الأمنية إلى جنوب الجزيرة العربية، خصوصاً إلى اليمن، وهو الأمر الذي ربما تنفيه العملية الأخيرة، وما سبقها من عمليات أمنية سعودية، حيث يبدو واضحاً أن المملكة تظل هدفاً رئيسياً بالنسبة لتنظيم القاعدة، سواء العالمي أو المحلي، نظراً للمكانة السياسية والرمزية والدينية التي تتمتع بها، وهو ما يظهر مع الإصرار على اختراق فئات شبابها وتشكيل مجموعات وخلايا تابعة للقاعدة فيها.
وترتبط بالملاحظة السابقة ملاحظة أخرى تتعلق بطبيعة المعتقلين السعوديين في العملية الأخيرة، حيث أشارت تصريحات أمنية إلى أن من بينهم 30 قيادياً يحملون شهادات جامعية وأخرى عليا منها الماجستير والدكتوراه. والحقيقة أن انجذاب هذه الشريحة من المتعلمين إلى الجماعات الإسلامية المتطرفة هو أمر بات متكرراً في عديد من البلدان خلال السنوات الأخيرة، فهو موجود في بلدان المغرب العربي وفي الأردن وفي فلسطين وكان قبلها موجوداً في مصر بوضوح. كذلك ففي معظم هذه الحالات كان هؤلاء المتعلمون المنضمون لجماعات العنف والتطرف من المؤهلين في كليات عملية مثل الطب والهندسة والإلكترونيات وليس الكليات التي تدرس العلوم النظرية الاجتماعية والإنسانية والدينية، وهو الأمر الذي يفسر في عديد من الأحيان سهولة جذبهم للأفكار والتنظيمات الدينية المتطرفة التي تروج أفكاراً بسيطة جذابة لا يملك هؤلاء بحكم نوعية تعليمهم العلمي من خبرة كافية لتحليلها أو نقدها بما يجنبهم الاقتناع بها. وفي كثير من تلك الحالات كان هؤلاء المنضمون للجماعات العنيفة والمتطرفة أيضاًَ على شاكلة من ألقي القبض عليهم في العملية الأمنية الأخيرة من الناحية الاجتماعية، أي أنهم من الطبقات الوسطى والعليا ذات القدرة المادية المتيسرة، وهو الأمر الذي قد يجد تفسيره في رغبتهم في استكمال مقومات الحياة المادية الكبيرة التي يملكونها بالرغبة في لعب أدوار على الصعيد السياسي والديني تعطيهم مزيداً من الشعور بالتميز الاجتماعي الذي يعيشون فيه بالفعل. وترتبط الملاحظة الأخيرة بالسابقة وبقضيتي الإمكانات الفنية والتمويل التي تتوافر للمجموعات المماثلة لتلك التي ألقي القبض عليها في السعودية قبل أيام. فهذه الطبيعة الاجتماعية المقتدرة لأعضاء المجموعة وطبيعة تأهيلهم العلمي العالي يفتحان أبواباً واسعة أمامها والمجموعات المماثلة للحصول على إمكانات مالية وفنية قد لا تتوافر لمجموعات أخرى تختلف الطبيعة الاجتماعية والتعليمية لأعضائها. فالمكانة الاجتماعية – الاقتصادية المتميزة لهؤلاء الأعضاء تمكنهم من الحصول على مصادر تمويل ذاتي كبيرة يتم استكمالها عادة عبر هذه المكانة المتميزة التي يتمتعون بها، حيث يقومون باستغلالها في جمع التبرعات والمنح لمشروعات خيرية وهمية يتم توجيهها بعد ذلك لصالح التنظيم. أيضاً فإن التأهيل العلمي العالي لهؤلاء يمكنهم من منح المجموعات التي ينتمون إليها قدرات فنية كبيرة في مجال التفجير والتسليح بدت واضحة فيما أعلنته السلطات السعودية من تفاصيل بشأن المجموعة الأخيرة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي