Author

ليتهم منك يتعلمون يا عبد العزيز!!

|
عبد العزيز هو أحد أبناء واحد من الأصدقاء والزملاء الذين أعرفهم عن قرب وهذا ما جعلني على معرفة بحقيقة قصته. إنه شاب في مرحلته الثانوية حيث أنهى السنة الثانية منها وطيلة دراسته هو طالب متميز دراسياً. شاب متميز أيضا في ثقافته حيث أنهى قراءة ما يزيد على أكثر من 100 كتاب منها، ما هو بالعربية وأخرى بالإنجليزية وفي مواضيع مختلفة ليست حكراً على نمط معين. وهذه الهواية لدى عبد العزيز ذكرتني أيضا بأحد الأشخاص الذين كتب عنهم الأخ الزميل الدكتور عبد الواحد الحميد في عموده في جريدة «الرياض» آنذاك، حيث يدعى «جس» وهو سكرتير في القسم، فلبيني الأصل يقضي إجازته في قراءة الكتب فقد كان يشتري ما شاء الله من الكتب ثم يذهب في إجازته ليقرأها. وعوداً إلى هذا النمط من الهوايات التي للأسف بالكاد ترصد ممارستها في مجتمعنا نظراً لعدد من الأسباب، واحد منها عدم احترام المجتمع أو تشجيعه لهذه الهواية والتي هي مطلب في حقيقة الأمر قبل أن تكون هواية. وليت الموضوع ينتهي عند حد عدم التشجيع، بل بالتندر كما لو كانت القراءة سلوكاً مزرياً، وهذا ما حصل لعبد العزيز حيث كان في نزهة مع مجموعة من عائلته، إذ كان يقلب الصفحة برأسه وهو يأكل معهم وجبة الغداء ولا يريد أن يقطع ما بدأه في قراءة ما كان بين يديه من كتاب من المؤكد أنه أحضره معه ليتنزه هو فكرياً مثلما هم يتنزهون حسياً . وقد كان هذا السلوك مصدر سخرية أو ربما تندرا من قبل المتنزهين من عائلته وبالطبع ليس والديه أو إخوته بل آخرين. إن سلوكيات القراءة للأسف تكاد تبدو منقرضة في المجتمع، وخصوصاً الشباب، ذكوراً وإناثاً الذين هم الركيزة الاقتصادية. لقد لاحظت من خلال تعاملي مع الشباب سواء في قاعات الدراسة أو في التعاملات اليومية وتعايشي مع مجتمعنا، تدني مستوى الثقافة والإدراك المعنوي لقضايا الحياة، والتي من المؤكد أن الكتب الدراسية والتخرج في المؤسسات العلمية المختلفة لا يؤهلان الفرد لها، إذ من المفترض ألا تكون كذلك. ولا ننتهي بكل أسف حين الأخذ بما هو في صالح التقدم الحضري، وبالتالي النمو الاقتصادي، بما تفرزه الحضارات والتقدم العلمي والذي لا نستورده عادةً (للأسف) إلا بأتفه التطبيقات والفوائد الهامشية، وما مثال نظم المحادثات «الإنترنتية» إلا واحد منها حتى وصل الحال إلى استخدام لغة («برب» و«تيت») خاصة بها. المشكلة هنا أننا لا نعي حجم المشكلة من جراء عدم التأهيل الثقافي وانعكاس ذلك اقتصادياً، فليس كل التأهيل مصدره التعليم النظامي في الجامعة أو المعهد، بل هي سلوكيات وجهد وتعاملات يجب على المجتمع الإحساس بأنها جزء حيوي من التكوين العلمي للفرد وألا ننتهي في حدود ما يفرض على أبنائنا من جرعة علمية لا تتعدى أعتاب الحد الأدنى من التأهيل أو حتى قبول محيط أوسع قليلاً من الحد الأدنى. ولقد رأيت ذلك على أرفع المستويات حتى على مستوى طلاب الدراسات العليا وكنموذج على ذلك سؤالهم المتكرر دوماً هل الفصل رقم كذا سيكون من بين مادة الامتحان؟! إن المجتمع السعودي بالذات كان أكثر إحساسا بالثقافة والاطلاع غير أن الأجيال الجديدة انشغلت بأشياء هامشية وليس هذا انتصاراً لجيل على آخر، ولكن لك أن تطلع على عدد زوار المكتبات العامة من غير ذوي الحاجة إلى بحوث دراسية وتقارنها قبل عقدين. المشكلة مثلما ذكر أيضاً الأخ تركي الدخيل في أحد مواضيع عموده في قصة السباك الذي بيده (ساندوتش) وكتاب. إنها ثقافة مجتمع في قضية الاهتمام بالقراءة وجعلها جزءا من أسلوب الحياة. لقد جُبل الفرد السعودي على قولبة العلم والثقافة وإعطاء المتلقي النزر اليسير منها فلم يشجع المجتمع أفراداً أو مؤسسات على توسيع الأفق وتنمية المهارات بشكل يوثق بالتالي من مخرجاته بالتنافسية العملية التي بلا شك ستنعكس اقتصادياً. ولكنه الأمل في أمثال عبد العزيز أن أراهم يتسنمون قيادة مجتمعهم وركيزته التي سننافس على أكتافها، فلا أعول كثيراً على تنافسيتنا الاقتصادية لكون هذه التنافسية أبرز محاورها المصادر البشرية المؤهلة على جيل الإنترنت الذي لم يأخذ منها إلا تطبيقاتها الهامشية واستفاد من الانفتاح الإعلامي فقط في مشاركته ببرامج ممكن أهدي!!
إنشرها