هل كشفت الأزمة المالية العالمية الحاجة إلى «عولمة الهموم والمحن»؟

هل كشفت الأزمة المالية العالمية الحاجة إلى «عولمة الهموم والمحن»؟

هل كشفت الأزمة المالية العالمية الحاجة إلى «عولمة الهموم والمحن»؟

صدر كتاب «في الأزمة» للصحافي محمد كركوتي (أحد كتاب «الاقتصادية)، في الوقت الذي لا تزال فيه الأزمة الاقتصادية العالمية تنشر حممها في كل الأرجاء. وبعد مرور أكثر من عشرة أشهر على اندلاع هذه الأزمة التي فاقت في حدتها «الكساد العظيم» الذي ضرب العالم في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي - لا تزال تصريحات المسؤولين في الدول الكبرى متضاربة، بين من يعتقد أن الانتعاش بدأ بالفعل، ومن يقول : إن الأسوأ لم يأت بعد. في حين يظهر بين الحين والآخر من يحدد إطارا زمنيا للخروج من الأزمة، ما بين عام آخر وثلاثة أعوام. وبعيدا عن «مهرجان» التوقعات، يأتي كتاب «في الأزمة» الذي صدر تحت شعار عريض يلخص مقدمات الأزمة هو «النمو لمجرد النمو.. مبدأ الخلية السرطانية»، في الوقت المناسب، من ناحية استمرار هذه الأزمة، ومن جهة مقدماتها، التي كانت معروفة لأصحاب القرار الاقتصادي العالمي، الذين فضلوا الانتظار وعدم التدخل، مستندين إلى مبادئ «اقتصاد السوق»، التي تستند بدورها، إلى مفهوم تبين أنه وهمي، وهو « إن السوق مهما تخبطت، بإمكانها تصحيح نفسها»!. #2# وجاءت النتيجة في النهاية، أن قادة هذه السوق، ومن يدعمهم من « الملهمين الاقتصاديين»، أسرعوا إلى الحكومات لنجدتهم، وهم يتابعون تداعي شركاتهم ومؤسساتهم، بل انهيار بعضها، بما في ذلك تلك المؤسسات التي كانت «تتبجح»، بأن شيئا في هذه الدنيا لا يمكن أن ينال منها ومن نشاطاتها. عولمة الهموم الكتاب الذي يقع في 324 صفحة من القطع المتوسط متوزعة على ثمانية فصول (صدر عن مركز الإمارات للدراسات الاقتصادية في أبو ظبي)، يعرض –إضافة إلى مقدمات الأزمة – انعكاساتها المدمرة على مختلف القطاعات، بما في ذلك تأثيراتها المرعبة في المجالات السياسية والعسكرية والاجتماعية والتعليمية والإنسانية والصحية والبيئية والإعلامية والأخلاقية والوطنية.. وحتى القومية. ويطرح «في الأزمة»– من ضمن ما يطرح – قضية العولمة بشقيها «الحميد والخبيث»، حيث يرى المؤلف، أنه إذا كانت الدول الكبرى تسعى إلى تعزيز العولمة في أوقات الرخاء، عليها أن تكرسها في أزمنة الكساد، وذلك من خلال «عولمة الهموم والمحن». بمعنى أنه يجب على الدول المؤمنة بقوة في العولمة، أن تضع الازدهار والكساد في الدرجة نفسها من الأهمية، لأن ذلك سوف يوفر آليات عملية وواقعية وضرورية، أمام الدول النامية للخروج من الأزمة بأقل أضرار ممكنة، ولا سيما أن الدول النامية لم تكن المسبب الرئيسي لهذه الأزمة. يستهل المؤلف كتابه، بسيناريو خيالي لكنه واقعي، وذلك عندما استحضر الأربعة الكبار في الاقتصاد ( كارل ماركس الألماني، وجوزيف شومبيتر النمساوي، وجون كينيز البريطاني، وآدم سميث الاسكتلندي)، وتخيل وجودهم على قيد الحياة، عندما اندلعت الأزمة الاقتصادية العالمية. وقدم مقارنة بين رؤى هؤلاء لما جرى وما يجري، ولا سيما أنهم يختلفون عن بعضهم بعض في طروحاتهم الاقتصادية التي شغلت التاريخ الإنساني. ووجد الكاتب أن منهم، من كان سيضحك، لأنه حذر من مخاطر الرأسمالية، ومنهم من كان سيتوارى، لأنه آمن بالرأسمالية المطلقة، ومنهم من كان سيحاول، إظهار مساوئ الرأسمالية «الورقية»، والاشتراكية الفوضوية. لكن في النهاية توصل إلى أن هؤلاء، لن يكونوا بمعزل عن الصدمة، بمن في ذلك «الضاحكون» منهم. سوق بلا أخلاق خصص المؤلف فصلا كاملا، عن عمليات الاحتيال التي ظهرت في أعقاب الأزمة، ولا سيما أنها نالت من ملايين الأشخاص حول العالم، بمن في ذلك طبعا المحتال الأميركي الشهير برنارد مادوف. واعتبر أن الأخلاقيات الغائبة عن «اقتصاد السوق»، لا تولد سوى «مستثمرين» مثل مادوف وغيره من المحتالين الذين سرقوا المليارات من الدولارات من أموال المعاشات والجمعيات الخيرية والأفراد والمصارف وغيرها، ولم يستثمروا سنتا واحدا منها. وتناول أيضا عمليات الإقراض التي أغرقت الأسواق، دون أي ضمانات، الأمر الذي أدى إلى إغراق الأفراد – قبل المؤسسات – بمحيطات من الديون، التي سيبقون سابحين فيها إلى ما لا نهاية. واعتبر أن الأخلاق الغائبة، كانت وراء عمليات الإغراق هذه. وفي السياق الأخلاقي أيضا، حمل الكاتب الدول الكبرى، مسؤولية المآسي التي ستنجم عن تراجع حجم المعونات والمساعدات المقدمة للدول الفقيرة، بما في ذلك تراجع الإنفاق في مجالات التعليم والصحة ( أي محاربة الأمراض والأوبئة). وحذر من أن الشح في هذه القطاعات العالمية، سيولد أزمة، ستكون الأزمة الاقتصادية أمامها مجرد نزهة! نوادي النخبة ولأن المعايير العالمية والوقائع والمعطيات تغيرت بفعل الأزمة، يتناول «في الأزمة»، قضية مهمة جدا، ترتبط بالمجموعات الدولية الكبرى، ولا سيما مجموعة الثماني، التي لم تعد تسيطر على الأمور. ومع بروز دور «مجموعة العشرين»، وأخذها زمام المبادرة، وجد المؤلف ضرورة حتمية لتطوير هذه المجموعة، خصوصا أنها تضم تحت لوائها، دولا يمكنها أن تمثل أمما كانت غائبة عن ساحة صنع القرار الاقتصادي العالمي. فهو يرى أن «نوادي النخبة»، فقدت صفتها، عندما فشلت في منع اندلاع أزمة اقتصادية أتت بهذه المصائب، وعندما عجزت في الوقوف في وجه الأزمة. ولأن «سياسة الانخراط» باتت ضرورية الآن أكثر من أي وقت مضى، فقد استطاعت «مجموعة العشرين» في قمتيها ( واشنطن ولندن ) بعد الأزمة، أن تحدد المعالم الرئيسية للحلول الناجعة، وإن لم تتوصل إلى الحلول النهائية بعد. يعتقد المؤلف في تقديمه للكتاب، الذي كتب غلافه الأخير الأستاذ طلال سلمان ناشر ورئيس تحرير صحيفة « السفير» اللبنانية، وصمم غلافه الفنان مصطفى رحمة، أنه لو وضع للكتاب عنوان « يحدث في العالم الآن»، لما خرج عن النص، لأن الذي يحدث الآن لم يصل بعد إلى مرحلة التأريخ. وهو يتمنى في الوقت نفسه، أن تظهر كتب تتناول الأزمة، ولا سيما باللغة العربية، لأن هناك كثيرا من التقصير الإعلامي العربي، في مجال الطرح الاقتصادي غير النخبوي. ملاحق إحصائية يتضح من خلال مراجعة «في الأزمة»، أن المؤلف حرص على تضمينه هوامش ضرورية للتعريف بالأعلام والمؤسسات والأنظمة الاقتصادية، وبدأ كل موضوع فيه، بمقولة تاريخية شهيرة تعبر عن المادة المطروحة، إضافة إلى نشره مجموعة من الأقوال لشخصيات عالمية رسمية وغير رسمية حول الأزمة. كما ضمن الكتاب صفحات من الصور المختارة، التي اعتبر أنها قد تشرح بصريا حقيقة الأزمة، إضافة إلى ملاحق غنية من البيانات والإحصاءات التي تدعم موضوعات الكتاب، والتي حرص على تنويع مصادرها، للوصول إلى الحد الأقصى من المصداقية.
إنشرها

أضف تعليق