Author

ابتعثوهم!

|
لماذا يستميت البعض سعياً للحصول على البعثة في دول مثل أمريكا وكندا وبريطانيا؟ ربما لعلمهم أكثر من غيرهم أن التعليم هناك، في أغلب الحالات، يتعاطى مع الدارس كحالة إنسانية تتوق للمعرفة. يخبرني صديق درس في بريطانيا ضمن برنامج للماجستير عن اللغة الإنجليزية وطرائق تدريسها، وكانت دراستهم في جامعة سعودية بينما اقتصرت في بريطانيا على فصل دراسي صيفي مكثف يدرسون فيه أربع مواد خلال 8 أسابيع. وتحدث الصديق عن فروقات منها ما يلي: 1- مادة مناهج وطرق البحث التي رسب فيها هذا الصديق هنا في الجامعة السعودية، يدرسها اليوم على يدي بروفيسور بريطاني حاصل على الدكتوراة منذ خمسة وثلاثين عاماً، واستطاع أن يختزل له ولزملائه أهميتها وأن يقدم نماذج من الكتابة العلمية الركيكة ونماذج من الكتابة المتخصصة مع شرح لأهم قواعد وتراتب كتابة البحث العلمي في مذكرة من 30 صفحة تقريباً. في المقابل، وللأسف، كان الدكتور السعودي الذي درسهم نفس المادة قبل عام كامل قد قرر عليهم كتاباً من ألف وستمائة صفحة وطالبهم بحفظ كثير من محتوى الكتاب غيباً، وكان يردد دائما: "سترون بأنفسكم إذا درستم في بريطانيا أن ما أقدمه لكم هو "ألف - باء" البحث العلمي، وأن البريطانيين لن يقرروا عليكم كتاباً واحداً بل سلسلة كتب، وسيتركونكم لمتاهة البحث في مكتباتهم المهولة"! 2- الأساتذة، وكثيرهم تجاوز الستين من العمر وله من الكتب ما لا غنى عنه في مجالات بحثية عدة، يجلس مع الطالب السعودي أو أي طالب كان على طاولة واحدة في مكتبه أو في قاعة الدراسة لمناقشة أدق التفاصيل ولتذليل أي عقبة محتملة! 3- المحاضرون يوفرون نسخاً ورقية من محاضاراتهم، ويتم تزويد الطلاب يومياً بها لمراجعة ما جاء فيها، وليس لحفظها. 4- الموقع الإلكتروني للمحاضر يستقبل التعقيب على المحاضرات ويتم مناقشتها في أوقات محددة. 5- الأساتذة والمحاضرون يردون على أي إيميل شخصي أو علمي يرسله الدارس أو الدارسة! 6- نظام التعليم لمرحلتي الماجستير والدكتوراه لا يعترف نهائياً بـ "الحفظ" و "التسميع"! بل يستنطق فهمك العام ويحث على كتابة الأوراق العلمية للنجاح في المواد. 7- نظام الماجستير، في دولة مثل بريطانيا، لا يستغرق أكثر من عام دراسي واحد أو فصلين دراسيين فقط، ولو لوحظ أن الطالب متميز فيتم احتساب تلك السنة من متطلبات نيل درجة الدكتوراه، وبهذا يحصل على الدكتوراه في عامين إضافيين بدلاً من ثلاثة! 8- درجة الدكتوراه تقول لك باختصار: حدد موضوع بحثك، واذا وافقنا عليه، انطلق وابحث في مكتباتنا! لا محاضرات ولا هم يحزنون!! 9- المكتبة الجامعية تحتوي على ثلاثة ملايين وسبعمائة ألف عنوان، ولك أن تتخيل كم نسخة توجد من كل عنوان للوفاء بمتطلبات الدارسين في جميع المراحل! 10- المجتمع المدني يشاركك همومك ويقول: تقديراً لمهامك الدراسية، استمتع طيلة مدة دراستك بأشكال وألوان من التخفيض في دور السينما، المسارح، المواصلات، إضافة إلى العلاج في مستشفى الجامعة.. إلخ! أين أغلب أساتذة الجامعات السعودية، خصوصاً الذين تخرجون في مثل هذه الجامعات، من صنع مناخات أكاديمية مشابهة في جامعاتنا؟ ربي وربكم أعلى وأعلم! وللحديث بقايا.
إنشرها