الرضا الوظيفي يتهاوى أمام ضعف المردود المادي والخوف من المجهول

الرضا الوظيفي يتهاوى أمام ضعف المردود المادي والخوف من المجهول

الرضا الوظيفي يتهاوى أمام ضعف المردود المادي والخوف من المجهول

تناولت «الاقتصادية الإلكترونية» موضوع الرضا الوظيفي وتساءلت إن كان الموظفون يشعرون بالرضا عن أعمالهم، وهل الأسباب المختلفة والمعتادة للشعور بالضيق لدى الموظف، كغياب الحوافز، وتدني الرواتب، وضغوط العمل، كفيلة بإخراجه من جانب الرضا إلى دائرة السخط. ثلثا المشاركين في الاستفتاء أبدوا عدم رضاهم، ونسبوا ذلك لأسباب متعددة كانت في معظمها تدور حول الجوانب المادية. وتقوم رؤية هؤلاء على أن العائد المادي لم يتغير ارتفاعا تزامنا مع ارتفاع تكاليف الحياة اليومية، وأن من يعمل حاليا بالكاد ينال قوت يومه، وأن لا مجال أمامه للتفكير بتطوير ذاته، أو الارتقاء بطموحاته، أو حتى تحقيق الطموحات الشخصية كشراء المنزل والزواج.والبعض ساق حججا لا يرى لها دحضا، وأمثلة وشواهد لا يسع المقام لذكرها. وتناول آخرون أسبابا منها عدم وجود التقدير الكافي للجهود المبذولة، والعمل في غير الاختصاص، وتعدد المهام، وطول فترات العمل، معلنين أن هذه هي الأسباب الحقيقة التي تسبب عدم الشعور بالرضا، بغض النظر عن العائد المادي لأنه عادة يتم بالاتفاق بين طرفي العمل، وأنها هي المقياس الأصح لإيضاح الرضا الوظيفي من عدمه. أغلب من أعلنوا رضاهم عن أعمالهم (مثلوا ما نسبته 32 في المائة) لم يبينوا أسبابا لذلك، بل ولم يشاركوا في إضافة تعليقاتهم، باستثناء أشخاص لا يتعدون أصابع اليد الواحدة، واكتفوا بالمشاركة في التصويت، وكأني بلسان حالهم يقول إن الرضا في كل أمر هو الأصل، والأصل لا يحتاج إلى تعليل. أولى المشاركات جاءت من القارئ «القحطاني» الذي وجه ما قد تصح تسميته بضربة استباقية للمشاركين من بعده، حيث بيّن أنه عاشق لعمله، وراض كل الرضا، وأنه وبحكم كونه أول المشاركين فإنه يتوقع أن يأتي عدد كبير من بعده ليعلن تذمره، معزيا ذلك للكسل وعدم الرغبة في العمل ليس إلا. من جهته تساءل «أبو تركي» وقال بصفتي معلما فكيف أكون راضيا في عملي وأنا أرى عدم حصول المعلمين على حقوقهم، ودرجاتهم الوظيفية المستحقة، ووصف المعلمين بأنهم يتعرضون للمضايقات من جهات متعددة تبدأ بإداراتهم وأولياء الأمور ولا تنتهي بالطلاب. آخرون قالوا إن عدم وجود حوافز في الوظيفة وغياب البدلات وتساوي الموظف المخلص والمتلاعب، وهي بلا شك مساواة «غير حميدة» تسبب الشعور بالإحباط لديهم، إذ من غير المعقول أن يتساوى صاحب الكفاءة والمهارات الخاصة بذاك المهمل الذي لا يجيد أبجديات العمل، ناهيك عن أن عدم الشعور بالأمن الوظيفي مثل هاجسا لكثير من المشاركين، واعتبروه سببا رئيسا لعدم رضاهم عن أوضاعهم الوظيفية. #2# عدد آخر من المشاركين وجدوا في هذا الموضوع مدخلا ليبثوا همًا أعظم، ومشكلةً أجسم، إلا وهي البطالة، فقال البعض إنهم يشعرون بالتعجب لسماعهم إلى مصطلحات غريبة على أسماعهم ،فلا هم عرفوا البدلات، ولا ميزوا الحوافز، ومن ذات المدخل ذاته أخذ البعض يعدد الجوانب المهارية التي يتمتع بها، أو الدرجات العلمية التي حصل عليها، ناقلا صوته متمنيا أن يسمع صدى له. «مفظي الفرهود» قال متسائلا: أنّى لنا الشعور بالرضا الوظيفي في ظل العمل لفترات طويلة يوميا وعلى مدار أيام الأسبوع، وأضاف: إن هذا بلا شك سبب مهم للشعور بعدم الرضا الوظيفي، ويظهر جانبا من عدم تقدير الشركات الخاصة لموظفيها، ورغبتها في امتصاص طاقاتهم دون عائد مجز، ناهيك عن أن له مردودا سلبيا على المستوى الاجتماعي كانقطاع الصلات الأسرية والعائلية، وهو شيء مشاهد على نطاق واسع ولا يكاد يختلف عليه اثنان، وقال إنه رغم هذا يحاول تقبل وضعه، خصوصا حين يرى أولئك الذين يعمل بنظام «الفترتين» مبينا أن هذا النظام البالي يلفظ أنفاسه الأخيرة في عدد من بلدان العالم، مشبه إياهم بمن يعمل ستين يوما في شهر واحد، وأضاف أن الإنسان يعمل ليعيش،لا يعيش ليعمل!. «مبارك علي» قال إن راتبه يصل إلى 10000 ريال شهريا ورغم هذا لا يشعر بالرضا الوظيفي! موضحا أن الجانب المالي ليس مهما قياسا على جوانب أخرى أهم، فقال :أعمل في إحدى الشركات الكبرى، وأكثر ما يؤثر فينا كموظفين هو تغيير الأنظمة بتغيير المديرين، ورغبة الكثير منهم بزيادة الأرباح والإنتاجية على حساب الموظف، هذا إضافة إلى التفرقة والمحسوبية في التعامل مع منسوبي الشركة، ومبينا أن هذه الأمور قد يتجاوز عنها في شركات صغيرة لكنها بالتأكيد لا تكون مقبولة في شركات تصنف ضمن أكبر شركات العالم حيث يفترض أنها تدار بعقليات واعية تدرك أن البيئة الوظيفية المهيأة هي أساس الإنتاجية العالية الجودة وتحقيق النجاح بشكل عام. القارئ «عبد الرحمن القليصي» أوضح قائلا: إنه غير راض عن عمله لأنه توظف أساسا كأمين صندوق، ليفاجأ بتكليفه بأعمال أخرى متعددة، لعل أبعدها عن طبيعة عمله الأساسية هو قيامه بدور المعقّب في الشركة، وتساءل ساخرا كيف له أن يكون أمينا لصندوق في ظل غيابه المتكرر الذي يسبب له عجزا دائما في الجرد السنوي، يقلقله كل عام. فهو في ظل هذا غارق في خوفه، متمثلا «ما جعل الله لرجلين من قلبين في جوفه». القارئ»زبن العنزي» قال: إنه يمضي عامه الرابع في أحد أكبر البنوك الإسلامية العاملة في المملكة، وإن معاناته وكثير من زملائه تتلخص في أنهم توظفوا عن طريق إحدى شركات التوظيف، والتي تلتهم شهريا نصف رواتبهم تقريبا، فهم من جهة يعانون ماديا، ومن جهة أخرى يشعرون بانعدام الأمن الوظيفي حيث ترتبط عقودهم مع شركات التوظيف وليس مع البنك، مما يجعل التخلص منهم مرهونا بارتكاب أبسط الأخطاء، بل ومن دون سبب في بعض الأحيان. الاستفتاء أظهر على السطح حجم الإشكالات التي يعانيها الموظفون واستشفينا من أكثر المشاركات أن كثيرا من الشركات الكبرى التي تتشدق بخدمة منسوبيها، والتي يطمح كثير من الشباب للانضمام إليها يعاني موظفوها «الأمرّين» وأن هذا وغيره من وجهات نظر القراء، أظهر أن ثمة مشكلة عامة يعانيها قطاع العمل في المملكة. وبعيدا عن كل هذا فاجأنا «سالم منصور» بمقاربة قد يتفق الكثير معه فيها، فهو يرى أن المسألة إيمانية صرفة، لا تتداخل فيها الجوانب التي سبقه القراء إلى طرحها إلا في أضيق حد، فالتذمر صفة إنسانية غالبة، والذين أعربوا عن رضاهم ينطلقون من منطلق إيماني، يجعلهم يقبلون بأوضاعهم كما هي، فالقناعة تقودهم إلى بر الرضا وسط دوامة الشوائب التي تعكر صفو أجواء غيرهم، فيما هي لا تحرك فيهم ساكنا، وكأنه يتمثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم، «فمن رضيَ فله الرضا». عدد القراءات: 1440
إنشرها

أضف تعليق