رسالة من السويد (2) ما يجمع السعودية والسويد وما يفرقهما

إنني على ثقة بأن القارئ العربي له ملكة ومقدرة قلما يملكها قارئ آخر في الوصول إلى استنتاجات تظهر التباين أو التشابه دون تحميل الكاتب عناء التوضيح.
واللغة العربية ذاتها نشأت وترعرعت في بيئة صحراوية تمنح المرء المقدرة على رؤية ما تسمح به العين المجردة دون إعاقة. نحن هنا في الغرب رؤيتنا تعيقها التضاريس الطبيعية والغابات الكثيفة والعمارات الشاهقة.
وليسمح لي القارئ اللبيب أن أبرهن له ذلك من خلال أعز وأقدس ما يملكه ألا وهو القرآن الكريم. ليس هناك كتاب سماوي أو ديني ذو اتباع ينظر إلى أمور الحياة تلك النظرة الثاقبة دون شوائب وتضاريس مثل القرآن الكريم، وليس هناك كتاب سماوي أو ديني آخر يجادل بمنطق قل نظيره اتباع الأديان الأخرى لدرجة أن بعض السور هي بمثابة حوار فريد فيه من المنطق والحكمة ما لا نظير لهما.
ما أريد أن أوصله في هذه الرسالة هو أن السويد المسيحية بالاسم تطبق حوارا ومنطقا وجدلا قرآنيا في علاقتها مع نفسها أو مع الآخر من حيث تدري أو لا تدري.
السويدي المسيحي ـ وهم قلة إذا أخذنا مجمل سكان السويد ـ له من الحقوق والواجبات مثل السويدي المسلم لا بل قد يفوق المسلم عليه من ناحية الحقوق، لأن الغالبية العظمى من المسلمين في السويد ملتزمون والغالبية العظمى من الذين يتخذون المسيحية دينا غير ملتزمين.
فالمسلمون السويديون، إن شاؤوا، بإمكانهم حشد مئات الآلاف في تظاهرة سلمية، وهذا ما لا تستطيع القيام به الكنيسة في السويد، البروتستانتية والكاثوليكية مجتمعة.

التعامل مع المسلمين في السويد يستند إلى الحوار والمنطق والجدلية التي تؤوي الآخرين وتوافق بينهم.
ألم يؤوي ويضم القرآن أصحاب الديانات السماوية الأخرى؟ ألم يسبغ القرآن على أنبيائهم صفة القداسة ويمنحهم كل الإجلال والإكرام ـ موسى، عيسى، زكريا ...؟
ولهذا، فإن المشكلات التي تواجهها الدول الأوروبية الأخرى بحجة تواجد جاليات إسلامية لا وجود لها في السويد، حيث يشكل المسلمون أكثر من 5 في المائة من السكان. ولنلق معا نظرة سريعة على ما يجري في بعض البلدان الأوروبية الآن:
- في سويسرا يشن حزب الشعب الحاكم حملة لمنع بناء المآذن. وأثارت الحملة صدمة لدى مسلمي سويسرا الذين يبلغ عددهم 350 ألف فرد (نحو 5 في المائة من السكان البالغ عددهم 7.5 مليون). وترفض السلطات السويسرية النظر في طلب المسلم الذي مضى عليه سنين طويلة لمنحهم المزيد من الاعتراف بعقيدتهم.
- في النمسا يتعرض الفيلسوف هانس كوكلر لضغوطات رهيبة لمناصرته للإسلام وقضاياه. هناك نحو 400 ألف مسلم (5 في المائة من السكان البالغ عددهم 8.2 مليون نسمة).
- في فرنسا وقف الكاتب والباحث السياسي والاجتماعي فنسون جيسر أمام مجلس تأديب الشهر الماضي. وماذا كانت خطيئته؟ الدفاع، كتابة وليس عنفا، عن طالبة دكتوراة مسلمة طردت من الجامعة بسبب حجابها ولم يبق لها إلا أشهر معدودات لتقديم رسالتها. وهذا في بلد تبلغ نسبة المسلمين فيه نحو 10 في المائة من مجموع 62.3 مليون نسمة.
هذا غيض من فيض ..
.. وقد يسأل القارىء العزيز، وماذا عن السويد؟
بعض الجواب في الرسالة المقبلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي