FINANCIAL TIMES

محاسن الرأسمالية العائلية الأوروبية ومساوئها

محاسن الرأسمالية العائلية الأوروبية ومساوئها

هل تظل الشركات التي تسيطر عليها أو تملكها العائلات متماسكة أفضل من غيرها في أوقات الأزمة؟ الحكمة التقليدية ترى أنها تظل كذلك فعلاً لأن الشركات العائلية تميل لاتخاذ نهج أطول مدى وأن مالكيها أو أصحاب المصالح فيها يهبون هبة رجل واحد من أجل التغلب على المصاعب التي تواجهها. بيد أن الأزمة الراهنة أظهرت مرة أخرى كم يمكن أن تكون فكرة "الرأسمالية العائلية" مضللة لأنه كما يلاحظ الأستاذ ماركو بيشت من جامعة Libre de Bruxelles ، أظهرت لنا الأزمة مدى الاختلاف في تصرفات العائلات وردود أفعالها – أو بالأحرى عدم قيامها بذلك. إن العائلات ليست محافظة على الدوام. فقد ضارب بعضها، مثل عائلة شايفلر الألمانية صاحبة شركة كونتننتال واستدانت مبالغ ضخمة تعرض ميراثها للخطر الآن. وبعض العائلات، مثل عائلة أجنيلي، على استعداد لمساندة خطوة جريئة لتشكيل تحالف عالمي جديد في مجال صناعة السيارات حتى لو أدى الأمر إلى ذوبان مصلحتها في شركة فيات العريقة. ويمكن أن تكون العائلات محافظة أكثر من اللازم. ذلك أن شركاتها تظل صغيرة جداً أو غير مجددة بالقدر الكافي، ما يعرض بقاءها في الأجل الطويل للخطر. وهناك من يرى، مع اختلاف في الآراء، أن هذه هي حال شركة BMW وعائلة كـفانت التي تسيطر على شركة السيارات هذه في ميونيخ. لا تعكس العائلات دائماً صورة يسودها الانسجام . ففي فرنسا، تستشري الخلافات بين أعضاء عائلة ونديل حول الطريقة التي أديرت بها أخيراً شركة الأسهم الخاصة التي تملكها وذلك بشأن الاستثمار الباهظ الثمن الذي لم تتم دراسته في تكتل سان جوبان لمواد البناء. ولكن ليس هناك ما يضاهي الخلاف العلني الراهن بين عائلة بورش وأبناء عمومتهم من عائلة بيتش حول مستقبل شركتي "فولكس واجن" و"بورش". ويبدو أن عائلتي بورش وبيتش اختارتا أسوأ الأوقات لهذا النزاع. ذلك أن فيردناند بيتش، رئيس مجلس إدارة شركة فولكس واجن المتمرس وزعيم أحد الجانبين المتنازعين، رفض التحدي الذي تشكله عائلة انجيلي في ساحته الألمانية الخلفية بشأن اقتراح شركة فيات الاندماج مع شركة أوبل باعتباره غير ذي شأن. وتساءل في الآونة الأخيرة قائلاً: "هل تعتقد أن كل ما تحتاج إليه هو عدد كاف من العدائيين الذي تقرحت أقدامهم لكي تحقق رقماً قياسياً عالمياً؟" في إشارة منه إلى مناورات شركة فيات. يعتقد السيد بيتش أنه ما زال في المركز الأقوى في النهاية لدمج شركتي "بورش" و"فولكس واجن" تحت راية شركة فولكس واجن وتحت قيادته. وفي واقع الأمر، فإنه قد يتمكن أخيراً من إنجاز عملية الاندماج هذه ومن إلحاق الهزيمة بمعسكر عائلة بورش نظراً للأعباء المالية المترتبة على شركة صنع السيارات الرياضية. ومن المؤكد أنه يلعب لعبة طويلة الأجل بدعم من حلفائه في اتحاد "فولكس واجن" وفي ولاية ساكسوني الدنيا التي لديها حقوق تصويت معارضة في شركة فولكس واجن. ولكن من غير الممكن تسوية كل هذه الأمور عبر الخلاف العلني غير اللائق بين العائلتين والإدارتين التابعتين لهما. ففي نهاية الأمر، فإن أبناء عمه من عائلة بورش يسيطرون على حصة أكبر في شركة صنع السيارات الرياضية من الحصة التي تسيطر عليها عائلة بيتش على أثر خلاف عائلي وقع قبل أكثر من عقدين. ومهما كانت النتيجة، ستكون عائلة بورش وعائلة بيتش قد فعلتا القليل لتعزيز سمعتهما، مجازفتين بذلك بتشويه سمعة رأسمالية العائلات الكبيرة. ولكن هذا أمر غير منصف لأن الرأسمالية العائلية عموماً ما زالت تعمل كما يفترض أن تعمل رغم أن بعض العائلات يمكن أن تخرج من هذه الأزمة بسمعة ملطخة. نموذج "دانون" ربما لا يكون هناك مثال أفضل من نموذج "دانون" للدلالة على محاسن الرأسمالية العائلية. وهذه قصة استثنائية لعائلتين: أبوين وابنين أسسا واحدة من أبرز الشركات الغذائية في العالم، التي تتحدى الشركات متعددة الجنسية من أمثال "نستله" و"يونيليفر". توفي دانيال كاروسو، الرئيس الفخري لمجلس إدارة شركة دانون، الأسبوع الماضي عن عمر يناهز 103 سنوات، وتعتبر قصته تذكاراً مفيداً بكيف أن الرأسمالية العائلية تعمل على أفضل نحو. نمت الشركة بسرعة في أوروبا ما بعد الحرب العائلية، وفي عام 1967 اندمجت مع شركة جيرفيس Gervais لتشكل أكبر شركة في فرنسا لمنتجات الألبان الطازجة. ولكن جاءت الخطوة الكبيرة بعد خمس سنوات عندما التقى دانيال كاروسو بأنطوان رايبود، الذي يعتبر واحداً من أنجح رجال الأعمال في فرنسا بعد الحرب. لم يكن رايبود جزءاً من مؤسسة مدرسة النخبة العظيمة ولكنه أثار موجة من الجدل عبر التقدم بأول عرض عدائي لفرنسا للاستحواذ على شركة سان جوبان، وهي المنافسة الأكبر لشركته العائلية، شركة BSN لصناعة الزجاج. مني العرض بالفشل غير أن رايبود مضى في تحويل شركة BSN إلى شركة غذائية رائدة عبر دمجها مع مجموعة جيرفيس دانون. وأصبح رايبود رئيساً لمجلس الإدارة والرئيس التنفيذي، في حين أصبح كاروسو أحد نوابه. وفي وقت لاحق، أصبح كاروسو رئيساً فخرياً لمجلس إدارة شركة دانون، في حين حل فرانك رايبود، ابن الراحل أنتوني رايبود، محل والده. ورغم بعض المشكلات التي واجهتها شركة دانون في الصين والهند، فقد واصلت ازدهارها وتوسعها كعلامة تجارية عالمية بقيادة رايبود الإبن. وبالنسبة لـ كاروسو، فقد بقي نشيطاً حتى الرمق الأخير . فمنذ أقل من شهرين شارك في الاحتفالات التي أقيمت بحلول الذكرى التسعين لمولد علامة دانون التجارية في فرنسا وإسبانيا . كما أنه أصبح أفضل وسيلة ترويج وإعلان للشركة لأن أحد أسباب الحياة الطويلة والنشطة التي عاشها كان تناوله للين بصورة منتظمة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES